2012/07/04

تحت مسمى التشويق..الدراما السورية تتسابق إلى مخاطبة الغرائز
تحت مسمى التشويق..الدراما السورية تتسابق إلى مخاطبة الغرائز


سوزان الصعبي - تشرين


يشي الكثير من الأعمال الدرامية السورية خلال السنوات الأخيرة بتعاظملجوء صناعها إلى التشويق لكسب الجمهور باختلاف شرائحه وأعماره.

ومن أجل هذا التشويق استخدموا طرائق وآليات درامية وإخراجية عديدة وصلت إلى حد التباري بينهم، معتقدين بأن نجاح العمل الدرامي بات رهين ارتفاع حمى العنف بأشكاله المتعددة والمبتكرة أحياناً، وكذلك باختراع الكثير من أساليب الإثارة الجنسية. ‏

وكأن لا مكان لقصص حياتية واقعية تزخر أصلاً بالتناقضات والأحداث من دون مساحيق الشذوذ الأخلاقي المبالغ فيه والمفتعل أحياناً. ‏

أمثلة كثيرة يمكننا سوقها في حديثنا هنا، ولعل ذاكرتنا تستحضر المسلسل الذي حاز إقبالاً جماهيرياً كبيراً ( غزلان في غابة الذئاب) لما حمله من جرعة زائدة من الجرأة، لكن تضخم الذات عند الشخصية التي أداها ( قصي خولي) واتباع هذا الشاب أشكالاً متصاعدة من العنف ضد موظفيه وموظفاته، وصولاً إلى احتلاله شارعاً كاملاً مسبباً الفضيحة للشابة التي يحب من دون أن يجرؤ أحد على كبح جماحه، يعد ذلك مبالغة درامية شدت المشاهدين وكونت لديهم مشاعر سخط ، أي استطاع العمل أن يشدهم ولو بمبالغة غير معقولة، نعتقد بأنها زادت من مرض النفوس النرجسية. ‏

وتنوعت أساليب التشويق ورفع درجات الغرائز عند المشاهدين الذين لم يعرف صناع الدراما حتى الآن أنهم من الصغار قبل الكبار، أي من الناشئين قبل الناضجين، وجاءنا مسلسل( قاع المدينة) المأخوذة قصصه من حياة الناس البسطاء وكذلك بعض المتغطرسين ، وهنا ومع إعجابنا الشديد بالعمل نتذكر الشخصية التي أداها الفنان ( أيمن زيدان)، شخصية رجل معقد تميزه القسوة الشديدة ضد النساء انتقاماً لماضيه، حتى إنه لا يشاهد سوى أفلام العنف، وقام باغتصاب فتاة صغيرة لقاء مبلغ صغير وأحرق بالنار جزءاً من جسدها، رغبة من أهل العمل في زيادة الشحنة العاطفية لدى المشاهد حتى ولوعن طريق تسريب هذا الحجم الكبير من العنف الذي لا شك في أنه يشوه المشاعر الطبيعية لدى الإنسان، أي يؤجج العدوانية داخله. ‏

وبالمناسبة نتذكر بعض أحداث المسلسل الجماهيري (باب الحارة) ولاسيما تلك التي تصفق للرجولة المتبدية في مشاجرات عنيفة لرجال الحارتين المتجاورتين، من دون أن ينسى نجومنا نفش ريشهم ورفع حواجبهم ونبرات صوتهم معلنة التحدي! والأسوأ أن زعماء الحارتين والرجال الناضجين عمرياً كانوا يستغرقون في (ملاحم البطولة) خلافاً لما يجب عليهم من عقلنة وتهدئة للنفوس وحل للمشكلات. وهكذا تعلم الصبيان كيف يكونون رجالاً من عصور الطرابيش، هكذا تواطأ أهل العمل على الاستفادة من نجوميته ليمرروا لنا الغوغائية والتخلف ضاربين على الوتر الحساس لفتياننا. ‏

وهنالك المزيد.. العديد من أعمال المخرج يوسف رزق تتسم بشطحات التشويق عبر القتال والرصاص والاغتصاب، لكن مشهداً في مسلسل( الخط الأحمر) يمكن التعليق عليه، حين أقدم شابان على اغتصاب نزيلة في مشفى الإيدز أمام عين طفلة وأعين الجمهور، واستمر المشهد ربما دقيقتين وكأننا أمام فيلم أميركي سيئ النسخة. وبالطبع, كان في إمكان المخرج تفادي هذه المباشرة الفاضحة في المشهد حفاظاً على درجة مناسبة من احترام المشاهد, وبالتأكيد كانت الشحنة الانفعالية المراد إحداثها ستصل للجمهور على نحو أرقى. ‏

وفي سياق متصل، تبدو الدراما السورية وكأنها دار أزياء فاخرة ، ففي مسلسل (صبايا) تتهافت النجمات فيه على التفنن بل والتسابق إلى ارتداء الملابس الجميلة واللافتة بل والمثيرة، في البيت والجامعة والعمل والمشاوير والسهرات إن وجدت، وأكاد أجزم بأن معظم متابعي العمل قصدوه بغرض التفرج على هذه الأزياء وعارضاتهن ما يجعل مهمة الدراما الاجتماعية التثقيفية الترفيهية تتراجع لمصلحة مهمات أخرى، ربما اسمها الجذب والتشويق! ‏

ربما لا تنتبه درامانا إلى أنها تخلط أحياناً الحابل بالنابل،تجعل العمل مزيجاً من أحداث التآمر والقتل والاعتداءات وكل أنواع العنف والأمراض النفسية، و تقلد شيئاً من ( آكشن) الأفلام الأجنبية فيبدو التقليد اصطناعاً لا يراعي أخلاقيات مجتمعنا ولا يراعي غرائز الشباب وأذواقهم وحساسيتهم، ولا يلتفت إلى هشاشة نفوس المراهقين وقابليتهم السهلة للتقليد والتجريب، وكأن صناع الدراما لا يهمهم ما يستقبله مشاهدوهم من أقوال وأفعال وثقافات, وكأنهم لا يعرفون خطورة الرسالة التي يقومون بها والتي يتحدثون عن أهميتها دائماً. ‏

المطلوب من الدراما السورية لاحقاً معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية بما يتيح للمشاهد حل مشكلاته لا ضخ مزيد من الأمراض النفسية عليه أو الميل بغرائزه إلى الانحراف تحت مسمى (التشويق)، فالجذب يمكن تحقيقه بأساليب أرقى وأكثر فاعلية، والدراما السورية تحظى بالكثير من الأعمال الناجحة غير الجارحة أو المشوهة للنفوس... نحن ننتظر واقعية تفتح أذهاننا لا شطحات تلهب غرائزنا. ‏