2012/07/04

تخطي مقص الرقيب.. هل هو الجرأة؟
تخطي مقص الرقيب.. هل هو الجرأة؟


سلوان حاتم - الثورة

الجرأة في الطرح أمر مهم كي تستطيع الدخول في أعماق وصلب قضايا اساسية غالبا ما تهمش تحت ذريعة أنها تجرح حياء المجتمع هذا فيما لو كان المقصود الوصول إلى حل أو معرفة السبب على الأقل ولكن ماذا لو تجاوزت هذه الجرأة مقص الرقيب ولم توصل إلى أي فائدة تذكر

وما الدافع كي نتجاوز أعرافا أو تقاليد عبر الفضائيات ونسلط الضوء عليها كأحداث وقضايا بالغة الأهمية ولماذا في الفترة الماضية بدأ سقف الرقيب يعلو قليلا حتى إن البعض اجتاز هذا السقف الذي طالما اعتدنا أنه خط أحمر لا يمكن تجاوزه على الفضائيات من خلال جرأة في مشاهد ساخنة أو كلمات غير محبذة وصولاً إلى طرح مواضيع للنقاش هي خطوط حمراء لم يؤلف أن يتطرق إليها من قبل أو إذا سبق و طرحت فلم تتجاوز الحد المسموح لها أو أن تتجرأ إلى هذا الحد.‏

منذ سنوات استطاعت نانسي عجرم أن تصبح ظاهرة فنية حينما تجرأت في كليب لأغنية لها في ذاك الوقت صعدت نانسي للقمة من حيث الانتقادات تلتها اليسا وهيفا وهبي وغيرهن من الفنانات اللواتي أصبح الفيديو كليب دعاية كبيرة للألبوم ولكن نانسي وصديقاتها ظلمن اللواتي جئن بعدهن لأنهن تجرأن أكثر منهن في الكليبات ولكن فات الأوان لأن المحطات بدأت تبث لكثيرات تجرأن فلم يعد الإغراء الذي اعتمدنه يؤتي أكله مع أن جرعة الجرأة زادت عن حدها وكي لا نظلم المغنيات وحدهن فإن الحق يقال: إن الجرأة بدأت مع المطربين الذين بدأوا يستخدمون فتيات كثيرات في الفيديو كليب وما يتخللها من مشاهد جريئة للموديل التي ترافقهم في الأغنية ما شجع نانسي وزميلاتها لتقليد المغنين الشباب, أما اليوم وفي زحمة قنوات الغناء فلا نستطيع التمييز بين كليب لمطربة عربية وأخرى أجنبية خاصة إذا ما قمت بكتم الصوت عند رؤية الأغنية لأنك ولو لم تقم بكتم الصوت ففي الحالتين ستكتفي بالمشاهدة دون الاستماع للأغنية و كي لانظلم الجميع فإن بعضهن مازلن يتمتعن بالحس الغنائي المترافق مع الجرأة بالتصوير ولكن كيف نبرر تحول بعض القنوات من غنائية تهتم بعرض الأغنيات لتجتاز ما هو معتاد وتقوم بعرض فتيات يرقصن على مدار العرض اليومي وأين هي الرقابة على ما تعرضه هذه القنوات تحت عباءة الغناء؟.‏

وليست القنوات الغنائية وحدها من يتجرأ على مقص الرقيب فقنوات الأفلام الأجنبية وبعض العربية تعرض الكثير من المشاهد الساخنة والمثيرة مستخدمة أقصى حدود السماح لها سواء من خلال اللباس أو القبل أو المشاهد الغرامية عدا عن ما يسمع أثناء الفيلم من شتائم تمر بكثرة يُلتف عليها من خلال الترجمة ، ولماذا لا يستخدم الرقيب أدواته بحيث يرضي الطرفين المشاهد وأقصد هنا المشاهد ضمن العائلة والقناة التي تبث, وإن كان سبب تعري بعض من يغني هو البحث عن الشهرة فما هو السبب في عرض هكذا إثارة خاصة أنها لا تناسب مجتمعاتنا كون الشريحة الأكثر تأثرا ومتابعة لها هم في سن المراهقة والشباب وليس المقصود فقط المشاهد المثيرة بل أيضا ما تقدمه من مشاهد عنيفة ودمار وحروب وطرق قتالية تسلب عقول الشباب فإذا كان المتابع الذي يتمتع بفهم عميق وإدراك قد يتأثر بها فما بالكم لوكان أساسا يميل إلى العنف والذي عادة ما يكون في الأفلام عنفا مبالغا فيه عن الواقع فتمر هذه المشاهد دون أي دراسة إلى أي مدى يكون تأثيرها على بيئتنا العربية وواقع مجتمعاتنا.‏

وبعض البرامج اجتازت مقص الرقيب عبر الكلام من خلال برامج النكت التي تعتمد على استخدام نكت لم نسمعها من قبل تقال دونما تشفير للسباب عبر التلفاز بل إنها في البداية وقبل أن يلح على القناة بتشفير السباب كانت تستخدم المفردات بحرفيتها فإذا كانت مسموحة إلى حد ما في بعض المجتمعات فهي غير مسموحة في باقي المجتمعات العربية الأخرى، وطالما أن البث يكون عبر قمر عربي فلابد من الالتزام بما لا يخدش حياء المشاهد العربي أينما وجد وهذه البرامج التي تعدت مقص الرقيب عادت لتخضع له ولكن الإيحاء مازال واضحا فيها.‏

والبعض قرر الخوض في مواضيع ذات خطوط حمراء وطرحها كموضوع نقاش ولأن كل ممنوع مرغوب فإن هذه البرامج استخدمت كل ما هو ممنوع لتطرحه وخاصة الأمور التي تعتبر منبوذة من حيث الطرح مثل التحول الجنسي والفتيات المتشبهات بالرجال والشواذ حتى أنهم ورغم اعتبارهم اجتازوا الرقيب فقد سمحوا لبرامجهم أن تتحدث عن ظاهرة برامج النكت وعن العري في الفيديو كليب وعن الإثارة ومشاهد العنف أيضا ، وكل ذلك تحت مظلة التوعية والتثقيف ولا نعلم كيف تكون التوعية عبر تجاوز ما هو مسموح مع أنهم كانوا يستطيعون تقديم التوعية فعلا دون هذا التجاوز.‏

في البداية تحدثنا عن تجاوز مقص الرقيب فمن هو الرقيب على هذه المحطات التلفزيونية ومن الموجه الذي يختار أن هذا ملائم وهذا غير ملائم، وإذا كانت الرقابة تنتج أولاً عن عملية ذاتية فكيف لمن سمح لنفسه بشيء أن يعممه على الفضائيات, نحن فعلا بحاجة إلى جرأة ونحن أيضا بحاجة إلى توعية ولكن ينسى أصحاب البث الفضائي أن يكتبوا عبارة للكبار فقط أو أن يحددوا عمرا ما لمن يتابع, وإذا ما أرادوا التجرؤ فعلا فعليهم أن يتجرؤوا على الأفكار لا على الكلام والصورة فإن كان المشاهد هو الهدف الأساسي لهذه الفضائيات فعليها أن تحترم ما يحتاجه لا فرض ما تريد بثه تحت غطاء مواضيع جريئة وإن كان ما نشهده اليوم هو قمة المسموح به وكنا نظن أنه غير مسموح الاقتراب منه فماذا سيفعل من يريد التجرؤ اكثر ؟ وهل سيكون للمشاهد حينها امكانية الاعتراض على هذا التجرؤ حفاظا على أعرافه الاجتماعية ؟ وهل سيجتاز أصحاب البث الفضائي في القادمات من الأيام ما بقي من خطوط حمراء؟‏