2013/07/01

تصحيح ألوان ..النيء والمطبوخ..
تصحيح ألوان ..النيء والمطبوخ..

 

سامر محمد إسماعيل – تشرين

 

 

 

تتيح لنا الأعمال التلفزيونية السورية معرفة معمقة للمجتمع السوري، فليس هناك-رغم مقصات الرقابة الصارمة-مسافة خلبية بين واقع الأمر، ولسان حال الشخصيات التي يتعرض العمل الدرامي لمعالجتها،

 لكن لنعترف أن هذه الأعمال مازالت تسوّق الوجع مادة للفرجة العامة، الكارثة أن من يتفرج يعرف أنه أمام منطق افتراضي، لكنه يعرف أيضاً أن معظم ما يحدث في الدراما السورية يخفي وراءه دراما أشد أثراً في النفس، ففي الحكاية التلفزيونية المعاصرة يدفع القائمون على إنتاج الساعة التلفزيونية نحو نبش كل شيء، كل شيء يغلي ويضج بقاموس عجيب غريب من الخلاصات الفردية، خلاصات تستعمر الآخر وتبتزهُ، تهمشه، تلغيه، خلاصات فردية هي الدراما أيضاً بمعناها الأصلي، حيث يكمن الصياد الأول للفريسة الأولى، يحاكيها، يراقصها من بعيد، يناغيها، يناجيها، يتنمر، يسدد رمحهُ الحجري الأول نحوها، بينما تطمئن هي لقربه المتزايد منها، ولاسيما أن الصياد الأول-بمنطق الأنثربولوجيا- كان يضع قروناً ويلبس جلد حيوان مخشخشاً بعظام حيواناته الميتة، وما هي إلا لحظة وينقض الصياد على طريدته الأولى بطعنةٍ ناجزة.

 

دراما الأفعال المتتالية هذه هي أيضاً كانت من أجل خلاصٍ فردي بغنيمة من اللحم والجلد، لكن المهم ألا تركن هذه الخلاصات الفردية إلى خيار وذوق الصياد الأول غير العارف بعد بالفارق الجوهري بين النيء والمطبوخ.

 

دراما هذه الأيام لم تشبه الصياد الأول المكتفي بالنيء على حساب المطبوخ، فالطهو الجيد لا يناسب صانعي الدراما السورية هذه الأيام، لأن الطهو يحتاج إلى إشعال نار، وإلى معرفة بهذه النار وكيفية تأجيجها وسياستها في موقدها البصري، لذلك يلجأ معظم الكتّاب والمخرجين والمنتجين الجدد إلى منطق الخلاصات الفردية، حيث يعني هذا المزاج في الكتابة ضخ المزيد من التوحش والمغالاة في القتل والتنكيل بالأنا الجمعية لوطنٍ بأسره، بينما يعني في مزاج الإخراج تكسير أضلاع الصورة من أجل استخراج «قلب المشهد» لا روحه، ويعني في مزاج الشركات المنتجة بيعاً سريعاً ومأموناً لمحطة نفطية يتم تفصيل كل شيء على هواها، من دون مراعاة للتاريخ و لغنى المجتمع ثقافياً. ‏

 

هكذا على الأقل أصبحت العشوائيات موضة الدراما، والتاريخي الديني صار رائجاً ومدرّاً للأرباح، وصارت كتابة السيناريو لجميع الحالمين بالخلاص الفردي من لظى البطالة وأشباحها، لذلك لا أستغرب العدد المتزايد للعاملين في هذه الدراما، من المعاصر إلى التاريخي مروراً بالكوميديا الشعبية، وصولاً إلى الدوبلاج، ولا أستغرب أن نمثّل على بعضنا في الحياة بكل هذا التأثر الفاقع، ولكن أين هي نهاية غابة المرايا هذه؟ أين الفارق بين التمثيل والحقيقة.. والجميع يتقن الوقوف أمام الكاميرا بكل هذه الوقاحة و بمنتهى هذا الجمال..؟‏