2013/06/21

تصحيح ألوان ..«شارع عشرون»..!
تصحيح ألوان ..«شارع عشرون»..!


سامر محمد إسماعيل – تشرين

شكّل المقترح البصري لحاتم علي في أعماله الاجتماعية هويةً مغايرة للمدينة السورية، مدينة ترسمها الكاميرا بتأنٍ لعائلة بدت في «الفصول الأربعة» وكأنها عائلة مصنوعة من الخزف،

ألفة مدهونة بنعيم الكسل المنزلي، بعيدة كل البعد عن مشكلات العمل وفساده الوظيفي والإداري، صورة بيضاء تتناغم داخلها شخصيات مثالية عن الولاء للأسرة والاستمتاع بالنماذج الدخيلة على قصة عائلة تعيش هانئة في قلب العاصمة السورية، أسرة «مالك الجوربار»، بقايا البرجوازية التي أُقصيت في قراها السياحية الجديدة، مقابل أسرة «برهوم- أندريه سكاف» الشاعر الفقير، المثال الأكثر كاريكاتورية وتهكماً من شعراء يعيشون على موائد الأغنياء، فلول لنخبة البروليتاريا المحرومة والمضحوك عليها بالنظرية، فالشاعر في الفصول الأربعة مجرد مهنة لا تدر النقود، هذا الشاعر في نص كتبته «دلع الرحبي» سيكون أضحوكة ومدعاة للمسخرة رغم تخصيص مشاهد وحلقات لمأساته الفريدة..

هناك أيضاً أسرة «نجيب- بسام كوسا» الموظف في مصلحة الأرصاد الجوية، المثقف الفلكلوري الذي يعيش مع زوجته «ماجدة- مها المصري»، أنقاض الطبقة الوسطى، فقراء بلا قتامة، سعادة منشاة من الأمل، غيظ ونكايات هادئة ومضطرمة من مخملية «الجوربار» البراقة، تدعمها عشاءات وغداءات لأفراد أسرة كبيرة تجتمع في بيت «الأب- خالد تاجا»، و«الأم- نبيلة النابلسي»، أبوان قادران على لم الشمل وفكفكة سوء الفهم بين أبنائهما مهما كان في أوجه، محبة لم يتركها «حاتم علي» على غاربها، ساعده في ذلك مثال عائلة المحامي «عادل- جمال سليمان» والمشكلات التي تتدخل أسرة «الفصول الأربعة» عبر قضايا محامي العائلة، والتي بدت كأنها مشكلات لعالمٍ آخر، افتراضية تلفزيونية غالت في تكوين مشهديتها الباذخة، لكنها كانت تعرف أنها تقدم المأمول، المتخيل عن مجتمع سوري يعيش جنباً إلى جنب بطبقاته ومشاربه المتعددة مع قليل من كوميديا الحقد الطبقي، عبرة في كل صورة عن لباقات وكياسات نفتقدها كبشر وصلنا تسعينيات القرن الفائت بلا أي شعور بالذنب، عادات كان «الفصول الأربعة» يهدينا إلى قيافتها..

عطلة نهاية الأسبوع، الذهاب إلى حفلات السينما والمسرح، الابتعاد عن الخرافي وشعوذاته المتأصلة في نفوسنا، صداقة الشاب والفتاة، صداقة الآباء والأبناء، النزوع إلى ضرب البطريركية في عقر دارها، الانفتاح على الآخر، التخلص من عقدة الأجنبي، تنوير تجنب الدواء المر، فلم يشأ الدخول في الواقعي وفجاجته، ساندته موسيقا قصور فيينا في كل مشهد كان حاتم يصوره على إيقاع كمنجات فيفالدي. طبعاً حظي المسلسل بنجاح كبير، فالذكاء بإدارة النصائح المُقدمة عبره الحكايات المتصلة المنفصلة داخل كادر ملفوف بكمنجات «طاهر ماملي» كان قادراً على تخطي عقباته الرقابية وحساسياته الاجتماعية، وصفة دقيقة للغاية بدأها «حاتم» بهدوء ودونما جلبة عن مشروعه المعادي لشتى أنواع الظلامية، إشارات كانت تنبعث برشاقة مرةً من خلال جمل واضحة لمتفرج محدد، وأخرى عبر تلميحات غاية في الجرأة لمُشاهد بملامح عامة لكنه يعرف نفسه جيداً..

حيث بدت عائلة الفصول الأربعة وكأنها تعيش وحدها في مدينة تستمع لسيمفونيات فيفالدي، وترفل بالوئام والدعة، لا ذئاب ولا غزلان، ولا غابة، إنما هو أقرب ما يكون إلى «شارع عشرون» في «افتح يا سمسم»...