2012/07/04

تفكيك صورة الحرب الناعمة!
تفكيك صورة الحرب الناعمة!

موسى السيد - تشرين

طرحت الحرب الإعلامية غير المسبوقة ضد سورية الكثير من الأسئلة والتساؤلات، التي يمكن الإجابة عنها، أو قد تكون بحاجة إلى دراسات متخصصة، ولعل أول هذه الأسئلة،.

هو ما يتعلق بالمهنة، وفيما إذا كان الإعلام وسيط اتصال، يتمتع بالحد الأدنى من النزاهة، أم أنه يصلح لأن يكون وسيلة دعاية حربية لقصف عقول وقلوب ملايين الناس، من دون أية مراعاة لأخلاق المهنة وما تتطلبه من موضوعية، وقد قيل الكثير من الكلام بحق فضائيات عربية أو ناطقة بلغة الضاد، وأساليبها في الكذب واجتزاء الحقائق وتشويه الصورة، لكن ذلك كله، قد لا يكون كافياً، لأننا بحاجة ماسة إلى ما يمكن تسميته تفكيك صورة هذه الوسائل، وبيان مكوناتها، فقد لاحظ أبرز من درس الظواهر الجديدة في أداء وسائل الإعلام في الغرب، أن إغراقاً خطيراً للغاية قد حدث بالفعل في الغرب ذاته أولاً، ومن ثم في بقية أرجاء العالم، وقد تلازم هذا مع زيادة حادة في سطوة وسائل الاتصال الاجتماعي في مساعيها لما يسمى صناعة الرأي العام، أو في بعض الحالات العمل على تدمير أسس الرأي العام، بصورة انتقائية، حسب مصالح القوى العظمى، وصناعة أكاذيب كبرى للغاية، تخترق كل صفوف الثقافة والتكوين الوطني للهوية الوطنية والقومية. ‏

ويخطئ من يعتقد أن الحملات الإعلامية الحربية الغربية وامتداداتها، ليس لها تأثير، أو أنها لا تنجح سوى في ملامسة قشرة التكوين الاجتماعي والثقافي، وتفشل في ترويض العقول إن لم نقل تجويفها إلى درجة جعل الملايين تبدو وكأنها مجاميع من الرعاع والدهماء. ‏

فهل نجح هذا الإعلام باعتباره وسيلة دعاية حربية، في جعل صورة حلف الأطلسي والولايات المتحدة، مختلفة في ليبيا مثلاً، مقارنة مع بشاعات كبرى وجرائم يندى لها الجبين في حالة غزو العراق؟ لا معنى للمكابرة أو الشعارات في موضوع كهذا، فقد أرادت القوى العظمى في الغرب برمته، إدخال تعديلات جوهرية في الصورة، فبدلاً من الصورة الحقيقية وهي أن هذا الغرب، مصدر حقيقي لحملات الغزو والنهب والتدخل في شؤون الدول المستقلة، واستهداف ملايين الناس بالقتل والتشريد وتدمير البنى الاقتصادية والاجتماعية والثقافة، دخلت من النافذة الليبية صورة مختلفة ومزيفة، وأن هذا الغرب، وبكل مكوناته، يمكن أن يلعب دور من يقوم بإنقاذ الشعوب وحماية المدنيين والدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، مع إخفاء تام وبعناية شديدة لكامل خلفية هذه الصورة، أي مصالح هذا الغرب النفطية والاقتصادية والاستراتيجية، وقد جاء ذلك في إطار ما سبق أن سماه السيد حسن نصرالله وهو يتحدث عن سطوة وسائل الإعلام والحرب النفسية الصهيونية بـ«كي العقل أو الوعي» وعملية الكي هذه قد تصل، لأن نتعايش معها في منازلنا من دون أن ننتبه، أي ان نتفرج على الشاشة الصغيرة، ولا نغضب أو نسأل أو نجد غرابة في التحليق اليومي والقصف الذي تقوم به الطائرات الأمريكية والبريطانية والفرنسية والإيطالية، ودول أخرى، يبدو انها تريد تدريب طياريها بأجساد الليبيين، سواء أولئك الذين تمت شيطنتهم، أو من يوصفون «بالثوار!». ‏

إزاء مثل هذه الأمور، أجد نفسي دائماً أمام السؤال البسيط: هل تقبل فرنسا مثلاً أن تقوم طائرات غير فرنسية بقصف أراضيها تحت أي سبب أو ذريعة ومبرر؟ هل يقبل الإيطالي ذلك؟ وما هو حكم من يستدرج التدخل الأجنبي في شؤون بلاده طبقاً للقوانين الفرنسية أو الأمريكية؟ ألا يقدم هذا للمحاكمة بتهمة الخيانة وفق قوانين بلاده؟ نعم هذا ما يحصل بكل تأكيد، سواء تم تنفيذ هذا العمل بالوسائل الحربية المباشرة أو بأساليب ما يسمى الحرب الناعمة، وهل هناك بالفعل وسائل حرب ناعمة وأخرى من لون مختلف؟ أكدت الحملة الإعلامية على سورية، ان نعومة الحرب الإعلامية، أشد دماراً من الحرب العسكرية، فهذه الأخيرة قد تدمر مبان ومنشآت وتقتل البشر، لكنها تعجز عن تدمير عقل الإنسان، فبماذا نصنف حرباً تسعى إلى إلغاء عقول ملايين الناس؟! ‏