2012/07/04

تقليد
تقليد


فجر يعقوب – دار الحياة


ثمة رأي لدى البعض، مفاده أن الشعوب أيضا يقلّد بعضها بعضاً، ولولا ذلك التقليد لما كرّت سلسلة الاحتجاجات في بلدان عربية عدة في أقل من ستة أشهر. قد يكون هذا صحيحا نسبياً، وقد يجافي الحقيقة في مكان ما، فـ «الربيع العربي» له ظروف خاصة بكل دولة عربية، وبالتالي لايمكن الجزم بصحة هذا الرأي، وإن بدا للبعض أنه صحيح، وليس عليه سوى التدليل على صحة رأيه بالقول إن وجود الكاميرا التلفزيونية بين المحتجين والمتظاهرين والمطالبين بالتغييرات في بلدانهم هو السبب الرئيس في اندلاع «شرارة» هذا التقليد، علماً بأنه تقليد أعمى عند البعض، وتقليد غاية في الروعة والدقة عند البعض الآخر.

هل هذا يعني أنه لولا وجود الكاميرا التلفزيونية بين مئات آلاف المحتجين لما جرى الحديث عن هذه السلسلة الربيعية بمثل هذه الثقة؟ الإجابة بالنفي ليست مؤكدة، فهناك أوضاع لعبت أدواراً في انتقال هذه الشرارة، ولولا هذه الأوضاع المستجدة في عالم متغيّر ومفاجئ لما استبدت هذه الشرارة المشتعلة في هشيم أحوال الجماهير العربية، وقد عافت الانتظار، ونزلت إلى الشوارع مطالبة بأبسط حقوقها في حياة حرة وعيش كريم.

أصحاب هذا الرأي يسوقون البراهين على صحة ما يقولون، ويضيفون أنه لولا هذه الكاميرات، بصرف النظر عن نوعيتها، لما طلبت معظم الفضائيات تزويدها بالأفلام المصوَّرة المتعلقة بالأحداث، اذ ليس هناك فضائية إخبارية لا تمرِّر في شريطها الإخباري مثل هذا الطلب، لا بل إن بعض الفضائيات الحكومية تطلب مثل هذا الطلب في فعل مضاد لما تقوم به الفضائيات الخاصة، في تأكيد قوة الصورة وإمكانية توظيفها بما يتناسب مع توجهاتها وأجندتها (مع أو ضد).

حاجة هذه الفضائيات تفرضها طبيعة الأحداث المتسارعة، اذ لا يعود مهماً دقة الصورة و «شرعيتها»، فقد يتم توظيف مادة مصوّرة في سياق مختلف، من دون الحاجة لمعرفة مصدرها ومدى صدقية من يقف وراءها. المهم هو الكاميرا نفسها التي تقوم بتصوير الحدث، وليس من يصوّبها باتجاه الحدث، اذ يظل فعل هذا حيادياً حتى اللحظة التي تتلقف فيها فضائيةٌ معينة ما صُوِّر، وتبثه في سياق نشرة اخبارية معينة، وبالتالي تكتسب المادة «شرعية» معينة. ولو جرّب البعض – من باب الافتراض – توزيع المادة نفسها على فضائيتين مختلفتين في التوجه والحسابات، لبدت المادة مختلفة في التوظيف والسياق، وبالتالي يصبح التأكيد على صحة آراء هؤلاء القائلين بالتقليد موجبة، فلولا وجود الكاميرات بين كل هؤلاء الناس، لما أخذت الأحداث هذا المنحى الدراماتيكي في الانتقال من بلد إلى بلد بمثل هذا السرعات القياسية .

للتأكيد على التقليد – يقول هؤلاء - يمكن سوق أمثلة عديدة من ظروف ومناسبات رياضية أو فنية أو إجتماعية يبدو أهم ما فيها دائماً حضور الكاميرا للتصوير بحيث يبدو كل ما يحصل وكأنه هنا يصور بالكاميرا «المحايدة» كي يستخدم في ما بعد.