2012/07/04

تنوع اللهجات السورية.. أبعاد جديدة في بناء الشخصية الدرامية
تنوع اللهجات السورية.. أبعاد جديدة في بناء الشخصية الدرامية


بديع صنيج - سانا


تلتفت الدراما في موسمها الرمضاني الحالي إلى تنوع اللهجات السورية القادرة إضافة إلى المواضيع المتعددة التي تطرحها أن تشكل نكهة خاصة تضاف إلى البنية السردية التي تستطيع تحقيق أكبر قدر من الجذب للمشاهد على امتداد الوطن العربي ولاسيما في ظل اللغة البصرية المميزة.

واللهجات العربية لغة كاملة محببة عجيبة تكاد تصور ألفاظها مشاهد الطبيعة وتمثل كلماتها خطرات النفوس وتكاد تتجلى معانيها في أجراس الألفاظ كأنما كلماتها خطوات الضمير ونبضات القلوب ونبرات الحياة ومن خلال هذا القول للدكتور عبد الوهاب عزام يمكننا تلمس الكثير من الأبعاد الدرامية للهجة والتي تكتسب أهمية كبيرة في بناء الشخصية سواء بشكلها المكتوب أو المجسد تمثيلاً أمام كاميرات السينما والتلفزيون أو على خشبات المسارح.

وإذا أردنا تعريف اللهجة يمكننا فهمها على أنها طريقة في أداء اللغة أو النطق أو جرس الكلام ونغمته كما أنها الصفات أو الخصائص التي تتميز بها بيئة ما في طريقة أداء اللغة أو النطق وعلى هذا الأساس تنقسم اللغة الواحدة إلى عدة بيئات لغوية لكل منها لهجة خاصة أو صفات لغوية معينة يشترك بها أفراد البيئات المختلفة أو المتكلمون باللهجات المتعددة في أكثر خصائص اللغة.

والمتابع للدراما السورية في هذا الموسم يشهد نقلة نوعية فيما يتعلق بتعدد اللهجات التي تعكس بدورها ألواناً جديدة في الشخصيات المجسدة عبر الشاشة الصغيرة بأبعادها الداخلية النابعة من تماهي أداء الممثلين مع اللهجات التي يؤدونها في أعمالهم فبعد غلبة اللهجة الشامية على معظم الأعمال بتنا نرى لهجة الساحل السوري وتفرعاتها ولهجة الجنوب كما في مسلسل الخربة فضلاً عن اللهجة الحمصية في وادي السايح واللهجة الحلبية في بعض الأعمال.

ورغم ما يعنيه ذاك التنوع في أداء اللهجات من صعوبات تضاف إلى الأداء إلا أن ذلك يشكل متعة خاصة للمشاهد ولاسيما أن ذلك يعتبر انعكاساً للواقع الحقيقي الذي تجسده الدراما السورية باعتبارها تقدم رؤى فنية متنوعة مستمدة من حركة الناس وعلاقاتهم ومشاعرهم وقدرتهم العالية في أن يكون موضوعاً قابلاً لإعادة العرض على جمهور عريض.

يقول الفنان محمد خير الجراح إن مشاركاته لهذا الموسم الرمضاني جعلته يتكلم بثلاث لهجات مختلفة ففي الخربة يتكلم بلهجة الجبل والحلبية في صبايا والشامية في الزعيم لافتاً إلى أن لهجة الجبل هي الأكثر غرابة بالنسبة إليه وما ساعده في أدائها أن النص الأساسي لممدوح حمادة كان مكتوباً بلهجة أهل الجبل وأن زملاءه الذين يقطنون تلك المناطق القريبة من السويداء ساعدوه على إتقانها وإضافة بعض المصطلحات إليها مثل يا قي بمعنى يا للهول وغيرها والتي استخدمها لدعم الخط الدرامي الذي يجسده من خلال شخصيته.

ويوضح الجراح أن اللهجة الحلبية هي لهجته الأصلية التي يتقنها ويعتبر أنه قادر على تقديمها على أصولها مع إضافة بعض المنكهات إليها لتنسجم مع الشخصية التي يؤديها في مسلسل صبايا كقوله مثلاً يامو على الله أو أبوس شنأ وشك وغيرها مبيناً أن اللهجة الشامية باتت منتشرة ولا يجد صعوبة في أدائها.

ولا شك أن الممثل عندما يبني شخصية درامية فإنه يفكر بلهجتها يقول الفنان فادي صبيح.. سواء أكانت ضمن ما نسميه باللهجة الثالثة التي تقع بين الفصحى والعامية وهي اللهجة الأشمل في الدراما السورية أم لهجة أهل اللاذقية أو الدير أو السويداء فإن اختيار اللهجة يفرض اقتراحات عن البيئة الدرامية ومفردات الشخصية وكلامها وملامحها وتكوينها الدرامي بشكل عام.

ويضيف.. إن الممثل يفضل الابتعاد عن المطروق والبحث عن مفردات جديدة ضمن المناخ اللغوي الذي تفرضه اللهجة بشرط أن يؤديها بصدق وبحيث تبدو حقيقية قدر الإمكان لافتاً إلى أن اللهجة تشكل 60 بالمئة من بناء الشخصية الدرامية.

ويعتقد صبيح أن الموهبة لها علاقة بأداء اللهجات المختلفة ضمن الدراما مبيناً أن الموضوع يرتبط بالتدريب أيضاً ولا يكفي أن يكون الممثل مقلداً جيداً للهجات لأن الموضوع أمام الكاميرا مختلف حيث أن على الممثل أن يتبنى اللهجة ويدرس الشخصية التي سيؤديها في إطار طريقتها في الكلام لأن ذلك يضعه أمام خيارات كثيرة وبالتالي ملامح درامية أخرى.

للفنان إسماعيل مداح رأي معاكس حيث يرى أن تأدية اللهجات المختلفة بالنسبة للممثل ليس لها علاقة بالموهبة بل هي بحاجة للمران والتدرب أمام شخص متقن وعارف ببيئة المنطقة وعاداتها لافتاً أن تجربته في مسلسل الخربة كان لها خصوصية فرغم أن هذا العمل كتبه الدكتور ممدوح حمادة العارف بلهجة المنطقة الجنوبية إلا أن ذلك لم يكن كافياً بل يحتاج إلى مدقق مختص يساعد الممثلين على جعل منطوق الشخصية التي يؤدونها يخرج بسرعة ودون كبير عناء حتى لا يركز الممثل على اللهجة ويتعب في الإمساك بمفاتيح الشخصية التي يؤديها.

ويوضح مداح أن صعوبة لهجة ريف السويداء والاعتماد على مناخاتها اللغوية القديمة أدى إلى مبالغة كبيرة في أداء الشخصيات ولاسيما أن الممثلين نتيجة عدم إتقانهم الكبير لتلك اللهجة قاموا بالتركيز على الطابع الكوميدي للهجة بدل تسخيرها في خدمة الملامح العامة والأبعاد الدرامية للشخصية.

أما عن مشاركته في المسلسل المصري عابد كرمان إخراج نادر جلال يوضح مداح أن زملاءه من الممثلين المصريين ساعدوه على امتلاك جرس اللهجة وطريقة أدائها بحيث أنه استطاع أن يقدمها بشكل لائق ودون الوقوع في فخ المبالغة.

وفي السياق ذاته يقول برنار جمعة أحد متابعي الدراما السورية.. كنت دائماً رافضاً للاحتكار الذي تقوم به الدراما السورية من ناحية تصدير اللهجة الشامية مع ظهور خجول للهجة الحلبية في بعض الأعمال واللهجة البدوية في مسلسلات أخرى لكنني هذا العام أجد اللهجة الحمصية والشامية والحلبية والديرية والبدوية والساحلية وفي ذلك كسر لذاك الاحتكار والذي سيفرض مع الأيام درامات جديدة تستفيد من البيئات الغنية لسورية وتضاريسها الدرامية المتنوعة.

ويلفت جمعة إلى أنه من الهام جداً الانتباه إلى المناخات اللغوية الممتدة على مساحة سورية الطبيعية والتي تفرض مناخات درامية مختلفة عما شهدته الدراما السورية حتى الآن فضلاً عن الشخصيات الجديدة التي من الممكن استكشافها وطرحها أمام الجمهور فبيئة الجبل فيها كاريكاتيرات ليست موجودة في الساحل أو في البادية وكذلك الأرياف تمتلك تأثيراً مختلفاً في تكوين أفرادها عن المدينة.