2013/05/29

تي تايم مع دراكولا؟!
تي تايم مع دراكولا؟!


جوان جان – تشرين


منذ أن اعتمد الإنسان على الحَمام الزاجل في نقل الأخبار والأفكار من مكان إلى آخر كانت المصداقية أهم ما يرتكز عليه، وهو ينقل صورة حية لما يجري من أحداث في مكان ما إلى مكان آخر يبعد عنه مسافات شاسعة،

ولو لم يعتمد إنسان العصور الغابرة على المصداقية في نقل الخبر لانهارت تلك الوسيلة البدائية في التواصل بين بني البشر لافتقادها إلى الصدق.

وبتراكم التجارب والخبرات تحوّل مفهوم «المصداقية» ذاك إلى مفهوم أكثر حداثة ارتبط بنشوء وسائل الإعلام بشكلها الذي نعرفه اليوم ألا وهو مفهوم «المهنيّة» أو «الحِرَفية» الذي تمسّكت وسائل الإعلام في نشأتها الأولى به، لأن القائمين على تلك الوسائل أدركوا منذ ما يزيد على المئة وخمسين عاماً أن المهنية في نقل الخبر وإيصال الفكرة وتكريس الانطباع عامل ضروري كي تكسب وسائل الإعلام احترام الناس.

ولكن يبدو أنه مع مرور الوقت وتطور وسائل الإعلام من الناحية التقنية والحاجة المتزايدة عند الناس لتلقّف المعلومة ظنَّ بعض القائمين على وسائل الإعلام من أفراد وجهات ومؤسسات ودول أن الثقة المفرطة التي أولاها الناس لوسائل الإعلام لن تهتز إذا ما انتهجت هذه الوسائل أساليب مختلفة عما اعتاد عليه الناس من صدقية ومهنية واحتراف فأخذ بعض هذه الوسائل ينحرف عن مهمته الأساسية في إيصال المعلومة الصادقة وخدمة الناس والارتقاء بهم ثقافة وأخلاقاً وبنياناً اجتماعياً، وذلك بأن حوّل هذا البعض هذه الوسائل إلى أدوات لقلب المفاهيم الإنسانية والأخلاقية التي تربّت عليها أجيال عالمنا منذ أن كرّم الله الإنسان بكتبه السماوية، بل منذ أن عرفت البشرية الحرف الأول والسطر الأول والمعزوفة الأولى والكتاب الأول، وبهذا النهج الذي تنتهجه اليوم بعض وسائل الإعلام وبالتحديد التلفزيونية الفضائية منها تضعضعت بعض المسلمات التي آمنت بها شعوبنا على مدى مئات، بل آلاف السنين.. وعلى سبيل المثال نبذت شعوبنا ولا تزال اتباع الأساليب المحرّمة شرعاً وأخلاقاً لتحقيق أهداف ما سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم غير ذلك من الأهداف، بينما تحاول اليوم بعض الفضائيات الإخبارية العربية أن تزيّن هذه الأساليب للشعوب لتدفع بها باتجاه انتهاجها كأسلوب عمل وممارسة للحياة اليومية، ومن أخطر هذه الأساليب عمليات الخطف التي ازدهرت في عدة بلدان من بلدان عالمنا الثالث في السنتين الأخيرتين لتحقيق أهداف سياسية أو لجني مكاسب مادية، وبينما كانت شعوب عالمنا الثالث تنتظر من هذه الفضائيات أن تكشف النقاب عن هذه الأساليب الخسيسة وتحاربها انسجاماً مع المبادئ السامية لدور الإعلام تبنّت هذه الفضائيات بشكل أعمى وجهة نظر القائمين بعمليات الخطف الذين يحاولون إقناع الآخرين بأن المخطوفين مجرّد ضيوف حلّوا على الرحب والسعة بين خاطفيهم، وهي وجهة النظر التي لا يمكن أن يقتنع بها حتى الساذج (أبو ريالة)، فكيف بالإنسان الواعي الذي يمتلك ذرّة من عقل أو جزءَ ذرّةٍ من ضمير؟

هذه الفضائيات انساقت بالكامل وراء هذا الهراء فراحت تنقل الصور الكاريكاتيرية للمخطوفين وهم يجالسون خاطفيهم ويشربون الشاي معهم ويشيدون بالمستوى العالي لكرم الضيافة، ولم يبقَ إلا أن يطلب المخطوفون من ذويهم التوقّف عن المطالبة بتحريرهم لأن الإقامة بين حفنة من المجرمين قد راقت لهم وقرروا أن يمضوا ما تبقّى من أيام حياتهم معززين مكرّمين بين فوهات البنادق, وهي لا ترى بأساً بنقل صورة مفضوحة لامتهان الكرامة الإنسانية لأشخاص وجدوا أنفسهم فجأة وقد تعرضوا لأبشع امتحان يمكن أن يتعرض له إنسان، ولكن ما بالنا نستغرب سلوك هذه الفضائيات وهي التي قامت على أسس ليس أقلها اختطاف المواطن العربي من تاريخه وجغرافيته ونبله وشمائله التي أضحت اليوم في غياهب النسيان.