2012/07/04

جديد الحرب الإعلامية القديمة!
جديد الحرب الإعلامية القديمة!

موسى السيد - تشرين

يسمي البعض تركيز وسائل الإعلام الأميركية والغربية على إحداث الفتن والتخريب في سورية بمسميات كثيرة إلا أن أقربها إلى الدقة كما أرى

هو أن ما يحدث في هذا الجانب هو إعلان حرب حقيقية مفتوحة ضد كل ما كانت تعنيه سورية في محيطها العربي والإقليمي خلال عقود من السنين، فقد أسست دمشق بشكل حقيقي وراسخ لثقافة الاستقلال في رسم السياسات الوطنية والقومية وقامت بدور رافعة كبيرة ضد المشاريع الأميركية والغربية، لجعل العرب شيعاً وقبائل تتقاتل، وتفقد هويتها ومكانتها وكرامتها، ومن الصعب إحصاء صفحات هذا السجل الطويل والعامر بكل أساليب ووسائل وأفكار وثقافة وتضحيات وصبر منقطع النظير دون فقدان البوصلة، وبالنتيجة الاستعداد لدفع الأثمان وفي كل هذا لا يستطيع أشد أعداء دمشق أن يختبئ وراء إصبعه كما يقال وينكر أن سورية لم تقم بصنع تاريخها الخاص فقط بل أيضاً الإسهام في صناعة تاريخ العرب، ومعرفة الدروب التي نسلكها من أين تبدأ والى أين تنتهي، وأعتقد أن هذا الأمر الأخير في غاية الأهمية في وقتنا الراهن بالذات، فالبعض يتحدث عن صناعة التاريخ لكنه لا يعرف إلى أين تؤدي الدروب التي يسلكها ولا يستطيع الجزم، بأن النهائيات ستكون كذا وكذا، على عكس الحالة السورية، التي سبق ان شبهتها بالفولاذ الذي يبدي مرونة لكنه لا ينكسر. ‏

في الحرب الإعلامية الجارية ضد سورية الآن، يريد أصحاب المعركة الدائرة ليل نهار، من السوريين والعرب عامة، نسيان الجزء الرئيسي من ثقافتهم ومخزون ذاكرتهم بأحاديث لا تنقطع عما يسمونه تغير الوضع. فما الذي تغير في واقع الحال؟ لقد تغيرت الأساليب المعتمدة من قبل الأعداء نفسهم. فقد جاء الأميركي للعراق فقال لدمشق: عليك أن تقبلي واقعاً جديداً، وان تنفذي أجندة مختلفة لكامل هذا التاريخ الذي سرت في دروبه، وكانت الإجابة قاطعة بالنفي، وفي عام 2006 حاولت واشنطن وتل أبيب اختراق قلب المشرق العربي عبر الحرب على لبنان وحصد الطرفان خيبة كبرى وهزيمة منكرة، ومنذ مقتل رفيق الحريري دارت حرب ضارية عبر وسائل الإعلام ضد سورية، واليوم تتكشف كل خيوط الحرب الجديدة التي قد تكون الأقسى لأن مشعليها يعتقدون بأن الصراع على الرأي العام، هي معركة المعارك القادرة على كسر التكوين السوري الصلب حسب تعبير الرئيس الأميركي السابق جورج بوش واستخدام كلمة التكوين هنا له دلالة واضحة لأن ذلك معناه أن أعداء سورية أمام ظاهرة متكاملة الأبعاد، مترابطة في عناصر قوتها ونسيجها الواحد، وهو ما مكن دمشق من الصمود أمام أعتى العواصف. ‏

الأميركي الآن يعترف بأنه طرف في الحرب ضد سورية، وما لا يعترف من قوى الإقليم بذلك الآن قد يضطر لتقديم الاعتذار بعد فترة وجيزة، إذ نستطيع التحدث ليل نهار عن التقنيات الإعلامية ودورها، والفبركة والتهويل، وغزو العقول والنفوس ودور الأموال ووسائل المخابرات، لكن شيئاً مهماً لا يدركه من شن هذه الحرب وهو بكل بساطة أصبح جلياً للغاية، ففي البداية إن هاجس هذه الوسائل رسم فستان جميل مطرز بأحلى شعارات تمت تجربتها في العراق وأفغانستان وسواهما لكن الرأي العام السوري منذ البداية كان يعرف ان هذا الفستان يخفي عورات لا حدود لها، فكيف الحال الآن بعد أن أصبح هذا الثوب ملطخاً بدماء السوريين؟ من قال ان الملايين في سورية على استعداد لتقديم رؤوسها وكرامتها ومكانتها ودورها وتنحني أمام العاصفة القديمة الجديدة؟ ألا يسمع أصحاب هذه الحرب ماذا تقول هذه الملايين؟ ‏

عبر التاريخ تغيرت وسائل الحروب ولكن في كل الأحوال كان الإنسان هو السر الخفي والواضح في حال الانتصار أو الهزيمة وليس المدفع أو الشبكة العنكبوتية والتقنيات المعاصرة، وفي سورية كان الإنسان ومازال وسيبقى من يقول كلمة الفصل ويضع النقاط في آخر الكلام!. ‏