2012/07/04

جرأة «فوق السقف»
جرأة «فوق السقف»


تهامة الجندي – الكفاح العربي

من بين جميع الأعمال الدرامية التي عرضتها الفضائية السورية في الموسم الرمضاني، شكّل مسلسل «فوق السقف» حالة استثنائية مليئة بالمفارقات لعدة اعتبارات، تبدأ من العنوان الذي يوحي بتجاوز المسموح به، ثم الجرأة الغير معهودة في اختيار الموضوعات الساخنة والقريبة من نبض الشارع، مرورا بطريقة التنفيذ والجهة المنتجة، انتهاء بوقف عرض العمل في النصف الثاني من الشهر الفضيل، مع أنه استرعى اهتمام المشاهدين

ورسم علامة فارقة في أعمال هذا العام.

ينتمي «فوق السقف» إلى نمط الكوميديا الانتقادية، التي تتناول هموم المواطن السوري بحس ساخر في لوحات مستقلة، والتي لاقت ترحيبا ورواجا ليس فقط على مستوى الجمهور المحلي بل العربي أيضا، من مثال «مرايا» ياسر العظمة و«بقعة ضوء»، وقام بتأليف لوحات المسلسل التي عُرضت مجموعة من كتاب السيناريو هم: كوليت بهنا، شادي دويعر، طلال ديركي، مازن طه، رافي وهبه وعدنان زراعي، بينما تولى عملية الإخراج سامر البرقاوي.

ولم تغالِ وسائل الإعلام السورية حين سوّقت للمسلسل قبل بدء عرضه بأنه سيكون العمل الأكثر جرأة ضمن إنتاجات هذا العام، فقد فوجئ المشاهد منذ الحلقة الأولى بعمل يعرض واقع الحراك السوري بشقيه الموالي والمعارض في سياق لوحات مختلفة المدد، توقفت عند مظاهر الفساد والتظاهرات الاحتجاجية وبيانات التنديد، كما تناولت مراسيم الإصلاح الرسمية من مثال: رفع حالة الطوارئ وقوانين تنظيم التظاهر السلمي ومنح الجنسية للأكراد، وتحدثت عن نشطاء الفيسبوك والجيش الإلكتروني، وانقسام أفراد الأسرة الواحدة إلى مؤيدين للنظام السياسي ومحتجين عليه، وإلى غير ذلك من تسليط الضوء على بؤر التوتر العالي التي تعصف بالشارع دون مواربة، وبقدر مقبول من الفنية الدرامية على كافة المستويات.

وبغض النظر عن اختلاف الموضوعات المطروقة، والمقولة النهائية التي تصب في صالح الجهات الرسمية، فقد راعى كتّاب السيناريو عرض كافة الآراء المتداولة على ساحة النزاع، عبر شخصيات متنوعة عكست مختلف أطياف المجتمع السوري من شبان وشيّاب، سياسيين ومثقفين ورجال سلطة وأمن، إلى جانب الفئات الصامتة إما نتيجة للخوف أو لعدم تقدير حقيقة ما يجري، كما أكد الكتّاب على مطلب الحرية وضرورة الحوار الوطني والإصلاح ودور المرأة في الحراك الشعبي.

واللافت هنا أن «فوق السقف» هو أحد أول خمسة أعمال درامية قدّمتها المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي التي استُحدثت في العام الماضي في إطار مؤسسات القطاع العام، وعلى خلاف معظم الأعمال الأخرى التي تجري كتابة نصوصها في سنة سابقة أو أكثر لزمن إنتاجها، وفق لائحة مطوّلة من ممنوعات الرقابات العربية والمحلية، ما يجعل موضوعاتها المعاصرة متأخرة عن الأحداث الجارية، تدور في فلك العموميات والظواهر المعروفة. على خلاف ذلك بادرت إدارة المؤسسة قبيل الموسم الرمضاني بوقت قليل إلى تكليف الكتّاب المذكورين بإنجاز عمل يعكس واقع الحراك السوري الراهن مع إعطائهم مساحة واسعة من الضوء الأخضر، في رغبة جادة منها للتعبير عن الخط الإصلاحي الرسمي الداعي لتوسيع هامش الحرية وفتح قنوات الحوار بين مختلف التيارات الفكرية.

وكانت اللوحات تُصور فور تسليمها، ولا تستغرق عملياتها الفنية الأخرى أكثر من يوم لتكون جاهزة للعرض، بحيث لم يكن هذا العمل هو الأجرأ من نوعه فقط، بل كان الأسرع تنفيذا بحسب الدعاية الإعلامية الكبرى التي رافقت خطوات خروجه إلى النور، ما يعني أن المسلسل حصل على جميع الموافقات الأولية، وحظي بكافة أوجه الدعم المادي والتقني الكفيلة بتصويره وعرضه دون مضايقات أو تعقيدات تُذكر.

المفارقة الغريبة عن سياق عمليات التحضير والإنجاز جاءت مع خضوع بعض حلقات العمل إلى مقص الرقيب في أكثر من مشهد فور ظهوره على الشاشة الصغيرة، ثم منع عرض بعض الحلقات، إلى أن تم إيقاف العرض بالكامل في الحلقة الخامسة عشر من المسلسل.

لماذا تم إنتاج «فوق السقف» ولماذا تم إيقافه بعد أن لاقى اهتمام المشاهدين؟ وهل نحن أمام هيئة إنتاجية أخرى على غرار المؤسسة العامة للسينما، تقدّم العديد من الأعمال الجريئة التي لا تُعرض ولا يتم تسويقها عبر الأقنية العربية؟ وإلى متى يظل الفن محكوم بمعايير من خارج الشرط الإبداعي؟ أسئلة تبقى الإجابة عنها في ذمة المستقبل.