2013/05/29

جرعات انهزامية زائدة في «الدراما السـورية»!
جرعات انهزامية زائدة في «الدراما السـورية»!


حلا خيربك – تشرين

لا نبالغ عندما نشبّه تعلق متابع الدراما السورية بها كمنتج بالإدمان، وهو ما تشهد عليه ذاكرة حية لجمهورها بإمكانها أن تستعيد كل دور وشخصية وكومبارس بتفاصيل مملة جداً مضى على عرضها سنوات،

أما سبب هذا الشغف ارتباط هذه الدراما بمجتمعها، محاكاته بهمومه ومشكلاته وشرائحه وتداخلها معه ومواكبتها لتطوراته كمسننين متشابكين، الأمر الذي جعل منها مادة شديدة المصداقية في الشارع السوري لسنوات، وحملها عبئاً ثقافياً علينا مراعاته قبل الترفيهي كونها أقرب الوسائل الثقافية التي يتقبلها ويصدقها ويتابعها، وهنا تكمن خطورة ما تقدمه من حيث إمكانية تكريسها لبعض الأفكار والعادات الاجتماعية، أو لصق بعض الصفات بفئات من الناس على أرض الواقع، أو حلول قد يفتح لها المجتمع السوري قلبه على «العمياني» كونه متواطئاً مع القالب المحبب الذي يقدمها، فهي كما ذكرنا منتجه اليومي الممتع والضروري كالأكل والشرب، و الوسيلة الثقافية الأكثر وصولاً..

أكبر الحلول «انهزامية»

من الشخصيات المؤثرة التي تابعناها هذا العام «ربيع» في مسلسل «الشبيهة» تأليف محمود سعد الدين وإخراج فراس دهني، ومثل الدور الفنان نضال نجم ، شاب نبيل متزن من أسرة راقية وغنية ويتحمل الكثير من أعباء شركة والده، يتزوج زواجاً تقليدياً بينما مازال محباً لخطيبته السابقة خلود والتي يظهر طيفها أمامه فيما بعد بشبيهتها ولاسيما بعد فشل حياته الزوجية وطلاقه، حيث تنهار أحواله رفضاً لواقع وحقيقة والده وبَعْد خلود عنه، فيلازم السرير حزناً ويضرب عن الطعام ثم يدخل في غيبوبة وينقل المستشفى، وهنا أصبحت القصة أكثر تشويقاً وتعاطفاً من جانبنا معه، ولاسيما عندما تناوبت أسرته حتى الخادمة بالتمني على خلود  أن تمن عليه بزيارة أو كلمة وهو ما حصل فعلاً في النهاية، ففتح عينيه بمجرد سماع صوتها وأصبح كالحصان لا يشكو علة، أي بالمختصر المفيد خلود أنقذت حياته، مفصل عاطفي جدا وممتع في المتابعة ومتطرف كوجهة نظر للكاتب،ويذكرنا بالحالات العشقية التي يتواطأ مع عذاباتها المجتمع العربي عموماً، لكن كم هي صحيحة وواقعية؟ هل كانت خلود ستأتي في الواقع أم لتتركه يموت، لأن «قيس وليلى» و«جميل وبثينة» و«هند وبشر» تاريخياً توفوا جميعاً في السرير ولم يرحمهم لا مجتمع ولا من يحزنون!، ما خطورة تكريس فكرة انهزامية كهذه ومتطرفة في الدراما؟ هل هي بالفعل فكرة للعرض أم حل لصراع بعض شخصيات العمل عندما لمّ مرض «ربيع» شمل الأسرتين أخيراً؟

وكم مرة ورد هذا الحل لأزمات درامية عاطفية خلال بضع سنوات؟

الحقيقة ورد أكثر من موت بطل باب الحارة في نهاية كل جزء كحل لتسليم الراية بطلاً جديداً، إذاً هل هو حل أم خلاص للكاتب عند عجزه؟!

هذا الحل ورد في مسلسل «الغفران» للكاتب نجيب نصير والمخرج حاتم علي لشخصية مثلتها الفنانة تاج حيدر التي تركت الطعام والشراب أيضاً يأساً من المحبوب وتناولت جرعات دوائية كبيرة حتى نقلت إلى المستشفى بسبب العشق ودخلت غيبوبة وأنقذها برجوعه إليها الفنان قيس شيخ نجيب.

وفي مسلسل «أسرار المدينة» للكاتب حسن سامي يوسف والمخرج هشام شربتجي، ورد الدخول بإحباط سريري واكتئاب حدّ الموت مرافق لإضراب عن الطعام والشراب لشخصيتين مثلها الفنانان عبد المنعم عمايري وماغي أبو غصن لكن بتراجيديا أكثر حبكة، وبالفعل تواطأت في النهاية كل شخصيات العمل مع هذا الحل وطلقها الفنان عبد الهادي الصباغ وتزوجت عمايري وعاشا بسعادة مطلقة.

حتى في مسلسل «وراء الشمس» الذي تناول حالات خاصة من تأليف محمد العاص وإخراج سمير حسين، كان المرض وملازمة السرير حلاً بشكل أو بآخر لحالة الشخصية التي مثلها الفنان باسل خياط  الذي دخل المستشفى بحالة اكتئابية بعد رفض زوجته إجهاض جنينها المعوق واستيقاظه من الغيبوبة برضى صبا مبارك عنه وزيارته في المستشفى، هذه أربع حالات استسلامية معيبة بحق أبطالها أنتجت نهايات سعيدة وأثرت بنا كجمهور.

أربع حالات اكتئاب سريري واستسلام لوطأة الواقع كافية لتمنح هذا الحل شرعيته في ثقافة مجتمعنا في حال تكراره.


مشاريع ملوثة


يبدو أن دراما الأجزاء غير المخطط لها مسبقاً، والتي أخذت شرعية إنتاج جزء ثان وثالث من نجاح وانتشار الجزء الأول وضمان ربحيته للمنتج، أصبحت تشكل خطورة التكريس أيضاً على ثقافتنا الدرامية، مثلاً هذا العام في مسلسل «ساعات الجمر» أو بالأحرى «ولادة من الخاصرة 2» شاهدنا شخصية «أم الزين» الحلبية التي مثلتها الفنانة شكران مرتجى ونالت شهرة كبيرة العام الماضي، أخذت حيزاً جديداً هذا العام من ذاكرتنا، وشكلت لدينا بالتعاون مع شخصية «قدري» الحلبي بمسلسل «صبايا» ثلاثة أجزاء  فكرة جديدة عن الحلبي كونه إنساناً «جلموق» و«معجوق» و«كتير غلبة» و«كوميدي»، وهي الفكرة غير الصحيحة أبداً وإنما نتجت عن استهلاك اللهجة الحلبية بكركترات معينة.

أليس كافياً «لعنة الطين» للكاتب سامر رضوان والمخرج أحمد إبراهيم أحمد، ومسلسل «ولادة من الخاصرة» بجزأيه للكاتب سامر رضوان والمخرجة رشا شربتجي، من خلال تقديم شخصيات مبالغة في التطرف، لتكريس صورة ضابط الشرطة والجيش والأمن على أنه شخص مريض نفسياً، ونشأ من عدم وأتت السلطة لتمكنه من فك عقده المتراكمة، لدرجة أصبحت كوميدية أحياناً حيث بإمكانه فعل كل ما هو خارق وغير طبيعي، وغير مضبوط بدين ولا قانون، حتى خلناهم «بات مان»!

مسؤولية متبادلة

ليس مطلوباً من الدراما أن تقدم حلولاً، هذه هي الحقيقة، فالدراما منتج فني بالدرجة الأولى يقدم وجهة نظر كاتب ومخرج بغض النظر عن واقعيته، وكنا دائماً كمراقبين ناقدين للدراما السورية بشدة محاكاتها للواقع لدرجة صارت أشبه بريبورتاج صحفي يعكس الشارع السوري، بعيداً عن المتعة والرواية، إلا أنه كان سبب انتشارها في مجتمعها ونجاحها من الداخل قبل أن تخرج لتتصدر الشاشات العربية، فماذا لو بدأ الشارع يحاكيها؟! وهو رد الفعل الطبيعي كونه يصدق ما يحب، هنا تكمن خطورة التكريس، وهو مسؤولية جميع القائمين على صنع هذا المنتج الذي نعشقه ونحتاجه ونتشارك في «طبيخه»، من كاتب ومخرج وممثل ومنتج وناقد وصحفي، علينا جميعاً أن نرمم الخلل في هذا الجسم الكبير «الدراما السورية» من خلال متابعة بعضنا لما يقدمه الآخر ونقده وأخذه بعين الاعتبار، فوصفتنا السحرية منذ البداية كانت محبتنا لـ«طبيخنا».