2012/07/04

جس نبض
جس نبض


أمينة خيري – دار الحياة

يقيس الطبيب نبض المريض مرة أو مرتين في اليوم ليستكشف حاله، وربما التكهن بمجريات أموره الصحية. كذلك تفعل جهات، سواء إعلامية أم رسمية، هذه الأيام لاستنباط حالة الشعب، والتكهن بمجريات أموره الفكرية والتظاهرية والاعتصامية والاعتراضية وأيضاً التضامنية. يستضيف برنامج ما عضواً من الإخوان المسلمين أو واحداً ممن ينتمون إلى أحزابها الخمسة المولودة من رحمها، ويبدأ تلقي اتصالات المشاهدين الهاتفية الذين يصبون إما غضبهم واما استحسانهم على عملية مزج الدين بالسياسة المموهة التي يبرع فيها الإخوان منذ عقود طويلة. وعلى متن قناة أخرى، تلتف مجموعة من المنتمين الى جماعات دينية انضمت حديثاً إلى عالم السياسة العلني والمعترف به حول نصف طاولة الحوار التلفزيوني، بين مؤكد لنيل الأقباط حقوقاً كتلك التي كانوا يحظون بها في عهد الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وربما فرض ضريبة عليهم أشبه بـ «الجزية». وعلى الجانب الآخر، مجموعة من الناشطين والسياسيين الأقباط أو المعترفين بحقوق المواطنة من دون تفرقة. ويشتعل النقاش، ويستقبل البرنامج ردود المتابعين وتعليقاتهم المشتعلة، إما على هذا الفريق وإما على ذاك. وفي نهاية البرنامج، يعلن المذيع النسبة المئوية لمؤيدي إحدى الأفكار.

مؤشرات شبيهة لاتجاهات الرأي العام تتلقاها البرامج التلفزيونية عبر فقرة باتت شبه ثابتة في غالبية برامج الحوار، وهي قراءة تعليقات المشاهدين التي ترد للبرنامج عبر صفحته على «فايسبوك». صحيح أن المذيع ينتقي منها عدداً محدوداً لقراءته أثناء البرنامج، إلا أن الحصيلة تبقى في حوزة القائمين على أمر البرنامج.

الطريف أن «فايسبوك» الذي ينسب إليه شرف تفجير الثورة المصرية، لجأ إليه المجلس الأعلى للقوات المسلحة أيضاً ليستطلع آراء المواطنين حول المرشحين للرئاسة. هذه الخطوة المثيرة للجدال والتساؤلات لم تتوقف عند حدود الاستطلاع في حد ذاته، إذ تحول هو الآخر ليصبح خبراً يشار إليه بصفة يومية في عدد كبير من البرامج. فهناك من يتساءل عن جدوى مثل هذا الاستطلاع، أو صدقيته، وأحياناً الأغراض الحقيقية منه. وهناك من يتخذ منه نقطة انطلاق لفقرة حول الترشح للرئاسة، وقياس شعبية المرشحين المحتملين، وفتح الباب أمام مناقشة فكرهم وبرامجهم. وتماماً كما في نظريات تدوير البيئة، يفيد الجميع ويستفيد. فالاستطلاع العجيب روّج له، وبدأت قاعدة جماهيرية أوسع تدلي بدلوها وتعبر عن رأيها من خلال البرامج التلفزيونية التي ما زالت تحظى بنسبة انتشار وشعبية أكبر بكثير من الشبكة العنكبوتية، وهذا يتيح للقائمين على أمر الاستطلاع «جس نبض» المصريين في شأن اتجاهاتهم في ما يختص برئيسهم المقبل. كما أن المادة ثرية إعلامياً ومثيرة للجدال، وهو ما يوفر لها عوامل النجاح بالمقاييس التلفزيونية. ويمتد العمل بمبدأ تدوير البيئة، فتنتقل مثل هذه الاستطلاعات الجاسة لنبض الشارع من البرامج إلى الصحف التي تفرد صفحات ورقية وأخرى إلكترونية لاستعراض فحوى البرامج بصفة يومية. ومن خلال هذا السرد، تستطلع كذلك آراء القراء لما ورد فيها من مناقشات وسجالات، وهو ما يُدون من خلال تعليقات مكتوبة، أو استطلاع رأي إلكتروني، على غرار «هل تؤيد ما ورد في برنامج «كذا» من دعوة لتأجيل الانتخابات مثلاً؟ نعم. لا. لا أهتم». ويستمر جس النبض وقياس الاتجاهات في ظل حال غريبة من افتقاد الرؤية السياسية وضبابية المستقبل.