2013/05/29

جون رابي... ملحمة بصرية لجرائم الحرب
جون رابي... ملحمة بصرية لجرائم الحرب

عهد صبيحة

نجح فلوريـان غالينبيرغر مخرج فيلم جون رابي John Rabe في تقديم ملـحمة عن الحب والتضحية الإنسانية، رواها، على مدى أكثر من ساعتين، بطل الفيلم أولريتش توكور وعشنا تفاصيلها لحظة بلحظة.

تبدأ أحداث الفيلم خريف عام 1937 حيث يطالعنا الفيلم بقرار إنهاء عمل جون رابي، رجل الأعمال الألماني، كرئيس لفرع شركة سيمينز في نانكينغ العاصمة الصينية في ذلك الوقت. وليس أمر مغادرته لهذه المدينة طيب المذاق بعد أن عاش فيها سبعة وعشرين عاماً ونيف، وحقق انجازات اقتصادية، وخصوصاً أنه عرف أنه لم يرقّ في عمله بل طرد منه. وبعد أن يقلد وسام "بطل الشعب الصيني" في حفل يقام لوداعه تقصف الطيارات اليابانية المدينة فيفتح أبواب مصانعه لإيواء المدنيين بأن يجعلهم يحتمون براية النازية (التي كانت في حالة تحالف مع اليابان)، والتي كانت في نفس الوقت حماية، في رأي رابي، للمضطهدين.

وفي اجتماع للدبلوماسيين وبناء على اقتراح من الدكتور روزن، وهو دبلوماسي ألماني من أصل يهودي، يُنصّب جون رابي رئيساً لمنطقة نانكينغ المدنية والتي مهمتها حماية المدنيين من شر الحرب بحيث لا يكون فيها مكان لاقتتال. يبقى جون رابي في المدينة مفاوضاً اليابانيين من أجل المحافظة على حياة أكثر من مائتي ألف صيني لجؤوا إلى المنطقة هرباً من بطش اليابانيين. نشهد في تفاصيل قصة المدينة هذه بشاعة الإجرام الذي يرتكبه الجيش الياباني من قتل ومجازر جماعية وانتهاكات لحقوق الإنسان.

كما نشهد حكايات فرعية مثل كره الدكتور ويلسون لرابي باعتباره ممثلاً للنازية، وإخفاء الجنود الصينيين داخل كلية البنات، وتوثيق إحدى الطالبات الصينيات لتفاصيل الجرائم عبر تصويرها لها، وتفاصيل مفاوضات رابي مع الأمير أوساكا حول شروط منطقته المعزولة، وتبرع رابي بمدخراته لخدمة قضيته، وغيرها من التفاصيل التي رفعت من إيقاع الحدث إلى مستوى لا ترمش فيه عين المشاهد.

لينتهي الفيلم مع عرض رابي حله الأخير من أجل إنقاذ المدينة الرازحة تحت الحاجة والجوع، بان يعرّض نفسه مع زملائه للقتل الجماعي مع أبناء المدينة كسباً للوقت إلى حين قدوم سفينة الإعلاميين الدوليين، الأمر الذي ينهي هذه المأساة باتفاق يقضي بخروج رابي من المدينة وتسليمها إلى مسؤول ألماني آخر. يغادر رابي مع زوجته، التي كان يظنها ميتة طوال أحداث الفيلم بينما هي أسيرة اليابانيين. يغادر رابي مع هتاف جماهير المدينة له ضارباً أروع مثل على الإخاء الإنساني في ذلك الزمن.

استطاع الفيلم، وبمشاهد قوية وقاسية، تقديم صورة حقيقية وبشعة للجرائم اليابانية فترة الحرب. بل نستطيع القول أنه كان ملحمة صرفة لمذابح وحشية زهقت خلالها أرواح الآلاف من المدنيين بصورة بشعة. استطاعت كاميرة غالينبيرغر أن تربط الوثائقي بالروائي عن طريق دمج المشاهد بين الصنفين، بطريقة مبتكرة أضافت حساً واقعياً ناجحاً على تصوير هول مأساة هذه المدينة. كما حلّق، اوليرتش توكور، في أدائه المتقن لشخصية رابي.

في نفس الوقت دخل هذا الفيلم في تعقيدات رابي النفسية الداخلية، من خلال روايته لمذكراته التي تداخلت مع تطور قصة الفيلم، وهذه المذكرات هي المذكرات الحقيقية لجون رابي والتي نشرت في العام 1997. من خلال رويه لمذكراته، نكتشف أنه شخص عاش في مدينة لمدة تزيد عن 27 عاماً، مؤمنا بالعمل والنجاح، وفي النفس الوقت هو عضو مخلص في الجمعية العمومية للحزب النازي، لذلك كان مؤمناً بقائده رافضاً لسخريات الدكتور ويلسون الناقدة طوال الوقت للنازية ، حتى أن رابي أرسل رسالة لهتلر ظاناً أنه لن يرضى عن هذا الوضع غير الإنساني للمدينة.

فلوريان غالينبيرغر

من مواليد ميونيخ 1972. درس الإخراج في جامعة ميونيخ للتلفزيون والسينما. عمل في الكتابة السينمائية قبل أن ينتقل للإخراج، وأهم أفلامه الروائية فيلم ظلال الزمن Schatten der Zeit عام 2004 وهو يروي قصة ستة عقود من تاريخ الهند المعاصر.نال جائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أكشن قصير عام 2001 عن فيلمه أريد أن أكون Quiero ser، وعن نفس الفيلم فاز بالجائزة الفخرية الطلابية من الأوسكار الطلابي.