2012/07/04

(حسني البورظان) القلعة الفنية الشامخة...أسئلة «غامضة» و«مفاتيح» من ذهب وألماس
(حسني البورظان) القلعة الفنية الشامخة...أسئلة «غامضة» و«مفاتيح» من ذهب وألماس


علي الحسن – الوطن السورية

حسني البورظان الشخصية الفنية الأشهر في تاريخ الفن «الدرامي» والسينمائي في سورية والعالم العربي والشخصية التي لا تزال تسكن في وعي وذاكرة المشاهد العربي نظراً للمستوى الإبداعي الذي ظهرت منه على مدى عقود وحجم الحب والإعجاب الذي حظيت به جماهيرياً وهي الشخصية الأقرب إلى وجدان المشاهد العربي والأكثر تماهياً معه، جسدها وأسس لها نهاد قلعي عبر عشرات المسلسلات والأفلام السينمائية التي تنتمي إلى زمن البدايات تلفزيونياً وزمن الجماهيرية سينمائياً ليقدم للفن في سورية والعالم العربي عصارة ذهن متفتح.. وكبيرَ إبداع متألق وليكون واحداً من ألمع الفنانين نجومية ومن أكثرهم خدمة للفن على امتداد العالم العربي، وربما الأكثر بينهم الذي وقع عليه حيف وظلم وعدم إنصاف في حياته ومرضه ومماته وربما المقولة ذائعة الصيت التي كان يكررها في أعمال له «إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا علينا أن نعرف ماذا في البرازيل» تلخص جانباً كبيراً مما تعرض له نهاد قلعي مثلما تلخص جوانب كبيرة في الحياة والمجتمع والسياسة وهي المقولة القابلة للحياة أبداً والاسقاطات دوماً وعلى الصعد كافة.

نهاد قلعي الخربوطلي المولود في دمشق أوائل ثلاثينيات القرن الماضي ونشأ في حي المهاجرين الشعبي لا يمكن اختصار مسيرته الفنية الطويلة المفعمة بالألق والنجومية والإبداع ممثلاً وكاتباً ومخرجاً، جاء الفن من أوسع الأبواب وكان بمثابة رافعة ارتقت بالفن وأعلت من شأن وحضور فنانين لهم صولات وجولات ذلك أنه عمل بروح الفريق مترفعاً عن الأنا التي ذابت في الآخر سبيلاً للإنجاز وطريقة أو نهجاً في العمل والحياة إذ عرف عن نهاد قلعي الدماثة والمحبة والنبل والكرم واحترام الذات والآخر وحب العمل والتواضع إذ عمل في بداية حياته مراقباً في معمل للمعكرونة وضارباً للآلة الكاتبة في الجامعة قبل أن يعمل مخلصاً جمركياً ثم يتجه للتفرغ للعمل على حسابه الخاص منتسباً إلى استديو البرق (1946) مؤسساً وسامي جانو وخلدون المالح «النادي الشرقي» حيث كانت بداياته المسرحية مؤسساً أيضاً للمسرح القومي في سورية ومديراً له 1959 فقدم مسرحيات كثيرة منذ «المزيفون» 1960 وانتهاء بمشاركته في مسرحية «غربة» وبالتزامن مع ذلك كاتباً وممثلاً في التلفزيون والسينما وربما الأشهر «حمام الهنا» 1967 و«مقالب غوار» 1968 و«صح النوم» 1970 حيث جاء توقيع قلعي ممثلاً ومؤلفاً ولا يمكن الحديث عن «حسني البورظان» دون الحديث عن «غوار الطوشة» الشخصية التي جسدها الفنان دريد لحام وشكلا ثنائياً فنياً في عشرات الأعمال وأصابا نجاحاً غير مسبوق في سورية والعالم العربي إلى جانب شخصيات أخرى مثل «ياسينو» (ياسين بقوش) و«أبو عنتر» (ناجي جبر) و«أبو صياح» (رفيق سبيعي) و«فطوم حيص بيص» (نجاح حفيظ) وجيل آخر من الرواد المؤسسين والملهمين في زمن كان ينظر لـ«المشخصاتي» كمهرج أو تهمة ضمن ثقافة «العيب» الاجتماعية.

حسني البورظان السمين والنبيل وغوار الطوشة النحيل وصاحب المقالب والحيل، الثنائي الفني المتفرد والاستثنائي والذي لا يمكن مقارنته بأي ثنائي آخر عربياً أو حتى عالمياً شكل علامة فارقة في الفن في مقاربته للذهنية الشعبية والمجتمعية وفي ظهوره على نحو متجدد وغير مقولب أو منمط تبعاً لمسار الشخصية في تنافر وتجاذب ولعب في هذا التأسيس والتجديد نهاد قلعي دوراً كبيراً يحسب له وإن لم يأخذ حقه في التعاطي النقدي والإعلامي كما يفترض علماً أن شخصية غوار الطوشة بكاركترها وحضورها اللافت أغنت هي الأخرى وإلى حد بعيد هذا الحضور وأعطته نكهة خاصة ومميزة.

الحياة لم تكن رحيمة بنهاد قلعي مؤلفاً وممثلاً ومخرجاً كما كانت شخصية حسني البورظان رحيمة تنضح بالحلم والرقي ولم يعطه الفن ما يستحق مثلما هو أعطى الفن وربما تأتي حياة نهاد قلعي ومسيرته الفنية ومرضه الأكثر «غموضاً» وإثارة للأسئلة بين الفنانين الراحلين ولم يأت بعد من يفتض ما أحاط بتلك المسيرة من علامات تعجب ويضع النقاط على الحروف وخاصة للأسباب أو الدوافع التي أدت إلى شلله ومرضه وانفضاض الجميع من حوله ليترك سنوات على فراش المرض والإهمال.

أقل من عشرين عاماً مضت على رحيل نهاد قلعي 1993 القامة الكبيرة حيث دفن في مقبرة الدحداح بدمشق ولا يزال الناس يرددون في أحاديثهم أن نهاد قلعي أو «حسني البورظان» عاش سني عمره الأخيرة مظلوماً وأن أهل الثقافة والفن والإعلام لم ينصفوا قلعي القلعة الفنية الشامخة وهي تحمل أسراراً وتقدم مفاتيح فن من ذهب وألماس وتشرع أبواباً للداخلين في عالم المجد الفني..!!