2013/05/29

حضور العائلة المسيحية في الموسم الدرامي 2012.. مثالاً النسيج الاجتماعي الوطني في الدراما السورية
حضور العائلة المسيحية في الموسم الدرامي 2012.. مثالاً النسيج الاجتماعي الوطني في الدراما السورية


بسام سفر – تشرين

يمتد النسيج الاجتماعي الوطني السوري على مساحة سورية كاملة، وتعاملت الدراما معه كوحدة سورية متكاملة بعيداً عن الفسيفساء القومية والدينية والطائفية،

فالعمق الإنساني السوري الواقعي دفع كتاب ومخرجي الدراما للتعامل معه كجزء من الواقع على مبدأ الإنسان أولاً، رغم محاولات الكثيرين شيطنة هذا الإنسان من خلال تصنيف الإنسان الطيب أو الشرس والقبيح أو تصنيفه على أنه دين أو معتقد، فالأساس الإنساني الذي تعاملت الدراما معه في الموسم الدرامي للعام 2012، جعلت منه هدفاً إنسانياً واضحاً عبر التخلي عن التصنيفات السابقة، وهذا ما أكد أن الدراما تناولت الإنسان كقيمة حضارية بكل إنسان موجود على الأرض السورية، وهذا تجلى من خلال حضور المواطن السوري المسيحي في الدراما السورية من خلال عملين دراميين الأول «المفتاح» الذي أنتجته المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي في سورية، والثاني «رفة عين» الذي أنتجته سورية الدولية للإنتاج التلفزيوني.

نسيج اجتماعي إنساني

ظهر هذا النسيج الإنساني السوري في العمل الدرامي المفتاح من تأليف الروائي والكاتب الدرامي خالد خليفة، والمخرج المخضرم هشام شربتجي، إذ تجلى ذلك عبر أربع أسر مسيحية، الأولى مكونة من «أبو زهير، فايز قزق» و«أم زهير، سلمى المصري» و الأبناء «حنان، شكران مرتجى» و «فراس، احمد الأحمد»، والأسرة الثانية مؤلفة من «إياد، خالد القيش» ووالدته، و الأسرة الثالثة مكونة من «لينا، ديمة قندلفت» واختها «روزا، وأمها ووالدها»، وهناك مكتب المحامي (بهيج، سليم كلاس)، والمحامية المسيحية الموجودة إلى جانب إياد وفراس.

وتكامل هذا الوجود الإنساني للعائلات المسيحية مع بعض سكان الحي المسلمين في الدويلعة من خلال العلاقة الاجتماعية والجيرة مع بيت أهل مسعود عبر (أمه، وفاء موصلي) وابنه الطفل هاني، وكذلك أهل زوجته «ليلى، أمل عرفة»، و«أمها، غادة بشور»، و«أبيها، جرجس جبارة»، ونلحظ في الحلقة الثانية عدم وضوح هذا الحضور على أساس ديني مسيحي في مكتب الأستاذ بهيج لكن مع تقدم عرض الحلقات يتضح ذلك عندما تلتقي أم زهير في الكنيسة الأستاذ بهيج، ويسألها عن عدم انتظام دوام فراس في المكتب كمحام متدرب، فترد بأنه شاب طائش، يعمل مع صديقة مسعود، ولكنها تطلب منه متابعته لكي يحصل على درجة الأستاذ، وأنه هو من يقرر مستقبله في المحاماة، لأنه لا يوجد في سلك المحاماة غير الأستاذ بهيج، وهو يستطيع أن يمثلهم في تدريب وتربية فراس ويتعمق هذا الحضور من خلال علاقة الحب التي كانت تربط (فراس، ولينا)، وبعودة لينا من أمريكا ومحاولة لقائها «بفراس» التي لا تتم إلا في سيارة «الفوكس فاكن»الصالون التي سيستخدمانها مكتباً للعمل لهما، ويوصلهما مسعود إلى أمام المطعم، ويدخلان إليه، وتبدأ رحلة جديدة في التعرف على ذاتيهما، وعلاقتهما من جديد، وفراس يجيبك على محاولة التعرف هذه بالقول: «هلأ جاية من امريكا للتأكد من العاشق البهيم انه لسعته بيحبك»، ونشاهد مظهراً من مظاهر الحياة الاجتماعية السورية هي دعوة حنان لينا إلى بيت أهلها في الدويلعة على عصرونية تبولة وموالح، إلا أن المفاجأة الخاصة التي تبوح بها لينا لفراس أن زوجها الامريكي السوري شاذ جنسياً، وأن هذا الحديث خاص جداً، وهو فقط لفراس الذي إذا أراد أن يتزوج بها تطلق الزوج الشاذ وهي غير معنية بتقديم أي تفسير لأحد من الأهل أو غيرهم». ويدور نقاش عالي المستوى بين حنان وأبيها عن عمل فراس ومسعود، وتخاطب حنان أباها قائلة: «انهما – مسعود، فراس- ليس هما اللذين باعا فلسطين»، ويعبر أبو زهير عن استيائه منهما لأنهما «طنشوه» مدة زمنية من دون طلب رأيه في عملهم من خلال تمزيق الجرائد التي في غرفته، وهو الذي يعمل صحفي، فالعلاقة داخل الأسرة تسير من سيئ إلى أسوأ نتيجة بيع «أبو زهير» الأرض من اجل العلاج، ويطلب من فراس أن يشتري بيتاً من ثمن الأرض في القرية، وهنا تحتج حنان بأن أباها يقدم المال إلى فراس فقط لأنه ذكر، بينما هي الأنثى التي وعدها أبوها بأن يشتري لها بيتاً من ثمن الأرض أيضاً، ويرفض فراس المال ويطلب من والده أن يفي بوعده لحنان، ويطلب أبو زهير من مسعود وفراس أن يعودا شفافين، فيرد عليه فراس بأنهما يعملان وفق القوانين

.

إن الحضور العاطفي لعلاقة (فراس-لينا) يأخذ منحى صراعياً بين الطرفين ينتهي بالخلاف والفراق مايدفعها إلى العودة إلى امريكا، وقبل سفرها تطلب من فراس أن يسامحها، لكنه يرد عليها مطالباً بخروجها من حياته بشكل كامل.. وتتصل لينا بحنان تطلب نصحها، لكن قرار فراس كان واضحا تجاه لينا، وحتى يساهم فراس في حل مشكلة زواج حنان يشتري لها بيتاً ويسجله باسمها، وهذا يساهم في عدم ارتباطها بشاب صغير نسبيا، ويعزز علاقتها باياد زميل أخيها فراس حتى تتم خطبتهما وزواجهما أيضاً بمساعدة أهلها.

أما أمه فتقف معارضة لهذا الزواج، رغم كل محاولات حنان الوصول إلى منطقة اتفاق معها حول علاقة ما معها.. وفي منزل فراس يستقبل ابن حارته جورج في بيته الجديد من أجل إيصال رسالة واضحة أن ارتباطه بأبناء الحارة المسيحيين مازال قائما رغم الشراكة والزمالة التاريخية لمسعود.. وأثناء سهرة جماعية لمسيحيي حي (دويلعة) تحضر قريبة المحامي بهيج مادلين وأمها، ويتعرف فراس على مادلين ويعجب بها، وتبدأ علاقة باتجاه زواج تقليدي مسيحي، وتعبر مادلين عن رغبة أهلها بالارتباط والزواج من شاب سوري، ويسأل فراس عن مواصفاتها، فيجيب أنها «متدينة وتحب الموسيقا الهادئة». ويتزوج فراس من مادلين كأي زواج تقليدي مسيحي ونرى زفافاً كلاسيكياً، وتودع لينا فراس بكلمة مبروك. يتجلى ترابط أسرة «أبو زهير» ببقية أسر الحارة أثناء جنازة أبو زهير إذ تجد كل أبناء الحي في جنازة «أبو زهير» ولاسيما عندما يلتقط المخرج هشام شربتجي مشاهد الجنازة من خلال الغسيل المنشور على سطوح عدد من بيوت الدويلعة.

أما في العمل الدرامي رفة عين من تأليف أمل عرفة وبلال شحادات وإخراج المثنى صبح فنجد ان الحضور المسيحي يتجلى في الساحة العامة التي أمام منزل (أبو جورج، نزار أبو حجر) حيث يوجد إلى جانب باب المنزل تمثال للسيدة العذراء، ويضع فيه سكان الحي الشمع يومياً صباحاً ومساءً كجزء من تقليد اجتماعي مسيحي. ويتعود سكان الحارة على الخدمات التي يقدمها أبو جورج سواء في القصر العدلي أو في غيره، ويظهر دوره في الخدمات الإنسانية لأبناء الحي ومنها الإعلان الذي يضعه من اجل تبديل كلية (أم مهدي، ضحى الدبس).

نلاحظ مقدار تعمق علاقة «أبو جورج»، و(ام جورج، فاتن شاهين)، بكل أهل الحي من خلال العلاقة الإنسانية مع المقعدة أم مهدي على الكرسي المتحرك، إن فعل الأداء الإنساني الذي تظهره ام جورج في مكانها الطبيعي كأسرة إنسانية يعتمد على القيم الإنسانية معياراً إنسانياً بعيداً عن المصلحة الحياتية التي يعيش فيها المجتمع السوري.. إن الإخاء في العمل الدرامي رفة عين يوضح مقدار متانة الحياة الاجتماعية الإنسانية في الحي المدني السوري.

ان هذا الحضور المتقدم للأحياء والعوائل المسيحية في الدراما السورية ينسجم مع تقديم النسيج الاجتماعي المتماسك و المتآخي في الحياة الاجتماعية السورية رغم الأزمة التي تعصف بالبلاد، وهذا مايؤكد عمق تماسك هذا النسيج الموغل في التاريخ الإنساني السوري.