2012/07/04

حماية الأطفال من دراما الكبار
حماية الأطفال من دراما الكبار

عفاف يحيى الشب  - تشرين

هم ذاك النور الذي ينتشر صباحاً على الأهداب والأجفان فيدغدغها بباكورة الأحلام اليومية بما يجعلك تهب نشطاً إلى صباح خجل وندي بالأمل والحياة.

وكذا الحال مع الأطفال ما أن نراهم حتى تسقط من سلالنا كل ما زرعه الزمن على ضفاف القلب من جفاء وحزن وتشرق الروح طرباً لصوت ضحكاتهم الشغوفة ولهمسات استفساراتهم اللهوفة وحتى لإيقاعات ضجيجهم وصخبهم وكل ما يؤكد أنهم الحياة وأنه لا حب ولا نقاء.. لا بساطة ولا عفوية.. لا أمل ولا رجاء دونهم.. هم الأقمار في ليالينا وأطياف الفرح رغم مآسينا.. هم عصافير حدائقنا الحياتية وبراعم حقولنا الخضراء نحبهم ولا نحمل لهم إلا قوافل العطف عليهم والتعاطف معهم.. نحبهم حين نمسح دمعة تترقرق مثل جنان لؤلؤية على الوجنات الطفولية لواحدهم بينما وجناتنا وصدورنا وعيوننا تسكنها صورهم الملائكية وقد غدوا رجالاً أشداء وحملوا لواء الوطن الذي لعبوا في باحاته كثيراً ودرسوا في مدارسه طويلاً وتكلموا بأبجديته الجميلة ورضعوا عشقه واحتضنوا فكره وهمومه وحفظوا نشيده الوطني وأغانيه العديدة.. ‏

من المعلوم أن الطفولة في أحدث تصنيف لها امتدت من بدايات السنة الأولى لعمر الطفل وحتى الثامنة عشرة وهذه سنوات طويلة للأحباء الغوالي تنمو فيها معارف الطفل وتتنامى مداركه بين الإلمام بالأحرف الأولى والكلمات الأولى من «واع.. إلى ماما وبابا» وصولاً إلى كم لا يستهان به من المعلومات والعلوم المتناسبة مع مدى نضجه ووعيه ولهذا لا نستطيع أن نطالب الأطفال الذين تجاوزوا السنة الثامنة وحتى العاشرة أن يروا في أفلام كرتون متعتهم ومنهل معرفتهم لذا وحين يمتد عمر الطفل إلى ما فوق العاشرة تصبح له شخصية جديدة تتفاعل مع النضج الجسدي والفيزيولوجي له ومن هنا يتطلع الأطفال إلى عوالم أوسع مما هو مقرر لهم وعليه نجدهم يرحلون إلى متابعة تفاصيل الكبار والسير على منوالهم والنهل من مناهلهم لتصبح دراما الكبار هنا نافذة هامة يتابعونها بشغف واهتمام بكل ما فيها من تحديات أو انكفاءات أو طروحات لا تتناسب مع مخيلتهم ومخزوناتهم وعليه يتوجب على صناع الدراما السورية والعربية الانتباه إلى هؤلاء دون زجهم في الممنوع من الدرامات والسينمائيات ودون حبسهم في غرفهم خشية عليهم من بعض الأعمال حتى لو كتبنا على الشارة «لا ينصح بالمشاهدة لمن دون الثامنة عشرة» حيث يبدو من المهم والواجب هنا خلق دراما خاصة بأعمارهم ومشكلاتهم وأحلامهم وتفاصيل مراهقتهم الفتية. ‏

ومن المؤسف أننا نتعامل مع الأطفال أحياناً بمنطق التجاهل والاستخفاف بتدفقات مشاعرهم الوليدة، فكم من طفل أصبح ممثل ما قدوته وقبلة نظره التي لا يعلى عليها وكم من طفلة أحبت بطلاً بكل مصداقية عفوية وخبأت صورته تحت الوسادة الزهرية بل كم من طفل هرب إلى التدخين وسرق السجائر من أبيه ليدخنها في حمام المنزل أو على السطح وربما في باحات الحي أو المدرسة إن سنحت له الفرصة وتاهت عنه العين الرقيبة المطلوبة، وحماس الطفل للتقليد والمحاكاة قد يدفعه انسياقاً وراء تحقيق أهدافه العديدة والعجيبة إلى ارتكاب الحماقات من ركوب الدراجات إلى ملاحقة الفتيات وارتداء الثياب الحديثة والتسريحات المذهلة والغريبة والذهاب إلى النوادي ودور السينما وما إلى ذلك من أماكن ربما تشكل خطراً عليه وتسمم مخزوناته الفكرية وتسيء إلى أحلامه العذرية إن صادفه رفاق السوء وتجار الضلال. ‏

من هنا يتوجب على كتاب الدراما المثقفين وليس بعض المتطفلين وغير التربويين الذين دخلوا مؤخراً على دراما المدارس الثانوية وبعضهم لا يحملون الشهادة الابتدائية ليتحدثوا عن الأيام الدراسية.. أجل عليهم الانتباه إلى هؤلاء الأبناء وتوجيههم عبر الدرامات المخصصة لما يناسب أعمارهم ولنطلق منذ الآن حملة (حماية الأطفال من دراما الكبار) لندفع بهم إلى مستقبل مضمون الجانب مأمون من معظم المخاطر وضامن للسير بهم إلى مراتب الأوائل وأنا أدري أن هذه مهمة شاقة لكنها ضرورية وهامة وسأسعى إليها ما استطعت سبيلاً شأن كل محب نظيف وغيور وبكل حذر وأمانة لأن الكتابة للأطفال من أشد الكتابات دقة والخوف عليهم كبير من أية فكرة شاردة، والوطن ينتظرهم ونحن علينا أن نرسلهم إلى مستقبلهم بحقائب نظيفة وقويمة، ليبقى المسرح الخاص بالأطفال الكبار أمرا هاماً وضرورياً ويجب أن يكون نداً للدراما التلفزيونية في تبني اهتمامات هؤلاء الأطفال وتقديمها لهم بشكل محبب ومناسب لما يتطلعون.. ‏