2015/06/25

كاريس بشار من مسلسل "غداً نلتقي"
كاريس بشار من مسلسل "غداً نلتقي"

السفير - سناء خوري

اكتشفت "أم تي في" أنّ العنصريّة أمر مشين. القناة المعروفة بأنّ أكبر همومها هو توعية المشاهدين ضدّ "مخاطر بيع أراضي المسيحيين"، و"الخلل الديموغرافي"، ممتعضة من مسلسل "غداً نلتقي" الذي "يُظهر تعصّباً لبنانياً تجاه السوريين"، بحسب ما ورد في تقرير بثّته في نشرة الأخبار أمس الأوّل.

القناة رافعةُ لواء حريّة التعبير (بأموال سعوديّة بحسب تسريبات "ويكليكس")، تستنجد في التقرير المذكور بالأمن العام، وتلومه لعدم ممارسة الرقابة كما يجب، لأنّ إحدى شخصيّات المسلسل... لا تحبّ فيروز. لم يرد ذلك في مشهد من برنامج "ما في متلو" شتَّ الطريق وحطَّ في نشرة الأخبار المسائيّة، بل في تقرير إخباري أخذته القناة بكثير من الجديّة!

يصادف أنّ الموسيقى التصويريّة للمسلسل، مبنيّة بجزء كبير منها، على أغانٍ لـ"جارة القمر" تُبَثّ في الخلفيّة... وذلك بعكس كلّ المسلسلات "غير المسيئة للبنانيين ورموزهم" التي تعرضها "أم تي في"، وبعكس كل برامجها التي لا يُذكر فيها الرحابنة إلا من باب التغنّي بوطن متخيّل خالٍ من "الغريب". يصادف للمفارقة أيضاً، أنّ القناة مُبتكرة "أغنية الموز"، تريد الحَجْر على الذوق الموسيقيّ لشخصيّة دراميّة تحبّ "وردة وأم كلثوم وراغب علامة" (ذوقٌ موسيقيّ جميل بالمناسبة). يصادف أنّ المسلسل ذاته، مليء بشخصيّات تسمع فيروز معظم الوقت، لأنّ صاحبة "شام يا ذا السيف" (شعر سعيد عقل) حاضرة بقوّة في سياق حياة السوريين، ووجدانهم، وحتّى في لائحة أيقوناتهم الوطنيّة. لكن ما الذي يمكن أن يعنيه نقاش "الأيقونيّة" ذاك لأيّ أحد حين يشتاق لأغنية؟ هل كان على وردة ومحمود (بطلي المشهد موضع الاستياء) أن يتخذا وضعيّة الصلاة مثلاً، لدى سماع "عندي ثقة فيك"؟

مسلسل "غداً نلتقي" (تأليف إياد أبو الشامات ورامي حنا؛ إخراج حنّا) يلطّخ صورة اللبنانيين النقيّة إذاً، "علناً وليس بالمبطّن"، كما يقول معدّ أو معدّة التقرير المجهول/ة. ربّما لم يُذكر الاسم، لتجنيب صاحب العلاقة، ردود فعل "انتقاميّة". ربّما يحرق أحدهم خيمته، أو يغتصبه ويخنقه ثمّ يرميه في النهر، أو يعلّق لافتات على مداخل حيّه تهدّده بالقتل أو تحظر عليه التجوّل بعد المغيب (كما يفعل بعض اللبنانيين المسالمين بسوريين أشرار وبشعين لا يسمعون فيروز).

يحكي العمل قصّة التغريبة السوريّة إلى لبنان، من خلال مقاربة واقعيّة، توثّق جزءاً يسيراً من التمييز الذي يتعرّض له اللاجئون السوريّون بين جيرانهم. بنى تقرير "أم تي في" أطروحته على مشهد حقيقيّ لدرجة قد تشكّ في أنّه تسجيل حيّ من أحد شوارع بيروت. في ذلك المشهد، يوصل سائق باص سوري تلاميذ لاجئين إلى مدرستهم، في عربة لنقل الموتى. يسابقه سائق لبنانيّ على أحقيّة المرور، وحين يبادره بالسؤال عن سبب تلك المزاحمة، يبدي اللبناني امتعاضه قائلاً "سوريّ كمان آه؟". في المشهد التالي، يُنزِل سائق الباص التلاميذ أمام مدرستهم، وهم يغنّون نشيد "فوق التلّ"، فيحاول إسكات أحدهم بعنف قائلاً: "يخرب بيتك شو جحش، فوق التلّ وتحت التلّ، ونحنا بنصّ الأشرفيّة؟ هلق بيفكرونا فلسطينيّة".

اكتشفت "أم تي في" أنّ العنصريّة عيبٌ يجب طمسه، كما تطمر القطّة فضلاتها في التراب. أضحكت القناة بذلك كثيرين أمس، بشهادة عشرات المعلّقين على مواقع التواصل، ممن استغربوا محاضرتها ضدّ العنصريّة، بالرغم من أنّها الراعي الرسميّ لها على الشاشة اللبنانيّة.

عشرات التقارير الإخباريّة بثّتها "أم تي في" في السنوات الأخيرة، عن مزاحمة اليد العاملة السوريّة للبنانيين. ذلك حرصٌ على الاقتصاد الوطني بالطبع، وليس تعصّباً ولا عنصريّة. رعت القناة حملة إعلانيّة ضخمة "لحماية القوى العاملة اللبنانية"، بالتعاون مع "جمعيّة تجار بيروت"، لأنّ "اقتصاداً واحداً ما بيعيّش شعبين" ("السفير" 2014/10/18). وعند كلّ جريمة، تعرف القناة دوماً لمن توجّه الاتهام، وكيف تنقل مخاوف المواطنين من أولئك الذين "صاروا أكثر من الشعب اللبناني" ("السفير" 21/9/2013).

"أم تي في" المُطالِبة بالرقابة على شاشة زميلة، لم تُجرَّم يوماً بسبب مواد إخباريّة حملت تحريضاً صريحاً ضدّ الأجانب، مثل تقريرها الشهير عن برج حمود في العام 2011. يومها قالت معدّة التقرير إنّ المنطقة لم تعد تشبه لبنان بل "السودان أو دولة تجمع الأكراد أو إحدى دول آسيا"، بسبب وجود جاليات أجنبيّة "مسؤولة عن النشل والشذوذ والتحرّش". لم تُجرَّم القناة على ورود عبارة "عبيد" في إحدى فقرات برنامجها الصباحي. لم يسائلها أحد عن السخرية من التقاط التلاميذ اللبنانيين "عدوى" اللهجة السوريّة، لتأثّرهم برفاقهم النازحين في المدرسة، ومن نوم بعض المشرّدين السوريين داخل السيارات، كما حصل في برنامج "ما في متلو". لم يحاسبها أحد حين سخر البرنامج ذاته أكثر من مرّة من المعوّقين. ولم يطلب أحد فرض رقابة عليها، بعد بثّها ذلك المشهد المهين عن "حقوق الفلسطينيين" العام 2012، حين اعترض فريق برنامج "كتير سلبي" على أنّ "لبنان لم يعد للبنانيين وبس". لم يتهمها أحد بالتحريض حين بثّت في آذار/ مارس الماضي، تقريراً يشيطن حيّاً متنيّاً بأكمله، فقط لأنّه "يشذ" عن النسيج الطائفي لمحيطه.

اكتشفت "أم تي في" أنّ العنصريّة أمر مشين أخيراً... خطوة أولى محمودة، وإن جاءت خارج السياق إلى حدّ هزليّ. يبقى أن تكتشف القناة يوماً ما أنّها من أشرس المحرّضين على العنصريّة في لبنان، فتشعر ربّما ببعض الخجل.