2012/07/04

خارج الشاشة وليس داخلها
خارج الشاشة وليس داخلها


موسى السيد - تشرين

تطرح الكثير من الأحداث في الوطن العربي الآن سؤالاً ملحاً، يدور حول من هو الذي يرسم صورة هويتنا؟.

هل هي وسائل الإعلام التي يقع عدد كبير من الناس تحت سطوتها القاتلة، أم إنه ذلك البحث المتأمل في جذور الأشياء، الذي رسمته الرواية والأدب العربي في القرن العشرين ومطلع هذا القرن؟ وما الذي يكوّن أجزاء هذه الصورة هل هو الميل المشترك لدى ملايين الناس أم حفنة من محترفي صناعة الصورة والخبر والتقرير، حتى إذا كان ذلك كناية متصلة عن أجزاء مزيفة تحاول الإيهام بأن الصورة متكاملة؟ وما هو مقدار الخطر الكامن في مسألة الاستعانة بالتقنيات لصناعة ما يمكن تسميته الوهم العام الذي يمكن أن ينتشر كالنار في الهشيم لفترة محدودة ثم سرعان ما يعود الناس الى مخزون ذاكرتهم وتبدأ مرحلة التأمل والتفكير؟! ‏

منذ قرابة عقدين أصبح بعض منظري الغرب الجدد يطلقون تسمية عصر الصورة على كل مايحيط بنا وحسب هؤلاء فإن هذه التقنيات عبر الكمبيوتر قد مكنت من يريد الذهاب في هذه الصناعة حتى النهاية من تحويل الصورة بديلاً عن الواقع، وهذا جزء مكون من ثقافة ما بعد الحداثة أي تحويل الجزء الى بديل موهوم عن الكل حتى يبدو أن لصق مجموعة من الصور المتلاحقة الى جانب بعضها كما حدث في الأزمة الحالية داخل سورية وكأنه ليس اختزالاً لحالة مزيفة بل هي الحالة بكل أبعادها، وقد قامت وسائل الإعلام المبرمجة سلفاً بهذه المهمة بطرق تبدو أحياناً ساذجة وفي أحيان أخرى احترافية فقد لاحظت جيداً أن فضائيات مثل الجزيرة والعربية تقول عبر الصور لمن يشاهدها ما معناه إذا كان لديك أي شك فيما تشاهد فخذ هذه الصورة ثم التي تليها وبعدها كذلك وليس من المسموح لك بعد أن شاهدت كل ذلك الزعم أن صورة سورية ليست كما نرسم نحن، ونقدمها لك من مصدرها ساخنة ولعبة الإيهام هذه قد لا تسمح لكل الناس التمييز بين الجزء الضئيل الصحيح من جملة هذه الصور وبين ما تتم صناعته في غرف أصبحنا نطلق عليها صفة سوداء وهو كذلك بالفعل. وفي هذا كله توجد نقطة تبدو وكأنها خارج السياق ظاهرياً على الأقل يمكن الكشف عنها بالسؤال إذا كان خطاب الصور المتلاصق هذا يتوجه الى أفراد هم ملايين من الكائنات الافتراضية أم الواقعية؟ في الحياة الواقعية تستيقظ الأم وتعد الإفطار وتجهز الأولاد من أجل الذهاب للمدرسة وإذا كانت عاملة

تستعد هي الأخرى للخروج من المنزل، الرجل يفعل الشيء نفسه وكل فرد أو مجاميع، لديها ظروف واهتمامات ملموسة ومحدودة وربما مشكلات من قبيل مرض أحد أفراد العائلة أو التخطيط لمشروع أو رحلة عمل أو سوى ذلك من شؤون الحياة الطبيعية للناس لكن عالم الصور المزيفة لا يريد أن يرى ذلك كله فنحن جميعاً كائنات افتراضية تجلس امام الشاشة وتشاهد صورتها وزيادة في لعبة تحويل الواقع الى وهم تستطيع العدسة أن تجعل مئات الناس يظهرون بصورة ملايين عبر التكرار المنهجي للصور المعروضة من زوايا مختلفة. فما هو مقدار الهشاشة في السعي لتحويل الناس الى كائنات افتراضية ذات بعد واحد؟ يقول «بوديار» إن الإيغال في هذه اللعبة الجهنمية يجعل العالم يبدو وكأنه صورة منقولة عن صورة أخرى، وهكذا الى ما لا نهاية لكن العالم الواقعي ليس كذلك على الإطلاق فالطبيعة ليست نبعاً صغيراً للمياه، والانسان ليس صورة تظهر وتختفي ولا ندري ما الذي سوف يحصل بعد ذلك فالبشر كائنات حقيقية ذات أبعاد اجتماعية، فكرية، روحية، ونشاطات لا حصر لها وهم لا يعيشون داخل الشاشة الصغيرة بل خارجها ويمكن القول إن صورتهم الفعلية موجودة في أماكن العمل والشوارع وكل حيز نشاط يمارسونه، وإن الصورة حتى الحقيقة هي جزء من مليارات الأجزاء لأن الناس باختصار تتنفس خارج الشاشة وليس داخلها!. ‏