2012/07/04

 لينا أبو بكر - القدس العربي فنان بقامة جبل قاسيون الدمشقي، معدنه لا يصدأ لانه ليس السيف بل إنه البطولة، له العديد من الادوار الفنية المميزة، التي أسست مدرستها الخاصة بها في الفن التعبيري الصادق، مستندا بذلك الى مخزون ثقافي حيوي، وجرعة عالية جدا من الصدق والاحساس البعيد كل البعد عن الافتعال التمثيلي، أو ما يمكن لك أن تدعوه التقمص، قطع شوطا ابداعيا طويلا مكنه من امتلاك المراس والخبرة التي أعانته على الاحتفاظ بذاته، وادخار الطفل داخله حتى يتألم بصدق ويتهكم بعمق، وما اذكره بحقه هنا ليس مجاملة ولا هو مبالغة انه تحيز للابداع الحقيقي. لخالد تاجا .
سأبتدئ من ' زمن العار'، وتحديدا من شخصية 'أبو منذر'، إلى أي مدى عبرت تلك الشخصية عن انانية الرجل الشرقي في علاقته مع زوجته المريضة وأسرته؟
إنه الإنسان بشكل عام، وليس الرجل الشرقي تحديدا، لم يعد هنالك أنبياء في هذا الزمن، إننا نعيش عصرا انقلبت فيه الأمور تماما واصبحت الرؤية الطاغية هي الرؤية المادية، حيث تصفية العواطف بالحسابات، لم تعد تلك القيم المتمثلة بالإيثار والتضحية موجودة كما كانت من قبل، الآن ندخل عصر الانفتاح على العالم، عصر العولمة الاستهلاكي الذي تنعدم فيه القيم الاجتماعية، في أوروبا تنشأ العلاقات الباردة وتنعدم الحميمية، لتطفو الاستقلالية التي تولد العزلة، هذه ثقافة اجتماعية دخيلة تجعل شرقنا الجميل يتبعها طائعا فينسلخ عن تراثه وتاريخه وجيرانه، الاستقلالية ولدت المدنية المتطورة جدا فاستطاع الانسان الوصول الى المريخ وتحليل الظاهرة الكونية ودراسة العقل الكوني، ونحن مجبورون باتباع هذا العصر، ليس بكل شيء طبعا، أنا أؤمن بمقولة طاغور: 'اريد لنوافذي أن تكون مشرعة على ثقافات كل الامم بكل ما امكن من حرية ولكنني انكر على اي منها ان تقتلعني من اقدامي'.
جميل وأوافقك على كل ما تفضلت به، غير أنني أعيش في أوروبا العلاقات الباردة تلك .. وأضمن لك أن الزوجين أو الرفيقين في هذا العمر المتأخر نادرا جدا جدا ان ينفصلا أو أن يلتفت كل منهما الى ذاته بل ما يحصل العكس تماما يطبب كل طرف الاخر مما ينافي أغلب الحالات في مجتمعنا الذي يعطي كامل الحق للرجل بأن يكون أبا منذر ويحرم المرأة ذات الحق.
في بعض دول الغرب شرعوا قتل الرحمة، ولست مع هذه الخطوة في ظروف مختلفة تماما وباشراف طبي .. لابد أنني أدين شخصية أبي منذر، والنص ككل يدينها ايضا، ولست أدافع ابدا عنها، لقد عشت مع هذه الشخصية غير الانسانية، ومن المسلم به انها شخصية أنانية جدا بصورة مفرطة، كان يمكن له ان يتمتع مع اسرته بحياة افضل مما لوكان فكر فقط بنفسه، وألا يعتبر صبره على زوجته نوعا من الاختطاف يعني انها اختطفت منه عمره، فكما أعطاها، قدمت اليه هذه الاسرة وهذا الكيان العائلي الذي فرط فيه ولم يصنه ولن أخفيك أنني تعبت من طبيعة تلك الشخصية فأول مشهد كان بيني وبين الممثلة ثناء كان مشهدا عصبيا وكدنا نختلف، كنت متوترا كثيرا، يشغلني هاجس الكيفية التي اتعامل بها مع الشخصية وهذا كله انعكس علي نفسيا لأنه خارج مسيرتي العاطفية، فانا كنت نقيضي لدرجة وصلت الامور الى طريق معقد حيث اختلفت ايضا مع مخرجة العمل واضطررنا لوقف التصوير حتى نستعيد الامور الى طبيعتها فيما بيننا.
هل تمتلكك شخصياتك ام انك من تمتلكها؟
العملية نسبية فانا أعمل بصدق، فإذا لم أصدق نفسي لا أستطيع امتلاك الحالة، الخبرة تعطي درجة من السلطة والسيطرة على النفس لأنها حالات مستعارة وليست حقيقية حتى احافظ بالتالي على ذاتي بعد انتهاء العمل لأننا في العمل التلفزيوني والسينمائي نتبع عملية القفز بين المشاهد، ليأتي المونتاج ويلعب دوره، مما يصعب ضبط الامور ولا تنسي مسألة حفظ الدور، بعض الممثلين يضيعون في مشاهد معينة ومن حولهم يقومون بتنبيههم، وهنا ياتي دور فريق العمل بمراقبة الفنان خاصة اننا نعمل في شروط تجارية قاسية بسورية ، بساعات عمل طويلة وهذا مرهق جدا له علاقة بالاعصاب والذاكرة ومفردات الجسم السيكولوجية والفسيولوجية، كل هذا الجهد المضني الذي نبذله في ظل غياب الضوابط القانونية التي تحدد ساعات العمل ومسائل التأمين على حياة الفنان، فالممثل ادواته جسده وهذا يجعله عرضة للخطر الدائم، على عكس العمل ضمن نظم وأطر قانونية، مما يعطي الممثل القا ويمده بالحيوية، ويحافظ على أعصابه بشكل منطقي فيوفر له القوة والطاقة.
نحن نتحدث عن تجربة فنية يمتد عمرها لما يقارب الاربعة عقود، وعن مخزون ثقافي يمكنك من الحضور على مدار العام مع قدرة على الخروج عن النمطية المتكررة، مما يزودك بروح قيادية، كيف تروضها؟
نعم، انا مؤمن بعلم الجينات والخلق والتكوين، لا أؤمن بإبداع لا يتمتع بفراسة، لا يوجد مبدع ليس عنده بديهة 'علم الفراسة' يجب ان يكون الممثل على اطلاع به، لأنه قارئ للوجوه وبمخزونه الثقافي يستطيع قراءة التعابير وتفسيرها فطريا بالتالي التمكن من الامساك بالشخصية، ونحن لدينا أزمة كتابة، فأغلب الكتاب لا يعرفون الوصول لقلب الشخصية، فيتحول العبء الاكبر على كاهل الممثل الموهوب ليميز شخصية عن اخرى، 95 'من الكتاب يعيدون صياغة ذات الحوار على لسان كل شخصياتهم وهذا يشي بضيق افق بحيث لا ياخذون بعين الاعتبار اختلاف المناخات الثقافية والبيئية بين طبقات المجتمع المتباينة، لذا فاننا نمضي وقتا طويلا بترميم الشخصية.
على ماذا يراهن الفنان كلما سيطر العامل التجاري والاعتبارات الانتاجية على الرؤية الابداعية؟
أحاول الصدق، وان أكون حقيقيا فانا مجبور على ان اكون ضمن هذا العالم، فهما احد الامرين اما الانتحار او المصالحة والترويض، أنا لا أستطيع ان أكون كالغالبية، وسأقول لك شيئا، تزوجت امرأة، لا بل هي من تزوجتني، ووقع خلاف بيننا وانفصلنا، كنت أدرك تماما أن تلك المرأة لن تستطيع تدبر أمورها والعيش بدوني، اشتريت لها بيتا، وقمت بتجهيزه كاملا بما لم أجهز به بيتي حتى جعلته أجمل، إنني اخترت المصالحة مع نفسي، وفي هذا مقاومة للوقوع بالخطأ، تجنب الاحساس بالذنب لمجرد أن أترك امرأة فتتدمر حياتها .
يقال انك مزواج، متى تمثل المرأة لديك حالة ظمأ ومتى تمثل حالة ارتواء ؟
الحب عندي حالة شعر لا تنتهي.
كنت تكتب الشعر، أين أنت منه الآن؟
انقطعت فترة لانشغالاتي وارتباطاتي الفنية التي تعرضنا للظروف التي حدثتك عنها، ولكنني أعود اليه بين فترة وأخرى.
اليوم يدخل الفن ضمن منظومة تكنولوجية هائلة قد تحوله الى صناعة اكثر منه الى ابداع، كيف نتعامل اذن مع رؤية الروائي اللاتيني ماريو فارغاس يوصا الذي يعول على الاستعداد الفطري؟
الفن لا يمكن له ان يتحول الى صناعة إنما يجب ان توظف الصناعة لخدمة الفن، وانا لست ضد افلام الخيال العلمي لانها تعتمد على قدرة الانسان على تشغيل الالة، وهنالك اعجاز فني من الصعب تحقيقه بلا خيال، سلفادور دالي الذي استطاع ان يرتقي بالفنان فيدخل الى عالمه الباطن ارتبط بالحلم بكل حالاته وانت تعرفين بان الاحلام عند فرويد انعكاسات باطنية تتجسد باشكال مختلفة، ولكنها تخضع للمنطق وهذا ما يفصلها عن الجنون، رامبو عاش برؤية مختلفة عبر عنها البير كامو عندما تحدث عن تمرد الذي يغرد خارج السرب، الفنان يكتشف الواقع، لا ليس استكشافا لان في هذا احالة على النبوءة...
لم لا؟ الا يسبق الفنان واقعه لان هنالك وعيا يمكنّه من الاكتشاف المبكر بمعنى النبوءة.
يعني بما أنك سقت ارثر رامبو كمثل الا يدل اذن على تمتعه بتلك النبوءة الابداعية.
نعم الفنان يسبق عصره، يسبق الواقع انا عانيت كثيرا لانني خرجت عن واقعي، لم اكمل دراستي صغيرا، الا انني كنت اقرا كتب رفاقي بل قد اسرقها كما كنت اسرق الكتب التي امر بها في المكتبة وهذا ما شكل ثقافتي /استند مخزوني على الفكر الغربي الذي استشرفت به الكثير مما جعلني احس بالغربة ضمن محيطي كأنني رجل قادم من الغرب، دخيل، وهذا ساقني للابتعاد عن الفن فترة، رأيت العالم بلا قناع من خلال اعمال ادبية غربية متجردة وصادقة، الاكتشاف يقود الفنان للنور كالفراشة حتى وان احترق به.
في احد اللقاءات الصحافية تتحدث عن طبيعة القضايا التي تتناولها الدراما الغربية والدراما العربية كمسألة الرفق بالحيوان، هل لي ان اسأل ما هي الفوارق الثقافية التي تشكل الرؤية الانسانية عند الشعوب المختلفة؟
لا توجد فوارق انسانية انها مراحل من التقدم قطعتها تلك الامم كأولئك الرواد الذين ارتقوا بمجتمعاتهم، في الحضارة الهندية تتشكل حالة مذهلة يصل بها الانسان الى السلم المصالحة مع نفسه ومع الطبيعة لذا فانت ترينهم يتعايشون مع الافاعي والحيوانات المفترسة، قبل ان تحدثيني كنت في احد الاماكن اختار كلبا، ولا تتصوري كان صاحب الكلاب خائفا منها، فما أن رآها تآلف صحبتي حتى سأل عن السر وطبعا هذا ما اوردته لك عن المصالحة مع الكائنات الاخرى، إننا نعيش في خصومة مع ذاتنا نعيش في غربة بعالمنا.
كيف تتذكر 'التغريبة' ؟
الوطن ليس قطعة ارض وحسب، الوطن ذاكرة، الوطن هو الهواء الماء الالوان الاصدقاء الاهل الرفاق الاجداد، أتذكر 'التغريبة' فأتألم كثيرا..
كيف عشتها؟
قبل أن نبدأ التصوير، كنت أقرؤها وأبكي، كنت أريد أن أبقى خالد تاجا ذلك الطفل الذي في داخلي، تألمت كطفل في التغريبة.
الكثير من الاعمال الدرامية بعد التغريبة تناولت قضية الصراع العربي الاسرائيلي رغم انها اصبحت قضية قطرية، ليس مطلوبا من الفن ان يتفوق على الواقع ولكن كيف يمكن ضبط معاييره الابداعية بحيث تعبر عن الواقع ولا تخدشه؟
أنا اعتبره ليس صراعا عربيا بل انسانيا 'كل يوم بيطلع ضو جديد ' تتسع هذه الدائرة وانظري ماحصل بتقرير غولدستون .
طبعا لم تأت اعمال درامية الى الان بقامة 'التغريبة'، كاتب 'التغريبة' هو الدكتور وليد سيف شاهد عيان عليها.
هل يحتاج المؤلف لأن يكون شاهد عيان على التجربة حتى يحولها الى عمل ابداعي ذات قيمة، مع كل احترامي لاستاذي في الجامعة الدكتور وليد سيف .
هنالك أعمال جاءت من قلب النكبة اساءت للقضية، لم تستطع ان تعبر كما يجب عنها أو عن جوهرها ولا عن آلامها ولا تاريخها، كانها نوع من التجارة وانا لست مع هذا النوع من التجارة الفكرية.
كنت مؤخرا في مهرجان ابو ظبي السينمائي كيف تقيم هذه التجربة مقارنة بمستوى السينما العربية؟
المشكل هو ان تتعدد تلك المهرجانات كان يكون مهرجان لابي ظبي واخر في دبي واخر في دمشق وهكذا، طيب ليش، احنا ما في عنا سينما حقيقية بل ان مستواها متدهور لماذا كل هذه المهرجانات في ظل غياب المنافسة، لم لا يكون هنالك نوع من التلاقح بين الفنون ومشاريع الافلام المشتركة، الفكر والفن ملك للبشرية جمعاء فلم لا أتعاون مع الافكار المختلفة لا مانع لدي، مادامت لدينا الامكانيات لاستقطاب الخبرات الاجنبية والتعاون مع الاخرين، لأن النتافس الحقيقي لايكمن بكثرة المهرجانات بل بالتنافس بالاعمال الفنية لكي لا يتقلب السحر على الساحر .
مارايك بظاهرة الدبلجة؟ هل تختطف بريق النجومية من الفنان السوري ام تستعيره منه؟
تجارة رخيصة لاصحاب الشركات الرخيصة، برغم حبي لتركيا مع تغير مواقفها مؤخرا، كلنا رأينا اردوغان كيف تصرف مع بيريس على مرأى العالم في مشهد لن ينساه التاريخ، ولك ان تقارني بين موقفه وبين موقف الجامعة العربية، الا ان هنالك حقيقة يجب ان اذكرها، فالاتراك واللبنانيون يقلدون الغرب، فلا هم عرفوا الرجوع الى شرقيتهم ولا هم استطاعوا ان يكونوا جزءا منتميا الى ذلك الغرب، كالطير الذي بلا جنحان، هوية مختلطة مشوهة غير واضحة المعالم هي الهوية التي نجمت لدى هذين المجتمعين نتيجة التقليد، أما دبلجة الدراما التركية فلا اعتبرها عملا فنيا يحمل مضمونا وجوهرا فكريا.
الكوميديا التي يؤديها خالد تاجا ....طعمها؟
هي فسحة فرح، وانا عموما احب فن الكاريكاتور مع الاسف لا اروض نفسي على رسم الكاريكاتور مع ان هنالك محاولات، الا انني اراه حالة من الضحك تتيح لي فسحة من الفرح والابتهاج القائم على مضمون عميق، خاصة فيما يتعلق بالكوميديا السياسية، احتاج النكتة لانفس عن غضبي لان الغضب بلا هذه الفسحة يحيل الى العديد من الخسارات.
أشكرك جزيلا واعتذر للاطالة .
نعم لقد اطلت في الحوار كثيرا ولكن لابأس.
الطمع بالاجاويد .