2013/06/29

خراب الصورة
خراب الصورة

 

فجر يعقوب – الحياة

 

 

 

لن يخلو الأمر من رتابة ما ستصيب ظاهرة نجم «آراب أيدول» المتوج محمد عساف، ليس بسبب ما انتهى اليه البرنامج، بل بسبب الأوضاع الفلسطينية التي تنعكس سلباً على الظاهرة. صحيح أن الفتى الوسيم لم ينجُ من التعليقات والشتائم على صفحات التواصل الاجتماعي، ووصل الأمر ببعضهم إلى «تتفيه» الظاهرة، ونسبها إلى قيم «لا يعرفها الشعب الفلسطيني»، ولم يفت هذا البعض أن يصف الظاهرة بأنها أقل شأناً من ظاهرة الحشرات التي تؤكل في الصين. كان التوصيف مريعاً، ويكشف عن مزاج سادي، ولم يكن ممكناً اجراء محاكمة صورية لأصحاب مثل هذه التوجهات والتعليقات سوى وصف أصحابها بالفشل في فهم متطلبات الزمن الاعلامي الجديد، والفشل الأكبر بالطبع في استخدام مفرداته الطالعة من جوهر ومحتوى التبدلات الكونية التي تصيب مناحي الحياة كلها.

 

قد لا يبدو مهماً التدقيق في الظاهرة في ظل الوطأة الاعلامية الشاملة التي تحيط بنا، ونحن نبحث في اشاراتها ودلالاتها، خاصة أننا نقف على شفير هاويات اعلامية غير مسبوقة. ولكن يمكن من باب التمحيص وتغليب المنطق في مواجهة الارتطام الكبير مع «الخراب الجميل»، أن نرتقي بمحاولة الفهم وادراك أن الهوة الفاصلة بين ما نريده اعلامياً، يختلف جذرياً عن مآلات اللحظة الراهنة التي تمجد شهوة الدم والقتل. فلم يعد الأمر مرهوناً كما من قبل بالتهميش والاقصاء العنفي، بل أصبح مرهوناً بكل ما من شأنه أن يسرع بخراب الصورة. وليس الخبر الذي انتشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن مقتل محمد عساف لحظة وصوله إلى منزله في مخيم خان يونس سوى تأكيد على نوعية الصورة التي يتسابق إليها البعض، مع ملاحظة أن الدم هو ما يزينها بغض النظر عن هوية صاحبها. في المقلب الآخر ربما نقف على رتابة ما بالفعل، فالفصائل الفلسطينية انقسمت أيضاً من حول الظاهرة - على رغم أنه لا ينقصها تشرذم، حتى أن تاريخها يكاد يكون انقضى على التشرذم والتشظي - على رغم أن عساف قبل انقضاء البرنامج لعب دوراً ما في توحيد بعض الآراء من حول ظاهرته، حتى أن هناك اصواتاً «حمساوية» مغردة خارج السرب رأت فيها ما يدل على حيوية في المنجز الاجتماعي والثقافي والفني الفلسطيني من دون أن يفوتها التشديد على ثوابت المجتمع الفلسطيني وقيمه الاسلامية.

 

قد تخمد ظاهرة عساف، فثمة مغنٍ فلسطيني آخر عو عمار حسن نجح يوماً في الصعود عبر هذه البرامج، ولم نعد نسمع عنه شيئاً، ولكن لم يكن المزاج السادي قد احتدم من حوله، كما يحدث الآن مع نجم «أراب أيدول». اما «جريمة» الفتى فلا تتعدى أنه يريد أن يغني ببساطة. قد يمكننا من الآن فصاعداً أن ننشد مع تميم بن مقبل: «ليت الفتى حجر تنبو عنه الحوادث وهو ملموم». ربما تبدو الصورة حينها أكثر اشراقاً كما هي لدى بعضهم.