2012/07/04

خصوصية الإخراج التلفزيوني السوري
خصوصية الإخراج التلفزيوني السوري


بسام سفر - تشرين

تبدأ خصوصية الإخراج التلفزيوني السوري والعربي من وجود نص السيناريو بين يدي المخرج، وموافقته عليه فالسيناريو التلفزيوني السوري والعربي فقد حيويته وعمقه وعفويته وتفتحه عندما فرض رقابة ذاتية على الكاتب تحد من طاقته التعبيرية في الرؤية الأدبية

وملء المشاهد بالحوارات التي لا تنتهي كما تتجلى في التقنيات والرؤية الفنية وطول البرامج الدرامية ما استدعى تداخل عمل المخرج مع عمل كاتب السيناريو، فقد يطلب المخرج إجراء تعديلات على النص أو حذف أو إضافة بعض الحوارات أو حذف أو إضافة بعض الشخصيات لذا يتم الاتفاق بين الكاتب والمخرج.. عن ذلك يقول المخرج غسان جبري على الكاتب والمخرج «أن يتكاملا.. ‏

أن يتكاتفا.. أن يحترما بعضهما بعضاً فالمخرج هو المؤلف الثاني للعمل» (1) وتظهر الخصوصية السورية والعربية عبر قائمة المحاذير التي تصدر عن بعض هذه المحطات أو غيرها ما يزيد هذه الخصوصية تعقيداً، فما يجوز بثه في هذه المحطة، لا يجوز بثه هناك في محطة أخرى، وما يجوز بثه اليوم قد لا يجوز بثه في الغد، أو ما كان جائزاً البارحة أصبح محظوراً الآن، فهذه المحاذير لا يعرفها المخرج العادي في البلدان المتقدمة بينما يتحتم على المخرج السوري والعربي أن يأخذ في الحسبان المسألة الدينية والأخلاقية والسياسية والتقاليد وحساسية ممثلي النقابات المهنية وسفارات بعض البلدان التي قد يقع ذكرها في أحداث تاريخية على نحو ما بينما في تلك البلدان نفسها تتعرض لأشد الانتقاد من طرف أبنائها وبكل حرية في إنتاجات محطاتها وشركاتها وعمل كتابها ومخرجيها

إن خصوصية الإنتاج الدرامي السوري والعربي لا يمكن إلا أن تكون مشابهة ومطابقة لخصوصية المجتمع السوري المتأثر بحضارة عربية إسلامية ذات بيئة متنوعة ومتعددة لها طقوسها وتقاليدها وتعاليمها الدينية وممارساتها المعلنة والمسكوت عنها، المتناقضة أحياناً والمتفقة أحياناً أخرى. إن هذا الواقع المتناقض يفضي إلى أن سلوك المواطن العربي نفسه لايخلو من هذا التناقض، فهو يطالب برفع الرقابة، وفسح حرية التعبير، وهو في الوقت ذاته يحتج ويرفض كل رأي لا يتماشى مع وجهة نظره الشخصية، ويحاول حرمان خصمه من الإدلاء برأيه بكل حرية وكلنا يدرك أن جهاز التلفزيون موجود في كل البيوت العربية حيث تلتقي العائلة بأكملها في مجتمع يعد محافظاً لا يسمح للتعبير الفني الذي يطمح إليه المخرج السوري والعربي بالانفجار مثلما حصل مع المخرج نجدت اسماعيل أنزور في عمله الشبابي المثير «شيفون»، إذ اشتراه التلفزيون العربي السوري ولم يعرضه حتى كتابة هذه الكلمات بينما عرضته محطات عربية أخرى قامت بحذف مجموعة من المشاهد الدرامية فيه تصل إلى أكثر من حلقة درامية فالمخرج السوري والعربي مطالب بمراعاة معطيات المجتمع العربي ولاسيما أن إبداعه موجه أساساً لمشاهدي البلدان العربية، ولا أمل في أن يشمل جماهير بلدان أخرى لذا المطلوب تكيف المخرج السوري والعربي وضبط نفسه وأحكام عمله وفق رقابة ذاتية خاصة ليضمن لنفسه تواصل العمل، والمعطى الرقابي ذاته يبحثه ويشعر به المنتج والمسؤول عن المحطة التلفزيونية الباثة الأرضية والفضائية، وأصبح هذا المعطى الرقابي قاعدة لا محيد عنها مهما تطورت الإمكانات وتوفرت بنية تحسين نوعية الأعمال. ‏

إن تداخل عمل الكاتب مع المخرج أوضحه الكاتب حسن.م. يوسف في حديثه للكاتب والصحفي عماد نداف إذ قال: في مسلسل نهاية رجل شجاع في المشهد الذي يقوم فيه مفيد الوحش بشي العصافير ثم يتجه إلى المغارة، ويتمطى على الغروب، مكتوب في نص السيناريو حيث يبدو وكأنه مسيح مصلوب، وهذا المشهد هو مفتاح شخصية مفيد، شخصية منذورة للغروب، حتى اللحظة الأخيرة كان يحب الغروب (...) هذه اللحظة موجودة في السيناريو، ومفكر بها طويلاً ولم تأت جزافاً.. إلا أنه في مشهد اقتحام القوات الفرنسية للقرية، تقفز ضفدعة أمام المصفحة التي تقتحم البيت، هذه اللقطة غير موجودة في السيناريو، إنه طلب ضفدعاً، وأحضروها ليضيفها إلى المشهد، وعلى هذا الأساس تتضافر جهود كاتب السيناريو والمخرج لإنجاح العمل الدرامي كما فعل نجدت اسماعيل أنزور في عمل نهاية رجل شجاع. ‏

وكذلك فعل المخرج هيثم حقي بشخصية موفق الخليل في العمل الدرامي «دائرة النار» مستعيناً بالمرحوم الدكتور شريف شاكر والشاعر الراحل ممدوح عدوان لنمذجتها، فتصبح استعارة حقيقية عن قصة «الإنسان المعلب» لأنطون تشيخوف. ‏

أخيراً, يقوم المخرج بتعديل النصوص الدرامية التي يعمل عليها وفق نمطية مشهدية يحتاجها لإيصال العمل الدرامي بما يتناسب والواقع السوري والعربي ليصبح مقبولاً للعرض على المحطات الفضائية والأرضية السورية والعربية، فالتعديلات الدرامية النصوصية التي يدخلها المخرج بالتعاون مع كاتب العمل تصبح هي الأساس في هذا العمل الدرامي وفق رؤية إخراجية يشرف عليها المخرج ويستقبلها المشاهد السوري والعربي وفق معايير مشاهدة خاصة تقوم عليها جهات مجتمعية ورقابية وإنتاجية لتناسب محطات العرض، وتالياً, السوق الدرامية العربية. ‏