2012/07/04

دراما الأبيض والأسود.. توثيق للثورات المزيفة
دراما الأبيض والأسود.. توثيق للثورات المزيفة


لؤي ماجد سلمان - تشرين


لا أعتقد أن أحداً منا لم يتابع سلسلة «صح النوم» التي دارت أحداثها في حارة افتراضية, أطلق عليها مؤلف العمل نهاد قلعي «حارة كل مين إيدو الو» وأخرجها خلدون المالح وقامت بدور البطولة فيها كوكبة من نجوم الكوميديا السورية وعلى رأسهم الفنان القدير دريد لحام..

قدمت هذه السلسلة أول مرة بالأبيض والأسود عام 1972 وما زالت تعرض على فضائيات وقنوات مختلفة حتى هذه الساعة, من دون أن يملها المشاهد السوري والعربي... والسؤال الذي لا بد من الوقوف عنده: هل كان المرحوم «البورظان» يتنبأ بما ستؤول إليه أحوال الدول التي عاشت ما سمي بـ «الربيع العربي» وثوراته المزيفة, حتى وثق للمرحلة الرقمية التي نعيشها في سبعينيات القرن المنصرم؟! فلو استعرضنا ما قام به أهالي الحارة من مظاهرة تخص غلاء المعيشة وحملوا خلالها يافطات قماشية كتب عليها يسقط الغلاء, واندساس «مشكلجية» الحارة أبو عنتر وغوار الطوشة في المظاهرة, والسير في مقدمتها على الرغم من أنهم لم يكونوا ساعة اتفاق أهل الحارة للقيام بهذه المظاهرة, وعند وصولهم إلى مركز السلطة المتمثلة بـ (أبو كلبشة), دخل المذكوران لمقابلة رئيس المخفر على اعتبار أنهم الوفد المشكل من وجهاء الحارة بناء على طلب (أبو كلبشة), وعند سؤال رئيس المخفر عن سبب المظاهرة, احتار المذكوران لأنهم لم يعرفا سبب المظاهرة ولم تعنيهم طلبات الحارة أصلاً, فما كان من (أبو عنتر) إلا أن ينجد صديقه بحل مآله «نحنا شو بدنا فيهون, المهم نحنا شو بدنا, أنت شوف من مين زعلان, فش خلقك وخلص» بالطبع كان الضحية سمان الحارة (أبو فايز) الذي رفض بيع الطوشة تبغاً بالدين, مع أن الأخير نبهه من الخطر المحدق بسبب هذا الامتناع, و الذي عده أبو عنتر بدوره إهانة لشخصية صديقه غوار وأهل الحارة أيضاً, معداً أن هذه المظاهرة أكبر دليل على عدم قبول أهل الحارة لإهانة غوار, لأن الموضوع حسب زعمه موضوع كرامة. ‏

في السلسلة ذاتها استخدم الطوشة آلة التسجيل التي تعد من الأدوات المتطورة في ذلك الوقت, ليوثق حفل زفافه على فطوم حيص بيص, ويقوم بتغطية الحدث بالأخبار الكاذبة» سيداتي سادتي أنقل إليكم صورة حية من فندق صح النوم الضخم, لقد زحف أهالي حارة كل مين إيدو الو, زحفوا بعشرات الألوف, حيث ملؤوا مدرجات الأوتيل وصالاته الكبيرة, عشرات الألوف يقدمون التهاني والتبريكات لغوار الطوشة, لقد أتوا رغم الأمطار التي تزخزخ, ومع ذلك أتوا, وهاهو أبو كاسم معه مجموعة من التجار والمتعيشة من حارة كل مين إيدو الو, وهنا فريق التانغو الرياضي, بحت الحناجر بالتصفيق, اسمعوا أصوات الألعاب النارية (ممسكاً بدبوس لتفجير البالونات الهوائية المنفوخة). ‏

بالطبع لم يكن قصد الفنان الراحل نهاد قلعي عند كتابته لسيناريو هذه السلسلة الدرامية توثيق ما يحدث اليوم, لكن من المؤكد أن الأفكار التي طرحها كانت من واقع الحياة في تلك الفترة, وما يحدث اليوم من تضليل للمشاهد العربي, كان يحدث بأشكال وأساليب تتوافق مع ذلك العصر, حتى قام الراحل قلعي بترجمتها على شكل سلسلة درامية, لكن أين الدراما اليوم مما حدث, ويحدث, ولاسيما أن التوثيق هو ذاكرة التاريخ, وكيف علينا أن نوصل الصورة الحقيقية للأجيال القادمة وسط الكم الهائل من التضليل, وتغيير الحقائق, ولاسيما أن هناك العشرات من الفضائيات تبث ما يناسب سياساتها النفطية, وتوجهاتها الاستعمارية من دون أي رادع أخلاقي أو مهني, غير السيناريوهات المدعومة من رأس المال النفطي, والتي دخلت حيز التنفيذ لأعمال تخص ما أطلق عليه «الربيع العربي», ليتم توثيق المرحلة بشكل يناسب أعمالهم الإجرامية, وأفكارهم المحدودة ليتم تغيير الأحداث التاريخية الحقيقية, وتفصيل تاريخ على مقاس العباءات تشيد بهم وبما اقترفوه في حق بعض الدول العربية, والشعب السوري خاصة, ويتحول المجرم إلى بطل قومي همه الشعوب العربية, والوطني إلى خائن أو طاغية!! هل تبقى الدراما صامتة؟! وأين دور القائمين على الشأن الدرامي هل ينتظرون أن تأتي حروب جديدة, وهجمات شرسة على سورية والوطن العربي, ليبحثوا في أرشيفهم عما يحدث اليوم, ويقدموا للمشاهد السوري والشعوب العربية «تغريبة فلسطينية جديدة» أو «تغريبة خليجية» يصورون من خلالها عصر الانحطاط الذي يمر فيه الوطن العربي؟! أم أنهم سيكتفون بفيلم يتيم لتوثيق ما يحدث ويقدمونه للمشاهد العربي كل عام مرة كفيلم «عواء الذئب» الذي نفذته دائرة الإنتاج السينمائي في التلفزيون العربي السوري, تأليف: خالد حمدي الأيوبي وإخراج الراحل شكيب غنام، علماً أن الفيلم لاقى نجاحاً باهراً, فمن منا لم يردد «ألف حبل مشنقة ولا يقولوا بو عمر خاين يا خديجة»، كما تفرع عنه عدة سهرات تلفزيونية وتمثيليات لمخرجين سوريين تحدثوا فيها عن حرب تشرين التحريرية, وأحد أسباب نجاحه أن المتابع السوري كان يتابع القناة السورية فقط التي عرضت العمل المذكور, فلم تكن شاشتنا الصغيرة تضج بالقنوات, حتى يضيع وسط الركام الإعلامي, أما اليوم، وسط مئات القنوات الفضائية وتقاعس المعنيين في الشركات العامة والخاصة, فهل ستقدم أعمال تظهر أحداث اليوم, تاريخ المستقبل كما يجب أن يكون بحقيقته ونزاهته؟!! وهل ستتابع وسط هذا الضجيج الفضائي؟!! ‏