2012/07/04

دراما البيئة الشامية: نص مأزوم... تكبله نمطية الحكاية
دراما البيئة الشامية: نص مأزوم... تكبله نمطية الحكاية


ماهر منصور - السفير

أشهر عبارة يتسلح بها الكتاب الذين يعكفون اليوم على كتابة ما يعرف بمسلسلات البيئة الشامية، أن مسلسلهم «يحترم طبيعة المكان والفترة الزمنية التي تجري فيها أحداث الحكاية». وتتكرر تلك الملاحظة على نحو يبدو معها تجاهل ما يقتضيه المكان والفترة الزمنية، المشكلة الوحيدة التي تعاني منها مسلسلات البيئة الشامية...وهي ليست اكثر من مشكلة طفت على السطح لا أكثر، في حين أن المشكلة الحقيقية تكمن في أن تلك المسلسلات غادرت منطقها الحكائي، منذ أن دخلت لعبة التسويق والإعلان، وراحت تلعب على ما يجذب المشاهد.. والمعلن لا على ما تقضيه حكاياتها.

الثابت أن تلك المسلسلات، كما قدمت نفسها للمرة الأولى، كانت شبيهة بحكايات الجدات تمتد خيوطها أفقيا دون تجذر في العمق ودون طرح مقولات فكرية كبيرة، الخير فيها بيّن، كما الشر، والصراع بينهما واضح ومكشوف.

وبطبيعة الحال تنطوي حكاية هذه المسلسلات على جانب فلكلوري، ظهر في حده الأقصى في مسلسل «أيام شامية». ثم تدرج في الأعمال التالية كمسلسل «الخوالي» الذي قدم رحلة الحج الشامي إلى الديار المقدسة وطقوسها، ودور مدينة دمشق فيه، أو «ليالي الصالحية» التي تناول موضوع الأمانة والتكافل الاجتماعي. وفي تلك الأعمال، كانت البيئة تقدم بوصفها حكاية قائمة بحد ذاتها إلى جانب حكايات الناس فيها.

مع الأيام بدأت تسقط ملامح تلك المسلسلات، فلم يبق منها سوى معارك الخناجر والبوجقة وصراع النساء... تجتمع جميعها في ظلال حكاية يشترط بناؤها، وجود كل ما يرفع من شأن الرجولة، ولا سيما تلك التي تستلزم معارك الخناجر. فيما يأتي وجود المحتل الفرنسي، أو العثماني، غالبا، ليشكل الخط الدرامي الذي يحمل الأفكار الكبرى، لتضرم نار الصراع بين هؤلاء الأشرار وبين رجال الحارة الأخيار.

وبين قيم البطولة، وخط الأفكار الكبرى، وصراع الخير والشر، تمرر عدد من الخيوط الصغيرة التي تنحصر في أمرين: تأكيد السلوك الاجتماعي النبيل لأهل الحارة المغلقة على نفسها، وسرد حوادث طريفة من باب تغير النكهة. ووفق هذه الصورة صرنا أمام دراما أخرى لا تشبه الدراما التي أطلقنا عليها دراما البيئة الشامية. وهي دراما ما زالت مستمرة وقد نشهد نماذج عنها في الموسم الرمضاني 2012.

ووسط تلك الأعمال تبرز محاولات جديدة لكسر طوق نمطية الحكاية فيها، لتأخذنا إلى دراما جديدة، تبرز البيئة الشامية فيها بوصفها الحاضن للحكاية، لا حكاية بحد ذاتها كما هو الحال في «طالع الفضة». وهذا الشكل الجديد يبدو عودة إلى شكل درامي ظهر قبل التسعينيات وخلالها، وأبرزها كان الدراما الشهيرة «أبو كامل» (عرضت بجزأين 1990 و1993).

إن كان لا بد من دمج الأشكال الثلاثة للمسلسلات تحت مسمى أعمال البيئة الشامية، فلعل الأنضج في التعبير عن الاسم هو الشكل الأخير منها، فيما يمكن تسمية الأعمال الأولى ولاسيما «أيام شامية» و«الخوالي» بالدراما الشامية الفلكلورية، إن صح التعبير، لتبقى المسلسلات الأخرى حائرة بشكلها فلا استطاعت أن تكون في إطار الدراما الفلكلورية، ولا نجحت في تقديم نفسها بعيدا عن حرب الخناجر وقصص البطولة ومعارك النساء. وبالتالي يبدو أن مشكلة مسلسلات البيئة الشامية تكمن بشكل درامي كامل تسلل تحت هذا الاسم، لا كما يعتقد كتاب تلك المسلسلات بأنها مجرد مشكلة ضبط الزمن!