2012/07/04

دراما الشام 2012 لا تجديد ولا اختلاف
دراما الشام 2012 لا تجديد ولا اختلاف


علاء الدين العالم – تشرين


إن كان هدف الدراما التلفزيونية البوليسية هدفاً تنويرياً يسعى إلى تنوير ذهن المشاهد وإبعاده عن ارتكاب جرائم شبيهة بالتي تُعرض، ولو كان هدف الدراما التلفزيونية الاجتماعية محاكاة الواقع وتصوير تناقضاته،

وان اعتبرنا أن هدف الدراما التلفزيونية التاريخية التوثيق التاريخي وجعل المسلسل وثيقة تاريخية، فما هو هدف ما يسمى بـ«دراما البيئة الشامية»؟

أنطلق من هذا السؤال لأبحث عن مبرر «منطقي» لوجود ثلاثة أعمال بيئة شامية في الموسم القادم، ولأعرف ما هو الهدف الذي تصبو إليه هذه الأعمال، وما هي الأفكار الجديدة التي تريد تلك المسلسلات تقديمها للمشاهد؟ للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، وبما أن هذه المسلسلات لم تعرض بعد، وجب علينا استنباط الجديد والمغاير في مسلسلات البيئة الشامية لهذا العام من خلال ما صرح به القائمون على هذه الأعمال.

يحمل الموسم الدرامي القادم في جعبته ثلاثة مسلسلات بيئة شامية، الأول هو مسلسل «زمن البرغوث»، سيناريو وحوار محمد الزيد، إخراج أحمد ابراهيم أحمد، ومن إنتاج شركة قنبض للإنتاج الفني.

يتناول «زمن البرغوث» الحقبة الزمنية الممتدة من عام 1915 حتى عام 1920، ويسلط الضوء على العلاقات الاجتماعية في دمشق، ويلتفت إلى عادات أهل الشام في ذلك الوقت.

إن هذه (الكليشة) تنطبق على كل أعمال البيئة الشامية، فما الجديد إذاً؟ يتحدث كاتب العمل محمد أبو زيد عن الجديد والمغاير في زمن البرغوث قائلاً: «ما يميز هذا العمل عن غيره من أعمال البيئة الشامية أنه يستعرض فترة تاريخية من تاريخ دمشق، حافلة بالأحداث السياسية والعسكرية، تبدأ مع ظهور تأثيرات الحرب العالمية الأولى على المواطن الدمشقي كالفقر والفساد الإداري والسياسي»، الغريب في الأمر أن التميز الذي يتحدث عنه الكاتب، أصبح نمطاً في هذا النوع من الدراما التلفزيونية، بمعنى أن الفترة التاريخية الممتدة بين عام 1915 حتى عام 1920، هي الفترة التي تعرضت لها مسلسلات عديدة من دراما البيئة الشامية، منها على سبيل المثال لا الحصر «الخوالي، ليالي الصالحية، الدبور....»، ولذلك يصح لنا أن نسأل: إن كان الشكل واحداً في كل مسلسلات البيئة الشامية، فما هو المضمون المغاير والمختلف الذي يقدمه «زمن البرغوث» إن كان يكرر ما ورد في الكثير من مسلسلات البيئة الشامية، من تصوير للفساد العثماني، وتصوير عادات وتقاليد أهل الشام؟

من المحتمل أن يجيب على هذا السؤال بأن مسلسل «زمن البرغوث» يقدم توثيقاً تاريخياً لتلك المرحلة، وهذا محتمل، لكن الكاتب يجيب عن هذا السؤال بقوله: «لم يكن التوثيق التام للتاريخ السياسي والعسكري هدفاً رئيساً، لكن نستطيع أن نقول: إن الحالة الاجتماعية طُرحت بشكل شبه توثيقي»، وبذلك يؤكد كاتب العمل أن مسلسله لا يوثق للمرحلة، وهكذا نعود للسؤال الأول: ما الجديد والمختلف في زمن البرغوث عن سواه من مسلسلات البيئة الشامية؟!

أما المسلسل الثاني فهو مسلسل «الأميمي» سيناريو وحوار سليمان عبد العزيز وتامر اسحاق، ومن إخراج الأخير، كذلك فإن مسلسل «الأميمي» يسلط الضوء على مدينة دمشق بعد خروج ابراهيم باشا منها، ويصور العمل الفساد المالي والإداري في مؤسسات الدولة العثمانية في دمشق، وهنا سأكرر السؤال ذاته: ما الجديد والمغاير في «الأميمي»؟ يرد الجواب على لسان كاتب العمل سليمان عبد العزيز، حيث يعبر عن المختلف في مسلسله بقوله: «العمل لم يقتصر على تناول العلاقات الاجتماعية النبيلة أو على البيئة المغلقة التي اعتاد الناس رؤيتها في أعمال البيئة الشامية، وإنما العمل يتناول الحياة بكل تعقيداتها وبساطتها وشكلها في الوقت نفسه، وبالتالي أؤكد أنه مختلف في المضمون»، وهنا أقول: هل هناك عمل، بيئة شامية أو غيره من الأنواع، لا يتناول الحياة بكل تعقيداتها وبساطتها وشكلها؟!!. من الواضح مما جاء على لسان كاتب مسلسل «الأميمي» أن العمل يدور في الدائرة نفسها ولا جديد لديه سوى قصة مغايرة، وما أكثر القصص.

العمل الثالث الذي يصنف كـ«عمل بيئة شامية»، هو مسلسل «طاحون الشر» تأليف مروان قاووق وإخراج ناجي طعمي، ويتكلم الكاتب قاووق عن مسلسله قائلاً: «العمل هو حكاية مفترضة في زمن افتراضي بدءاً من الحارة وحوادثها وصولاً للشخصيات (...) أعتقد أن خصوصية العمل تكمن في القصة، فهي تقدم لأول مرة في أعمال البيئة الشامية من ناحية البناء القصصي إضافة إلى الاعتماد على أسلوب الفلاش باك في بعض الخطوط الدرامية، إضافة إلى أن الرسالة من خلاله تشدد على الحب والتآخي».. إذاً فالتجديد كما أشار قاووق يأتي من خلال اختلاف البناء القصصي، وأريد أن أقول هنا: إن التجديد في البناء القصصي لا يعني أن العمل مختلف عن سواه، فلو رأينا مسلسلين يتحدثان عن الزمان والمكان نفسهما وكذلك العادات والتقاليد...الخ، لكنهما يختلفان في طريقة السرد، فما هو الجديد والمغاير فيهما إذا كان المسلسلان ينطلقان من الأسس نفسها ويصبان في الأفكار نفسها؟ وبذلك نستنتج أن مسلسل «طاحون الشر» كغيره من أعمال ما يدعى بدراما البيئة الشامية، ولا يقدم جديداً على صعيد الفكرة أو المضمون.

إن الضامن الوحيد لاستمرار أي نوع إبداعي هو قدرة هذا النوع على توليد حالات إبداعية تحمل التجديد والاختلاف عما سبق، ولو عدنا للموسم الدرامي الماضي، لوجدنا أن مسلسل «طالع الفضة» كان بمنزلة إنعاش لما يسمى بـ«دراما البيئة الشامية»، وذلك من خلال احتوائه على عناصر بثت فيه روح التجديد والاختلاف عن سواه من المسلسلات.

ما نستنتجه من تصريحات القائمين على مسلسلات «البيئة الشامية» التي ستقدم في الموسم الدرامي القادم، أن هذه الأعمال لا تحمل جديداً ولا اختلاف فيها على صعيد الفكرة والموضوع، فكلها تبتعد عن التوثيق، وتختلق حارات افتراضية وقصصاً افتراضية حالها كحال كل الأعمال الشامية منذ مسلسل «أيام شامية» لـ«بسام الملا» إلى اليوم.