2013/05/29

"ذا هوبيت" فيلم تطغى فيه التكنولوجيا على الكتابة والفن
"ذا هوبيت" فيلم تطغى فيه التكنولوجيا على الكتابة والفن


محمد رُضا – دار الخليج

في الوقت الذي انطلقت فيه عروض فيلم “ذ هوبيت: رحلة غير متوقّعة”، صرّح مخرجه أن السلسلة الجديدة، التي ستشمل ثلاثة أفلام، هذا أوّلها، هي آخر ما ينوي القيام به من إنتاجات بمثل هذا الحجم . ومع أنه لم يقل شيئاً عن ماهية الأفلام التي سيقصد تحقيقها في المستقبل، إلا أنه أكّد أيضاً أن فيلمه المقبل سيكون الجزء الثاني من “مغامرات تن تن” تلك التي كان ستيفن سبيلبرغ أخرج منها الجزء الأول ضمن نجاح معتدل .

“ذا هوبيت” هو- في الأصل رواية أطفال وضعها ج . ر .ر تولكين سنة 1937 . وبناء على نجاحها طلب الناشر من تولكين كتابة رواية أخرى فكانت “سيد الخواتم” . على الشاشة، في السينما، سبق “سيد الخواتم” وبناء على نجاح أجزائه الثلاثة الضخم (أنجزت ما مجموعه ملياران و970 مليون دولار)، “ذا هوبيت” ما يعني أننا نرى حكاية سبقت المغامرة التي قادها الممثل إلايجا وود طلباً لإلقاء خاتم الشر في بركان من النار لكي يتخلّص من سطوته .

المغامرة الجديدة القديمة هي رحلة أخرى يقوم بها قزم آخر من شعب الهوبيت مع مجموعة من المحاربين الأشاوس الذين ليسوا أطول منه بكثير طلباً لاسترجاع مملكة كانت قوى الشر هدمتها بما فيها من كنوز ثمينة . حفيد ملكها يقود مجموعة المحاربين ومعهم هذا الفرد الواحد من شعب الهوبيت بيلباو (مارتن فريمن) والساحر غاندالف (إيان مكيلين) .

كل شيء لا يسير على ما يرام لا داخل الفيلم ولا الفيلم نفسه كإنتاج . بالتأكيد حقيقة أننا شاهدنا “سيد الخواتم” المبهر، له دور في اعتبار أن الفيلم الجديد لا يتساوى تماماً مع الفيلم الماضي . لكن هناك معايير أخرى وأسباب إضافية تجعل المسألة أبعد من مجرد المقارنة بين إنتاجين .

العين، أولاً، تريد أن تتشبّع مما هو معروض كما فعلت في السلسلة السابقة، لكنها لا تستطيع والسبب قدر من البرودة في أوصال المشاهد القائمة على الحوار . وبما أن ثلاثة أرباع الفيلم قائم على الحوار فإن نسبة البرودة عالية . تلك المشاهد الغالبة تعيد أحياناً ما تم شرحه، وفي معظم الأحيان تشبه محاولة تلخيص أوضاع كان يمكن لها أن تمر كمشاهد خصوصاً أن بداية الفيلم بأسرها أطول مما يجب وهذا يتبدّى لاحقاً عندما يصبح واضحاً أن الدقائق العشرين الأولى كان يمكن حذفها .

تم تصوير “ذا هوبيت: الرحلة غير المتوقّعة” بنظام الأبعاد الثلاثة ولابد أنه أنجز على هذا الصعيد تأثيراً في المواقع الحسّاسة كشأن معظم أفلام النظام منذ “أفاتار” وإلى اليوم (فضلت مشاهدته بالبعدين التقليديين رغبة في تقييم العمل على نحو أفضل) . لكن الأهم من تصويره بذلك النظام التقني المعروف، قام باتباع نظام تصوير جديد يُشار إليه اليوم بأحرفه الأولىHFR أو Hi Frame Rate والمقصود بذلك كلّه هو مضاعفة نسبة عدد الكوادر المستخدمة في اللقطة الواحدة من دون أن يؤدي ذلك إلى ازدياد سرعة مرور المشهد على الشاشة . وهذا النظام يعمل بموازاة نظام الأبعاد الثلاثة فقط . الأفلام ذات البعدين، التي ما زالت تعتمد نظام 24 كادراً في الثانية لا تحتاجه . لكن نظام الأبعاد الثلاثة يعمد إليه زيادة في تأكيد الحضور التقني العالي للمشهد وإذ يعمد إليه يوفّر صورة غير خالصة في مواصفاتها الفنية .

يقول الخبير التقني فنسنت لافوري أنه شاهد الفيلم ذاته مرّتين: مرّة بالأبعاد الثلاثة ثم مرّة تالية بالبعدين التقليديين: “في الساعة الأولى من الفيلم، لم أسمع ضحكة واحدة او صوت نفس، ثم شاهدت الفيلم ببعدين فإذا بالشخصيات تضحك وأكثر حضوراً” .

هذا يعني أن المشكلة تقنية بحتة . فقرات من العمود الفقري للفيلم فُقدت بمجرد قيام المخرج بتصوير الفيلم بكاميرتي دجيتال من نوع Ultra Red One ليخلق التباين المنشود الذي يؤدّي إلى ابتداع البعد الثالث . ولهذا السبب اختار أيضاً التصوير بسرعة 48 كادراً في الثانية . نتيجة ذلك أن كل شيء نراه يبدو ميكانيكياً لا حس فيه . وإذا ما كان هذا الحكم خاصاً بنظام الشاشة المسطّحة فما البال بنظام الأبعاد الثلاثة خصوصاً أن شغل الدجيتال لم ينته بالتصوير، بل شهد غزارة وكثافة في استخدامه كمؤثرات بحيث لا يمكن الحديث عن فيلم فيه مؤثرات تكنولوجية بقدر ما هو فيلم مؤثرات تكنولوجية في الأساس .

وفي حين أن هناك مشكلات في الكتابة والتنفيذ (هذا الفيلم يفتقد الشخصية المحورية ويطرح جميع من فيه من شخصيات بطولية كحشد واحد مع تمييز حفنة ممثلين) الا أن ما زاد من تأثيرها أنه ضمن عملية الدجيتال خلال التصوير وبعده، ابتعدت تلك الشخصيات أكثر فأكثر عن اهتمامنا . باتت مجرد أدوات تتكلّم وتتحرّك من دون أن تُثير الاهتمام الفعلي . في الواقع، الشخصيات المصنوعة تماماً على الكمبيوتر (مثل غولام وأزوغ وسواهما) هي أنجح حركة وأكثر نجاحاً من تلك التي قام آدميون بها .

“ذا هوبيت: الرحلة غير المتوقّعة” حافل بالملاحظات، وما هو سلبي منها ينقسم إلى شقّين: واحد من صنع الإعماد المتكاثف على الدجيتال والثاني من صنع كتابة وتنفيذ ليسا في مكانهما . وكلا الشقين من مسؤولية المخرج بيتر جاكسون .