2012/07/04

"رجال أحرار" قصة منصفة للمسلمين
"رجال أحرار" قصة منصفة للمسلمين


محمد رضا – دار الخليج

أحد الأفلام المنتظرة التي يحتفل مهرجان أبوظبي السينمائي باحتوائها في دورته الخامسة المقبلة، هو دراما من إنتاج فرنسي/ مغربي لمخرج اسمه اسماعيل فروخي كان قدّم من قبل فيلماً لافتاً في دورة عام 2005 من مهرجان دبي السينمائي الدولي بعنوان “الرحلة الكبيرة” .

الفيلم الأول تحدّث عن رحلة يقوم بها مسلم من الجيل الأول من المهاجرين إلى فرنسا طالباً الحج مع ابنه الشاب الذي سيقود به السيارة من فرنسا إلى مكة لأداء الفريضة، لكن الشاب غير سعيد بتلك الرحلة، لم يتشرّب الإسلام جيّداً ليقدّر ما يحاول والده القيام به، ولو أن ذلك التقدير يتغيّر حين يموت والده أثناء أداء الفريضة ويبدو الابن كما لو وُلد من جديد .

فيلم إسماعيل فروخي الجديد يتناول الإسلام أيضاً، لكنه على نحو مختلف . لقد بحث في تاريخ العلاقة بين المسلمين واليهود وجاء بواقعة كانت مطمورة: خلال الاحتلال النازي لفرنسا في مطلع الأربعينات من القرن العشرين، قام إمام مسجد باريسي بإخفاء نحو مئة يهودي جاؤوا يطلبون حمايته من الاضطهاد العنصري النازي . الإمام منحهم ما يثبت أنهم مسلمون مبعداً عنهم “الغستابو” والبوليس الفرنسي المتعاون إذ لم يكن المسلمون حينها من بين المطضهدين .

الفيلم عنوانه “رجال أحرار” والإمام هو سيدي خضر بنغبرة الذي كان بنى الجامع الكبير في باريس ويؤديه الممثل الفرنسي المخضرم ميشيل لونسدال، والذي لاحقاً أخذ يسعي لإنقاذ من يؤم المسجد من اليهود طالباً المساعدة في إيوائه او منحه ما يثبت أنه ليس يهودياً . ويشير الفيلم إلى التقاليد الجامعة بين المسلمين واليهود في الأكل والملبس والطهور وحتى الأسماء المتشابهة . وبلغ من نجاح إمام الجامع أنه كان استقبل ضبّاطا نازيين وزوجاتهم في مسجده من دون أن يرتاب هؤلاء بما يقوم به خفية لمصلحة الجالية اليهودية .

القصّة ليست ذائعة، بل غطتها غبار المساعي الصهيونية المعتادة لتشويه صورة المسلمين وإظهارهم متعاونين دائمين مع النازيين . لذلك حين يقوم مخرج عربي ومسلم، كاسماعيل فروخي، بإنجاز فيلم كهذا، لا يقدّم عملاً يذكّر بالدور النبيل فقط الذي قام به المسلمون لحماية اليهود في واحدة من أقسى فترات التاريخ، بل يكشف عن رسالة إسلامية ناصعة مبدّداً ما لحقها من تشويه متعمّد في معظم الحالات، وفي الوقت ذاته يحدض التطرّف الموجود حالياً الذي يتغذّى من كراهية معلنة حيال غير المسلمين .

وما يلفت الاهتمام هو أن اسماعيل فروخي في هذا الاتجاه هو ثاني مخرج من أصل عربي يقوم بكشف حقائق كانت طمست حول دور العرب والمسلمين في الحرب العالمية الثانية، فمن بين ما لم يكن يعرفه سوى القلّة حقيقة أن جنوداً مسلمين من شمالي إفريقيا اشتركوا في القتال ضد النازيين وذادوا عن فرنسا وحرروا بدمائهم بعض بلداتها في الأشهر الأخيرة من الحرب . وانبرى المخرج الجزائري الأصل رشيد بوشارب لكشف هذه الوقائع في فيلمه “أيام المجد” مغيّراً في صورة تقليدية وعنصرية أخرى من تلك التي تم تداولها طويلاً .

كذلك، فإن موضوع العلاقة بين المسلمين والمسيحيين كان فحوى بضعة أفلام في السنوات القليلة الماضية .

في عام 2003 قام الممثل عمر الشريف بالاشتراك بواحد من أفضل أعماله في السنوات العشر الأخيرة وهو “مسيو إبراهيم” الذي لعب فيه دور مسلم تركي يتعرّف إلى صبي يهودي يسيء والده معاملته ويتبنّاه، بناء على طلب الصبي . العلاقة بينهما تتبلور نحو وقائع إنسانية تكشف عن تلك المسؤولية التي يشعر بها المسلم حيال الآخرين، على عكس الصورة المنتشرة اليوم بسبب أفعال القلّة وطغيان الإعلام المناهض . وإيضاح الممارسات الإسلامية الحقّة لم يكن وقفاً على العلاقة مع اليهود، فقد أخرج إكزافيير بيوفوا في العام الماضي “عن الله والرجال” الذي صوّر كيف عاش رهبان فرنسيون (يقودهم ميشيل لونسدال نفسه) بأمان وسط المسلمين في بعض القرى الجزائرية إلى أن غزاها المتطرّفون الذين - حسب الفيلم - أساؤوا معاملة المسيحيين كما المسلمين من أهل القرية . الفيلم بني أيضاً على أحداث واقعية .

في المقابل، شهدت السينما الآتية من شمال إفريقيا أعمالاً عمدت إلى التزلّف عوض قراءة الوقائع، من بينها فيلم فريد بوغدير “عصفور السطح” (تونس) وفيلم حسن بن جلّون “فين ماشي يا موشي” (المغرب) . كلاهما اهتم بإظهار كيف هاجر اليهود البلاد المغاربية مكرهين بسبب اضطهاد المسلمين، ولم يأت على ذكر كامل الصورة ومسؤولية الدولة الصهيونية في إثارة هذه المشاعر المعادية باحتلالها فلسطين ثم بالاعتداء على مصر في عام 1956 .