2012/07/04

فاديا أبو زيد ثورة من الغضب عكستها بعض الأقلام الصحفية السورية اثر حديث المنتج سامي العدل في برنامج "بدون رقابة" وصلت الى تعدي حدود الحديث عن الدراما، بما يشبه ما أحدثه الإعلام المصري مؤخراً في تجييشه للشارع كي يقف ضد الجزائر و ليس ضد لعبة رياضية، أدت الى مقاطعات اقتصادية و فنية بين البلدين العربيين، تحمل الكثير من التساؤلات حول ما وصلنا اليه من تراجع فكري ونحن نحول القضايا الثانوية الى قضايا مصيرية متناسين ما يربط بيننا من تاريخ و عروبة. هذه النظرة الضيقة، يجب التحذير من الانغماس فيها، سيما وأن الهدف من وراء هذه المقالات، ان كانت آراء شخصية حقيقية او مدبرة، لا يخدم أحداً، بل يضيق أفق الرؤية و يمنعنا من التوقف عند آراء قد تكون مهمة للإرتقاء بصناعة الدراما السورية، وسيما أيضاً حين تأتي من شخص بحجم سامي العدل، يتكلم من داخل العملية الإنتاجية للدراما والسينما، بغض النظر عن اختلافنا او اتفاقنا معه على جميع آرائه الفنية الشخصية أو المهنية التي طرحها في ذلك اللقاء. فلم يكن منطقياً أن نرد على كلامه بتجاهل تاريخ صناعة الدراما المصرية العريق ومكانة هذه الدراما التي دخلت بيوتنا وأمتعتنا لعقود طويلة، أدت إلى تأقلمنا مع تلك اللهجة المحببة التي ألفناها. مثلما لم يكن منطقياً الإدعاء بأن الدراما السورية سحبت البساط من تحت الدراما المصرية أو أن الدراما السورية منافسة للمصرية، بدليل أنه في الموسم الماضي استطاعت مصر انتاج ما يقارب الستين عملاً تم تسويقها بالكامل، بينما تراجع إنتاجنا من الدراما إلى النصف- كان مصير عدد منها الإفلاس لولا فضائياتنا المحلية. و هذا ليس له علاقة بالجودة أو القيمة الفنية للأعمال قدر علاقته بمشاكل التوزيع والتسويق، التي تعني أن الدراما السورية لم تتحول بعد الى صناعة لها قواعد وأسس تحميها، كما في الدراما المصرية التي تشترط بيع أعمالها على شكل حزم تضمن البيع لجميع الأعمال. القضية الأخرى التي يجب إدراكها أن سوق الدراما السورية ليست مصر و لكن الأردن، لبنان، العراق، فلسطين والخليج، لسبب بسيط ليس له علاقة بالمقاطعة او بموقف ضد الدراما السورية و لكن بقدرة الدراما المصرية على تغطية سوقها المحلي بدراما تلبي ذوق المشاهد المصري في جميع ما يهمه، والسبب الثاني هو اللهجة إذا ما أخذنا مثال "ضيعة ضايعة"، لكن هذا لا يبيح لسامي العدل أن لا يعترف بوجود الدراما السورية وعراقتها حتى و لو كانت هذه الدراما بعيدة عن الذوق أو التلقي المصري، وكانت حجته ضعيفة حين استشهد بعمل سوري من الدرجة العاشرة على أنه نموذج للدراما الاجتماعية هو "زوج الست"، في الوقت الذي كان عليه أن يتذكر "الانتظار" أو "سحابة صيف" على سبيل المثال ولن نقول "هجرة القلوب إلى القلوب" أو "الدغري". ومن المؤسف أن ينظر إلى الدراما السورية بمقياس "باب الحارة" الذي لم يكن يوماً مقياساً لجودة الدراما السورية من التي جعلت الإعتماد على المخرج "حاتم علي" في العمل المصري الأهم "الملك فاروق" رهانا فاق التوقعات، بنفس الدرجة التي أحدثها الممثل "تيم حسن" بطل العمل. الأمر الذي لفت نظر المنتجين المصريين و منهم "سامي العدل" الى تلك الفرادة التي يحدثها تزاوج السينما مع الدراما ليقوم في هذا الموسم باستقدام مخرج سينمائي كي ينفذ له "خاص جداً"، كأسلوب حصل على براءة اختراع سورية أسس لها "هيثم حقي" وتابعها نجدة أنزور، حاتم علي، الليث حجو و غيرهم، و تكفي العودة إلى بعض المشاهد من "فنجان الدم"، أو "رجال الحسم" لنعرف ذلك المستوى الرفيع من الرؤية البصرية الذي قدمه مبدعونا للدراما، و يحق للجميع الاستفادة منه ومحاولة تقليده.  لكن هذا في نفس الوقت لا يعطينا حق تعميم التميز، حين اعترف سامي العدل أن استخدامه لمحمد عزيزية لم يكن من منطلق تمييزه عن المخرجين المصريين ولكن لأنه يعطي نفس الننتائج التي يعطيها المخرج المصري (ولكن بملايين أقل). ومع أنه نفس السبب الذي برره لمشاركة النجوم السوريون في بطولات الأعمال المصرية إلا أن "جمال سليمان" ومع أن "حدائق الشيطان" لم يكن عملاً مميزاً استطاع بعد موسم آخر أن يقف بجانب النجوم المصريين و يتقاسم معهم حب الناس، وهذا لم ينجح مع صفاء سلطان على سبيل المثال. الموقف الذي ربما غالينا فيه منذ أن بدأ النجوم يغادرونا إلى مصر وهذه المغالاة حملت بين ثناياها التباساً حول مقدرة الممثل السوري عندما اعتبرنا أنه انتصر و نَصر الدراما السورية بذهابه الى هناك، ما جعلنا نثور على كلمة العدل الاستفزازية أصلاً لكنها تستحق التوقف عندها: " السوريون لا يعرفون كيف يصنعون عملاً اجتماعياً.. الدراما السورية لم تصنع بطلاً منذ عامين.. لكنها بارعة في الأعمال التاريخية"، لكن هذا الكلام يعكس بين ثناياه الى درجة معينة حقيقة باتت ملموسة في نصوصنا الدرامية و هي أننا، ولأسباب يجب بحثها، أصبحت أعمالنا الاجتماعية تركز على السطح و تجاور النماذج الكلاسيكية المألوفة في الواقع، فلا تعلق في ذاكرتنا أية شخصية درامية عندما تغيب تفاصيلها التي تصنع لها هذا التمييز. و برغم مرور السنين إلا ان شخصية ما (كسليم البدري و سليمان غانم)  شخصيات ارتبطت بـ "ليالي الحلمية" و ستبقى حية حين امتلكت مقومات بنائها الأدبية على الورق، مثلما لن تنسى شخصية "عبود" في الانتظار. أما تميزنا في الأعمال التاريخية فالأسباب التي ذكرها "العدل" تلقي الضوء على إهمالنا بحق الدراما السورية التي لم يفلح صناعها بإرساء ركائز متينة لها، كمشروع المدينة الإعلامية الذي طرح منذ سنوات من أجل الاستثمار في الدراما والسينما، وعندها سيتاح لكل العرب والمصريين أيضاً أن يأتوا ويصوروا أعمالهم التاريخية في سورية، مثلما تستقطب مراكش الدراما السورية.