2013/05/29

رفة عين ..الشخصيــة الشعبية بعيون «هـديـة»
رفة عين ..الشخصيــة الشعبية بعيون «هـديـة»


بسام سفر – تشرين


لا يمكن إصدار حكم قيمة على حضور عمل درامي ضمن إطار المشاهدة الرمضانية إلا من خلال الإحصاء في معرفة مقدار مشاهدته ومتابعته من الجمهور الرمضاني في سورية والوطن العربي،

ومازلت اذكر عينة المتابعة الرمضانية التي كان يجريها فريق من صحفيي جريدة الثورة السورية، مع قراءة الزميل فؤاد مسعد في نتائج هذا الاستطلاع، لذلك وحدة قياس حضور العمل الدرامي «رفة عين» ومقدار اقترابه من المشاهد، يتجلى في قدرة العمل في شد شرائح اجتماعية لمتابعته، وهذا ما ظهر في رفة عين من تأليف أمل عرفة وبلال شحادات، وإخراج المثنى صبح, وبطولة عبد المنعم عمايري, وجلال شموط, وسوسن ميخائيل, وضحى الدبس, وسلوم حداد، ونزار أبو حجر.

الشخصية الشعبية

إن الكاتب الدرامي يرسم الشخصية الدرامية بإتقان، فيؤسس لبنيانها النفسي والاجتماعي والاقتصادي, ثم يعيد ربطها بالمجتمع والمحيط الذي تعيش فيه, وهكذا فعلت أمل عرفة وبلال شحادات في بناء شخصية هدية التي ترتبط بالمجتمع من خلال عملها في اكثر من مهنة، وخفة يدها وحركتها التي تربطها بالناس عبر عملية السرقة التي تعتمد على الخفة وسرعة الحركة. إضافة إلى سمة الإخلاص التي تتمتع بها  لكن هذا الإخلاص ليس لكل الناس وإنما إلى أمها فقط، وليس في بوابة الرأفة والإشفاق، وإنما من بوابة الحب الإنساني الذي يربط هدية بأمها على عكس علاقتها بأخيها «مهدي,عبد المنعم عمايري»، الذي يقوم بسلبها اغلب مالها الذي تحصل عليه نتيجة عملها الأساسي في الكباريه, وهو خدمة (دورة المياه- المراحيض)، قبل أن تدربها الراقصة «نانا, سوسن ميخائيل»، على الرقص, ويشاهدها صاحب الكباريه «أبو وائل»، قبل التدريب وبعد التدريب,وبذلك ترتقي هدية في عملها من العناية بالمراحيض، إلى العناية بجسدها الذي يصبح محط أنظار رواد الكباريه، وكل هذا يحدث وأخوها مهدي في السجن نتيجة مداهمة الشرطة إلى وكر لعب القمار في بيت معلمه (جلال شموط)، واعتقاله مع معلم مهنته، والأجير الآخر في الورشة، إلى أن تطلب هدية من جارها «أبو جورج, نزار أبو حجر»، ان يساعدها في توكيل محامٍ يقوم بإخراج أخيها من السجن.

ترابط علاقات هدية مع ذاتها في معرفتها رغبتها في جمع المبالغ المالية المطلوبة منها لغسل كلية والدتها وإعطاء مال لأخيها وتعاملها مع «بيست»، الكباريه كساحة استعراضية في الليل، وزبائن الكباريه الذين يطلبونها لكي تجالسهم على طاولاتهم، كل ذلك يوضح مدى إدراك مساحة فعل هدية كشخصية شعبية تنتمي إلى بيئة شعبية محددة في زمان ومكان محدد.

واستمرار هدية في العمل كراقصة في الكباريه يتناقض مع هدية كشخصية شعبية، لذلك يتوقف عملها بعد خروج أخيها من السجن وزيارتها في مكان عملها ليقضي على امال هدية في الحصول السريع على المال عبر الجسد المتناقض مع قيم هدية وشخصيتها الشعبية. فبعد خروجها مع أخيها من السجن نتيجة تكسير الكباريه، تسعى الفتاة المستأجرة في بيت أبو جورج لكي تشغلها معها في صالون تجميل للسيدات, وتبدأ بالعمل في مسح الأرض وتقديم الشاي والقهوة للسيدات في الصالون. وبهذا العمل تعود إلى شخصيتها الشعبية بنت الأحياء الشعبية.

الإخاء المسيحي.. المسلم

يظهر العمل الدرامي «رفة عين» عملية الإخاء المسيحي- المسلم في حي واحد من خلال بيت أبو جورج الموجود في حي مسيحي حيث يوجد أمامه تمثال للسيدة العذراء ويضع فيه السكان الشمع يوميا، كجزء من التقليد الاجتماعي المسيحي اليومي. ويتعود أهل الحارة على خدمات  أبو جورج  التي يقدمها في القصر العدلي كمعقب معاملات, لذلك نجد ان أهم معاملات هدية في القصر العدلي يقوم بها، وكذلك يقدم لها الخدمة الإنسانية الكبيرة عندما يضع إعلاناً من اجل تبديل كلية والدتها، ويقف إلى جانب أسرة أم مهدي  ويعمل على إصلاح ذات البين بين(نانا) وهدية وأمها, وبذلك يقف إلى جانب كل عائلات الحي، وتتعمق علاقته بمهدي حيث يدعوه لكي يشرب كأس عرق معه.

حالة التآخي هذه تقوم على فعل اخوي يومي تقدمه عائلة «أبو جورج» تجاه «ضحى الدبس, ام مهدي»، عندما تستقبلها وتقدم لها كل الخدمات الإنسانية وهي الإنسانة المعوقة المقعدة على كرسي متحرك,ان فعل الأداء الإنساني الذي تظهره الكاتبة أمل عرفة يضع «أبو جورج» وزوجته «فاتن شاهين» في مكانهما كأسرة إنسانية تعتمد القيم الإنسانية معياراً إنسانياً بعيداً عن المصلحة الحياتية، وعملية الإخاء هذه تقوم على مفهوم ديني أكثر منه على حياة اجتماعية مدنية إنسانية، لذلك كان ينبغي التخفيف من التطهيرية في هذه الأسرة.

أخيراً، إن المتابعة والمشاهدة للعمل الدرامي «رفة عين» تؤشر على مقدار استئثار المشاهدين ومتابعتهم لشخصية هدية ابنة البيئة الشعبية السورية.