2014/01/27

جيانا عيد
جيانا عيد

 

لبنى شاكر – تشرين

 

 

يوم بدأت مشوارها، كان الفن مسؤوليةً والتزاماً، قبل أن يكون شهرة وانتشاراً، وعلى مر السنين لم تنس جيانا عيد، أن الشاشة مبدأ وقيمة، للفن والفنان والمشاهد، لذا كان غيابها قراراً برفض الأمر الواقع، وفي السينما والمسرح كان حضورها برقيّها المعتاد، وفي سني الأزمة كانت لها آراؤها ومشاركاتها حين غاب آخرون... في حوارها لـ«تشرين دراما»، أفكار وآراء، تعكس تجربتها الغنية في الفن والحياة، وكثير مما يستحق الوقوف مطولا.

 

لم يكن الفن يوما بمعزل عن السياسة، لكن كيف يمكن للفن أن يكون فاعلا في الوضع السوري الراهن؟

إذا كانت السياسة هي فن قيادة المجتمعات، فالفن هو السياسة في تلك القيادة، وكلما كان الفضاء حقيقياً وحراً فيما بينهما ليعبر كل منهما عن ماهيته وخصوصيته وفاعليته بإيمان واحترام وشجاعة، عبّر كلٌ منهما «أي الفن والسياسة» عن تماسه وتواصله مع واقع الإنسان في هذه المجتمعات، والغوص في عمقها بجدية؛ ليكون مرآتها الصادقة وصوتها الفاعل والمؤثر للارتقاء بها إلى الأفضل، وكلما تمتعت هذه المجتمعات بحصانة وصلابة لمواجهة الأخطار ومحاولات الإضعاف والاختراق التي قد تحدق بها، نستطيع كفنانين تشكيل حضور قوي يؤخذ في الحسبان، إذاً يستطيع الفن أن يكون مؤثرا وفاعلا ومشاركا في التوصل إلى الحل السوري المؤدي إلى المستقبل السوري المتألق، والمنبعث منه الإشراق والنور والحضور المشع، في خريطة هذا العالم.

 معظم الأعمال التي تناولت الأزمة اختارت الجانب الاجتماعي مفضلةً الابتعاد عن السياسة، في رأيك هل يمكن للفن أو الدراما تحديداً أن تمارس دوراً في توثيق ما يجري مع المصداقية والحيادية؟

دائما عندما نتحدث أو نُسأل عن الأعمال، فالقصد يكون الأعمال التلفزيونية!؟، من المؤسف أن يُختزل الفن في أعمال الدراما التلفزيونية فقط، وهذا هو الخطأ الحقيقي والاستراتيجي والتراجيدي الذي مُورس على مدى سنين، فقد بُذلت جهود كبيرة لخدمة هذه الدراما التلفزيونية، وسُلطت الأضواء لمصلحتها وحدها، رغم علمنا المؤكد أن الآلية التلفزيونية إنتاجا وتقانة لا تستطيع التأريخ ولا التوثيق، ولا حتى الإدلاء برأيٍ فكري واضح وجريء لأسباب عدة لا تتعلق بجودتها، إنما بكينونتها، منها مثلا (مصادر التمويل والإنتاج، التسويق، سعة الانتشار)، وكلها تفترض تبعية متعددة الجوانب، وخطوطاً حمراء تختلف تبعاً لشروط رقابة كل بلد، فتلجأ على الأغلب إلى الاجتزاء والتعميم وملامسة القضايا الساخنة بوجل، مهما بلغت جرأتها، ومن السطح فقط، من دون الولوج إلى العمق (وهنا أذكّر بأن أغلب إنتاجاتنا الدرامية التلفزيونية هو من رساميل غير سورية)، وما زلنا إلى هذه اللحظة نكرر ونكرّس الخطأ ذاته رغم كل ما حصل، وإذا أردنا النبش في الذاكرة فإن القطاع العام في سورية، والممثل بالهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الذي كان جهة الإنتاج الوحيدة في مرحلة ما في سورية، حقق حضورا خاصا ومميزا، وبمعايير فنية وإبداعية وفكرية، تجاوزت عصرها، وتجاوزت حدود المحطات جميعها، لكل أنواع الدراما التلفزيونية والمسرحية والسينمائية، وقدم نجوماً وحصانةً فكريةً وإبداعية، وأعمالاً خلدت في الذاكرة بوطنيتها وجرأتها وصدقها في تناول المجتمع السوري بأبعاده وتفاصيله، بعيداً عن أي تبعية أو حسابات خارجة عن منظومة قيمه ومعاييره الفنية والفكرية، وهيأ للدراما -على أنواعها- بيئةً خصبةً لتعبّر عن الروح والخصوصية السورية، هذا الدور الذي نفتقده اليوم، نرجو عودته للقطاع العام السوري المُنتج للفنون بأنواعها؛ ليشكّل بديلاً حقيقياً وفاعلاً، أما الأعمال التي قُدمت تلفزيونيا وتناولت الأزمة فقد تناولتها بشكلها المبسّط جداً والبعيد عن أي رؤية خاصة وواضحة لمبدعها التي قد تحتمل التأويل أو التفسير الذي قد يسيء لأسباب عرضها.

 منذ سنوات طويلة اخترت الابتعاد عن الساحة الفنية، لكن هذا تغير في الفترة الأخيرة، كيف تقرئين اتجاهات الدراما السورية في سنوات تميزها الأخيرة، بغض النظر عن الأزمة؟

لم أختر الابتعاد عن الساحة الفنية بشكل مطلق، وكانت لي مشاركات عدة في أعمال مسرحية مهمة، قُدمت في مهرجانات دمشق المسرحية، ومواسم المسرح القومي، وكانت لي أيضاً مشاركات في أعمال سينمائية كفيلم «حسيبة» و«رسائل الكرز» لكن -كما أسلفت- الأضواء كلها كانت مركّزة على الأعمال التلفزيونية الدرامية، واكتنفت العتمة بقية الفنون، وإن كانت تلك الفنون على درجة كبيرة من الأهمية، وهذا ما سميته بالخطأ الكبير الذي مورس بحق الفنون التي قد تؤرخ وتوثّق مراحل معينة، وتنقل واقع ونبض الإنسان والشارع السوري. أما الفوضى الهدامة وكسر المعايير اللذان سادا مع الفورة الإنتاجية للدراما التلفزيونية السورية، ونبهتُ وحذرتُ منهما في كثير من المقابلات التي أجريتها، نفرّاني من الدراما التلفزيونية فابتعدت لأنني لا أقبل أن أكون سلعة تفرض عليّ شروط السوق، وقد آمنت وفعلّت إيماني عبر مسيرتي الإنسانية والإبداعية بأن الفنانة قدوة ومثل أعلى يحتذى به، وأن موهبتها تتماثل ومنظومة القيمة والأخلاق التي تختزلها بشخصيتها لكي تكون مقنعة بأداء الرسالة التي تؤديها كمبدعة، ولعلّ القادم يكون أرقى وأنقى وأبقى.

 أين أنت من المسرح السوري اليوم، وكيف ترين واقع المعهد العالي للفنون المسرحية، كجهة تخرّج سنوياً العديد ممن يُفترض أنهم مسرحيون؟

السؤال يجب أن يكون معكوساً، أين الإعلام والسلطة الرابعة والدعم بكل أنواعه ومن كل الجهات؟ فهو دعم للتربية والثقافة والفكر الذي يؤمن بالحوار من أجل الارتقاء، فالمسرح هو فن الحوار مع الذات ومع الآخر، وهو المدرسة الأولى للفرد التي تعوّده التعبير عن نفسه وقدراته بشكل حضاري والإيمان بالعمل الجماعي الذي يتألق الفرد بتألقه. بالنسبة لي، أنا حاضرة في المسرح من خلال العروض التي شاركتُ فيها، وتحدثتُ عنها -كما أسلفت- في مواسم المسرح القومي، ومهرجانات دمشق المسرحية، وكرئيسة وعضو في لجان التحكيم في مهرجانات مسرحية سورية وعربية، ولكوني شاركتُ أكثر من مرة في لجان القبول في المعهد العالي للفنون المسرحية، هذا الصرح الأكاديمي الذي كنتُ من أوائل دفعاته وخريجاته، ويربي ويوجّه ويصقل الموهبة، وقد خرّج دفعات حضرت بشكل واضح ومؤثر في الساحة الفنية، أما البقية فلا علاقة لها بالذات الإبداعية إنما بالذوات الإبداعية التي يُراد لها مظلة محفزة للإبداع، تميز المبدع وتشكل له حماية وتؤلق عطاءاته وجهده، ليكون ضمير الإنسان السوري، ونبضه الحي والوطني الخاص والمشرّف.

 في السينما، حاولت جهات عدة استقطاب مواهب سينمائية شابة ودفعها للعمل، عن طريق مشروعات للدعم، هل اطلعت على نماذج من أفلام الشباب، وهل يمكن أن تؤسس لفورة سينمائية سورية على غرار الدراما؟

نعم اطلعتُ على عدد من أعمال الشباب التي قدم لها الدعم، لكن ليس الاستقطاب هو المهم فقط، بل الاستمرارية، ولا يكفي أن يكون هذا الدعم لشباب هواة، يجب أن يكون للسينمائيين المحترفين المتخصصين، وهم كثر، وربما لم يحققوا أكثر من فيلم خلال حياتهم، وباتت صناعة فيلم بالنسبة لهم حلماً بعيد المنال، الإبداع لا يرتبط بمرحلة عمرية بل باستراتيجية، يجب أن يكون الكل متألقا من خلالها، وقادراً على الإنتاج، حيث تتاح له الأرضية الخصبة للعطاء، ويكون جهده مقدّراً ومحفوظا، تُكتب له الديمومة، هكذا يجب أن نراكم ونعترف لكل بجهده، لكي نحقق حراكاً وتطوراً، ولا نقع في هوة الركود واجترار الذات، لتكون لدينا فنون متألقة (سينما ومسرح وتلفزيون)، وإنسان سوري متألق في بلد متألق أيضاً.

 ماذا عن جيانا عيد والسينما، هل يمكن أن تكوني مشاركةً في فيلم ما قريبا؟

آخر فيلم شاركتُ فيه كان «رسائل الكرز» للمخرجة الصديقة سلاف فواخرجي، وهي تجربتها الأولى في الإخراج، وقد سعدتُ بها؛ وأتمنى لها التوفيق والنجاح. جسدتُ في الفيلم دور امرأة جولانية، سنديانة من سنديانات الجولان الغالي، ورمز من رموز النضال. قدمتُ هذا الدور تحية متواضعة للمرأة الجولانية، للأم الأبية التي غرست في جينات أبنائها الهوية السورية والانتماء الوطني المقدس، وعلمتْهم معنى الصمود والإصرار على احتضان الوطن، وعلمتْنا معنى الكرامة والكبر على الشدائد وحماية القيم التي ترسخ الأوطان في الأفئدة والعقول، كما شموخ الجولان الأبي، والفيلم من تأليف الزميل نضال قوشحة.

 كيف تصفين علاقتك بنقابة الفنانين السوريين اليوم، وما رأيك في أدائها تجاه الفنان السوري؟

ذكرها يسبب لي ألماً، هي أطلال نقابة، لم ترتقِ إلى العنوان وفقدت الماهية والهدف من إنشائها، مكان بارد لا حياة فيه ولا موقف وطني مشرف ولا حراك ثقافي أو سياسي أو اجتماعي ولا حتى نقابي أو إعلامي.. بطالة بلا حدود لموسيقييها ودرامييها.. فراغ للوسط الفني ولكل شيء، جمود ولا جدوى.