2013/05/29

رواد الفن السوري.. أيقونات تعيش في عقول الملايين
رواد الفن السوري.. أيقونات تعيش في عقول الملايين

سانا

لا يصح الحديث عن الفن السوري من غير التطرق إلى رواده الذين صنعوا فنهم بعفوية نادرة وجهد وإخلاص كبيرين زادهم في ذلك الرغبة بترسيخ ضرورة الفن الذي كان في تلك الأيام مدعاة للسخرية من الشخص الذي يزاوله لتكون البداية مع الحكواتي الشعبي حكمت محسن وفرقة التمثيل والموسيقا التي ازدهرت عام 1947 بعد افتتاح بث إذاعة دمشق التي ساهمت في انتشار شخصيات كوميدية مازالت في أذهان الناس وقلوبهم واستمرت حتى عام 1973

ولعل شخصية القابلة الدمشقية أم كامل إحدى أقرب هذه الشخصيات إلى قلوب الناس وأداها لأول مرة المونولوجيست سامي أبي نادر وذلك لعدم وجود فنانة تقوم بذلك لكن الفنان الذي برع في تقديم تلك الشخصية للناس هو الفنان أنور البابا الذي قال عن هذه الشخصية التي عايشها حد الولع: لو استنطقتُ عمري كله لوجدته ينطق بلسان أم كامل.. لقد تشربتها إلى درجة التوحد فيها.. درستُ حركاتها سكناتها ضحكاتها طريقة حديثها.

وليس غريباً أن تحصد شخصية أم كامل كل هذا النجاح لاسيما بعد كل هذا التفاني الذي قدمه البابا في سبيل فنه الذي آمن به وأحبه إذ لم تكن أم كامل مجرد نوع من التطريف والمساخر الشعبية بقدر ما كانت نموذجاً للتهكم الشعبي العبقري من الظواهر الاجتماعية السيئة.. قدرة خلاقة استطاع أن يضفيها البابا على شغله وناحتاً ملامحاً صوتية على إذاعة دمشق لهذه الشخصية بلغت أوجها عندما قامت الحكومة السورية باستدعاء مدير إذاعة دمشق آنذاك الصحفي أحمد عسة طالبة منه تحويل نسخة من مشروع الدستور السوري 1950 ليخرج منها حديثاً شعبياً للإذاعة وبالفعل استطاع القصاص الشعبي حكمت محسن أن يكتب الدستور على هيئة تمثيليات إذاعية كانت أم كامل فيها نجمة صوتية في شخصيات عدة على نحو سلسلة حكايا الجدات والأم الكادحة.

بينما كانت فرقة التمثيل السورية تذخر بأهم نجوم المسرح والإذاعة فإلى جانب أم كامل كان هناك الفنان القدير فهد كعيكاتي المعروف بشخصية أبو فهمي التي أداها أول مرة الفنان حسن تللو لكن كعيكاتي برع في أدائها أيما براعة فكانت مثالاً عن الرجل الدمشقي العتيق الذي لا يهمه سوى تكديس الأموال والجلوس إلى الموائد الفاخرة.

ومن أعضاء الفرقة السورية نذكر الفنان تيسير السعدي الذي قام بأداء وإخراج العديد من التمثيليات لفرقة التمثيل والموسيقى وبزغ نجمه آنذاك في شخصية أبو إبراهيم الرجل الطيب الذي يحب الخير وللسعدي بصمة لا تنسى في تاريخ الدراما التلفزيونية عبر ما قدمه بعد عودته من مصر لدراسة الإخراج السينمائي حيث قدم شخصيات كوميدية كان أهمها في الإذاعة شخصيتي صابر وصبرية التي قدمها مع زوجته الفنانة الراحلة مكرم صبا المحمودي حيث برعت هي الأخرى في تقديم نموذج للكوميديا الإذاعية الشعبية.

وكان السعدي عاشقاً لخيال الظل ومغرم منذ الصبا بفن الظليات مما جعله يقدم عام 1988 شخصية المهرج في مسلسل الدنيا مضحك مبكي والتي استطاع من خلالها أن يسجل بتوقيعه الخاص على نوعية جديدة من الشخصيات الكوميدية ذات الطابع الشعبي والمغزى المأساوي في الوقت ذاته ومن أهم ما قدمه السعدي كانت شخصية المنجد في مسلسل أيام شامية التي تعتبر من بواكير إنتاج التلفزيون لأعمال البيئة الشامية.

شخصية أبو صياح الرجل القبضاي الذي تسمع الناس رأيه وهي من الشخصيات الكوميدية المؤثرة وقد قام بأدائها لأول مرة الفنان عبد الهادي الدركزللي وبعد أن اعتذر عنها أتى حكمت محسن بالفنان عبد الحليم مسعود الذي فشل في أدائها ثم بالفنان رفيق سبيعي الذي كان يعمل في عام 1945 ملقناً في فرقة الفنان عبد اللطيف فتحي وبالفعل نجح رفيق في أداء هذه الشخصية على المسرح ومن ثم في التلفزيون برفقة الثنائي دريد ونهاد اللذين قدما شكلاً مختلفاً من الكوميديا في أعمال مازالت حتى اليوم تحتل الصدارة في قائمة المشاهدة كان أهمها في صح النوم وحمام الهنا ومقالب غوار.

ورافق ظهور التلفزيون السوري أوائل الستينيات تطوراً كبيراً في طبيعة النصوص الجديدة لأعمال استفادت من الوسيلة التي استوعبت خبرتها بشكل لافت وراء ميكروفون الإذاعة وعلى خشبة مسرح الكهرباء ساحة عرنوس حالياً إضافةً إلى عروض المسرح العسكري لتكون أمام الكاميرا احتفالاً ثقافياً وإعلامياً بفن سوري قدم أنماطاً لا تنسى في ذاكرة المشاهد العربي.

آنذاك شكلت شخصيات صح النوم غوار..دريد لحام، حسني البورظان، نهاد قلعي، أبو كلبشة، عبد اللطيف فتحي، أبو رياح، محمد الشماط، ياسينو، ياسين بقوش، فطوم حيص بيص، نجاح حفيظ، ابو كاسم..محمد العقاد،أبو عنتر..ناجي جبر نماذجاً كلاسيكية لدراسة التمثيل ومن الممكن أن يتم اعتمادها في مناهج طلاب التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية بدلاً من شخصيات مثل /بنتلوني وأراليكينو/ المشتقة من شخصيات الكوميديا ديلارتي المصنعة إيطالياً.

هذه النماذج الشعبية السورية بامتياز كانت وما زالت انتصاراً كبيراً في فن الكاريكتر ودليلاً دامغاً على جودة الذاكرة الشعبية وبراعة الممثل السوري في التأثير على الجمهور وهيمنته هذا إذا أخذنا بالاعتبار أن فن المسرح الشعبي في سورية يعاني اليوم من ندرة النصوص الجيدة ومن الموهبة الحقيقية في صياغة الضحك التلقائي بعد انطفاء نجوم هذا المسرح وأفول حفلات المسرح التجاري بدمشق وحلب.

ونجح نجوم التلفزيون العربي السوري منذ بداياته في الستينيات من انتزاع إعجاب الجمهور العربي على اختلاف شرائحه الاجتماعية والثقافية لتكون أعمالهم أيقونات فنية ما زالت تعيش في عقول الملايين من محبي الفن السوري الأصيل والذي كان في معظمه فناً وطنياً صرفاً بعيداً عن تمويل فضائيات المال الجاهل إذ تعتبر شخصيتا غوار وحسني البورظان من أوائل النماذج الفنية العربية التي نافست نجوم الكوميديا العالمية مثل الثنائي لوريل وهاردي حيث استطاع هذا الثنائي السوري خطف الأضواء من نجوم السينما المصرية على مدى سنوات طويلة محققين بذلك متعة المشاهدة الهادفة والبعيدة عن مزاج السوق التجاري لاسيما بعد تعاونهما مع الشاعر محمد الماغوط في مسرحيات /ضيعة تشرين.. كاسك يا وطن.. غربة/ وأفلام /الكفرون.. الحدود.. صانع المطر/ ومسلسلات /وادي المسك.. وين الغلط.. ملح وسكر/.