2012/07/04

زهيـر رمضـان: العاقل من يتلقى الإشارة قبل الوقوع في المطب مقبلون على بطالة فنية
زهيـر رمضـان: العاقل من يتلقى الإشارة قبل الوقوع في المطب مقبلون على بطالة فنية


زبيدة الإبراهيم - البعث

يتميز الفنان زهير رمضان ببصمته في الساحة الفنية، فمنذ دوره في مسلسل (الشريد)، حيث جسد شخصية يفترض أنها شريرة (زيدان)، ولكنها شخصية تركت أثراً إيجابياً لدى المشاهد، لما توفر لها من حسن أداء جعلها لا تقل أهمية عن أية شخصية إيجابية، ولعلها لفتت أنظار المخرجين بقوة لهذه الطاقة الشابة، وما يمكن أن تؤديه في الأعمال الدرامية والسينمائية، ولم يخيّب زهير رمضان الظن به، فتتالت شخصياته الإيجابية والسلبية في تسعة أعمال سينمائية أكدت موهبته وحضوره وتميزه، وأصبح سهلاً على المتلقي التواصل مع زهير رمضان في كل الشخصيات التي يجسدها.

وفي لقائنا اليوم مع الفنان زهير رمضان، نفتح معه سجالاً حول تجربته الفنية والإنسانية، وما هي الطاقات الكامنة لديه، والتي لم تُستغل بعد، وكانت البداية مع مشاركاته الفنية لهذا العام فيجيبنا:

>> في هذا الموسم، والحمد لله، لدي أعمال كثيرة، سينمائية وتلفزيونية فهو موسم حافل، إن شاء الله، على الرغم من الظروف الاستثنائية التي نعيشها الآن، حيث انتهيت مؤخراً من تصوير دوري في "الشراع والعاصفة" عن رواية بالعنوان نفسه للكاتب الكبير حنا مينة، بإدارة المخرج غسان شميط، كما أستعد لأداء دور جديد في فيلم من إخراج الزميلة واحة الراهب عنوانه "هوى"، والفيلمان من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

أما على الصعيد الدرامي، فقد انتهيت من مشاهدي في مسلسل بعنوان "الانفجار"، وفي مسلسل آخر للمخرج مؤيد نحاس، وثمة أعمال أخرى بعضها أنجزتها، وبعضها ما أزال أعمل عليها.

< أية ملامح يمكن الحديث عنها حول الشخصيات التي تجسدها في هذه الأعمال؟!.

>> دعينا نبدأ بفيلم الشراع والعاصفة، حيث أؤدي فيه دوراً رئيساً، ميناء وقبطان له شخصية مميزة، فهو الأكاديمي الوحيد "درس الملاحة بشكل أكاديمي"، يعمل عند أبي هاني، وقد أوكلت إليه رئاسة الميناء، ولا يبادر بأي عمل دون الرجوع إليه.

أما عن دوري في فيلم "هوى" للسيدة واحة الراهب، فهو شخصية قاسم، الرجل الذي يعيش حالة خاصة ومنفردة ومنزوية عن باقي شخصيات الفيلم، تربطه مع الشخصية الرئيسية في الفيلم "البطلة" علاقة استحواذ وتسلط من جانبه، حيث يسخرها لخدمته، ولن أطيل في الحديث عن هذا الدور، تاركاً ملامحه الأخرى ليراها المتفرج على الشاشة.

وفي مجال الدراما التلفزيونية أشارك في مسلسل (الانفجار)،  من إخراج أسامة حمد، وتأليف أسامة كوكش، وأؤدي فيه شخصية "أبي سامر"، التاجر الدمشقي ذي الشخصية التقليدية، لكنه رجل متعلم ومحب لأسرته، ويخسر ابنه الوحيد بحادث تفجير إرهابي، وبهذا يفقد وريثه الوحيد الذي يحمل اسمه، فيضطر للزواج من أجل وريث جديد، ولكن علاقته بأسرته الأولى تظل قائمة، وهو ما يضعه في مفارقات إنسانية لها خصوصيتها ومعالم فنية جديدة وجميلة، قد يسر لها المشاهد ويحبها.

أما العمل الدرامي الثالث فعنوانه (الزعيم)، وهو إخراج مشترك للأخوين ملا (بسام ومؤمن)، وهو من تأليف الفنان الزميل وفيق الزعيم، وأمثل فيه شخصية ظريفة اسمها أبو ساكو (وكلمة ساكو تعني الجاكيت الطويل، أو البالطو)، لأنه يرتدي هذا الساكو في كل الأوقات، وهو محتال ظريف محب للحياة، يتصرف كصعلوك من صعاليك بداية القرن العشرين.

وهناك عمل آخر بعنوان "مملكة الزعفران" لصالح الفضائية التربوية السورية، من إخراج الزميل محمد إسماعيل آغا، وهو فانتازيا تاريخية، وأؤدي فيه شخصية "سوهارو" التاجر الإقطاعي،  وحاولت في أدائي أن أكون بسيطاً وواضحاً، لأن مشاهديّ في هذا العمل هم الأطفال، وفي عمل آخر عنوانه "الحضارة الإسلامية"، أؤدي عدة شخصيات تاريخية، مثل: والي، خليفة، أحد الرعايا، مما هو مألوف في مثل هذه الأعمال التاريخية، وهذا المسلسل هو جزء ثانٍ للمخرج هيثم زرزوري، وثمة عمل ثالث في الإطار نفسه من إخراج زميلنا علي شاهين، لكن على ما أعتقد أن الجديد في هذا الموسم هو مشاركتي في ثماني لوحات مع الفنان ياسر العظمة في مسلسل مرايا، ولن أحدثكم عن مشاركتي في عملين جديدين، فلا أريد أن أطيل عليك، ولا أريد أن أثقل على القارئ.

< يبدو مما تفضلت بذكره وكأنك تخليت عن أداء الشخصيات التي اشتهرت بها مؤخراً، مثل شخصية ( أبو جودت، رئيس المخفر )، فهل هي رغبة منك بالتغيير، أم أنها لم تعرض عليك في هذا الموسم؟!.

>> الحقيقة بعدما أديت شخصية (أبو جودت) في الأجزاء الخمسة من (باب الحارة)، وتركت انطباعاً جميلاً وطيباً لدى المشاهد العربي وأحبها الناس، جاءت تجربتي الثانية مع الفنان بسام الملا حين أسند إليّ شخصية زعيم من زعماء حارات دمشق القديمة، ثم رغبت بأن أقدم شيئاً جديداً ومميزاً يختلف عما ألفه الناس من زهير رمضان، وهكذا سوف يراني الناس في شخصيات معقدة ومركبة أكثر من شخصية "أبو جودت"، وأعتقد أن هذه الشخصيات الجديدة لن يكون أثرها عند المشاهد العربي أقل من تأثير شخصية "أبو جودت".

< لنعد إلى بداياتك المسرحية، خاصة وأنك عملت مديراً للمديرية العامة للمسارح والموسيقا، ونحب أن نعرف منك أولاً كيف تنظر إلى واقع المسرح في سورية اليوم؟!.

>> واقع المسرح "تعيشي إنتِ، الله يرحمو، فقد مات ودفن منذ أن تركت المديرية" وأنا مصرّ على كلامي، فقد كانت لي تجربة حقيقية وغنية ويشهد عليها الكثير من الناس، لكن بعض من هم  في موقع القرار، أعني في وزارة الثقافة، لا يشجعون أو يؤازرون أي عمل فني لقناعتهم بأن الفن مجرد متعة ورفاهية وليس حاجة ملحة للبشرية، وبذلك فإن كل شيء يمكن أن يتطور بإشراف أمثال هؤلاء عدا المسرح.

مديرية المسارح لا حول لها ولا قوة بسبب بعض المتنفذين في الوزارة، ولا أستثني كذلك بعض أصحاب القرار، باستثناء السيد رئيس الجمهورية، فحتى المكاتب القيادية المسؤولة عن الثقافة والإعلام في سورية، آخر اهتماماتها وتفكيرها موضوع الثقافة، وهذه حقيقة نلمسها على أرض الواقع، ففي حين نشهد التطور الملموس للثقافة في العالم ومواكبة الأحداث والمتغيرات العالمية، نبدو نحن وكأننا ما زلنا نائمين،  وخاصة أولئك الذين لا يرغبون إلا بأناس أدنى ثقافة، لكي يبقوا هم في الصدارة، وبرأيي يجب ألا يستمر هذا الحال، ولن تستعيد الثقافة وجهها، و المسرح عافيته إلا بعد إبعاد الذين لا يرغبون بالمسرح، الذي يمثل  اللبنة الأساسية لبناء الإنسان والمجتمع، وفي هذه الظروف الاستثنائية التي تعيشها سورية، يكتسب المسرح دوراً إضافياً فعالاً وإيجابياً، وقد شاهدنا مثل هذا الدور في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لكن مع الأسف غاب هذا الدور بسبب مواقف بعض أصحاب القرار أو بعض المسؤولين عن الصناعة الثقافية في سورية، حيث آخر اهتماماتهم في هذا الوقت هو الصناعة الثقافية وللأسف.

<  يرى البعض أن الدور الأساسي الذي كرس زهير رمضان ممثلاً مميزاً هو ظهوره في مسلسل "الشريد"، الذي تميزت فيه بشخصية مشاكسة ومتسلطة، لكن الناس أحبوها، فكيف تنظر إلى تجربتك انطلاقاً من هذا الدور، وهل توافق على أنه ما زال يؤثر على اختياراتك إلى الآن؟!.

>> المقصود طبعاً شخصية "زيدان" في مسلسل الشريد، ويجب أن نتذكر أن العمل مأخوذ عن رواية جميلة جداً "رواية الأشجار واغتيال مرزوق" للراحل الكبير عبد الرحمن منيف، وشخصية "زيدان" في الرواية لها خصوصيتها، إلا أنني جسدتها بصورة أكثر وضوحاً مما هي عليه في الرواية، وهناك حالة تحدٍّ بيني وبين أية شخصية تسند إلي، وإذا ظن البعض بأن هذه الشخصية أثرت على مسيرتي الفنية وعلى خياراتي في التلفزيون، فأنا أقول: إنها أثرت إيجاباً، حيث إن المخرجين أصبحوا  يسندون إليّ الأدوار المعقدة أو المركبة، وأنا أرى أن الشخصيات السلبية عموماً مكتوبة بحرفية أكثر، والفنان يشعر بهذه الحالة، وكل فنان يحب أن يواجه هذا التحدي، وأعتقد أن هذه، وقد كنت أضيف إليها شيئاً من الكوميديا لأخفف وطئتها على المشاهدين كشخصية أبو جودت التي أحبها الناس، بسبب مسحة الكوميديا التي طعمتها للشخصية، والأمر نفسه قمت به في  دوري في مسلسل «دمشق يا بسمة الحزن»، للمخرج لطفي لطفي، الذي كتب له السيناريو الدكتور رفيق صبان، حيث أديت شخصية راغب الساروجي، والرواية أصلاً للأديبة الراحلة ألفة الإدلبي، " دمشق يا بسمة الحزن"، وهذه الشخصية كانت مؤثرة أكثر من شخصية زيدان، وأتصور أنها أثرت على طريقة تعامل المخرجين معي، وأنا أستغرق طويلاً في دراسة الشخصية وفهمها لأعرف كيف أتعاطى معها.

< لعلك جاوبتني عن السؤال الذي كنت بصدد أن أسألك إياه، وتحديداً شخصية "أبو غسان" في "رسائل شفهية"، يبدو أنك قادر على أداء الدور ونقيضه، هل توافقني على ذلك؟!.

>>  هذا الكلام فيه شيء من الصحة، ودعيني أقول لك: زهير رمضان يمكن أن يتقمص أية شخصية شريرة كانت أم طيبة، وهذا ليس غريباً ولا ملفتاً، فأنا خريج معهد عالٍ للفنون المسرحية، ومتخصص بالدراما، وأية شخصية تسند إليّ سوف أدرسها وأحلل علاقاتها بالشخصيات الأخرى: قافتها، حسّها،  فيزيولوجيتها، وعيها، انتماؤها، نفسيتها، هذه العناصر كلها أدرسها  عندما أؤدي  شخصية ما، لذلك  تجربتي لم تأت من فراغ أو عبث، بل أنا طبعي كفنان أذهب من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين -فنيّاً طبعاً- وليس فكريّاً، فأنا في أقصى اليسار فكريّاً، أنا أذهب إلى الشخصية دون قوالب جاهزة ومعروفة لدى الناس، فحتى الشخصية النمطية أقدمها بشكل جديد، ومختلف عما هو مكتوب على الورق.

<  من يقترب من زهير رمضان الإنسان، يلمس لديه حالة جميلة من الطيبة، فمن أين تستحضر كل تلك القسوة حين تتطلب منك الشخصية ذلك؟!.

>> بسبب كثرة وجود الشخصيات السلبية في المجتمع من حولنا،  والتحولات الاجتماعية غير الواعية غيرت كثيراً من طباعنا، ونحن نرى اللون الأسود أكثر وضوحاً من سائر الألوان، ومن هنا تأتي الشخصيات التي نصفها بالسلبية، فهي موجودة وواضحة بحكم ما تؤثر بمن حولها، وفي الآونة الأخيرة أصبح في داخلنا، وللأسف، الكثير من المساحات السوداء، ولكننا لن نتركها تؤثر فينا، فنحن، كما قال الراحل سعد الله ونوس، محكومون بالأمل، لذلك يجب علينا أن نسير، حتى إنني أجد في كلمة «محكومون» شيئاً من الصلابة والقهر، لذلك أنا أقول: نحن مسكونون بالأمل، والأمل هو بداية الشيء الجميل للتطور نحو الأفضل بشكل دائم.

<  تجاربك السينمائية متميزة،  لكنها متقطعة ومتباعدة، لماذا؟!.

>>  لأن الإنتاج السينمائي في بلدنا متقطع ومتباعد، وأنا بدأت مسيرتي الفنية بالسينما  قبل التلفزيون، حيث شاركت في فيلمين قبل مشاركتي بأي عمل درامي، وحصيلة مشاركاتي السينمائية تسعة أفلام، الأمر الذي  يميزني عن معظم زملائي الفنانين الذين لم يصلوا إلى هذا العدد.

< وجدنا مؤخراً كثيراً من الفنانين يتجهون نحو الكتابة الدرامية والإخراج، هل فكرت بشيء من هذا؟!.. وما رأيك بهذه الظاهرة؟!.

>>  التجربة الحياتية والخبرة التراكمية الفنية المهنية ملأت مساحات كثيرة، وفتحت فضاءات جديدة في ذاكرة زهير رمضان وفي مخزونه الإنساني والثقافي والفكري، وقد كانت عندي ميول للكتابة، أما الإخراج فأعتقد أنني لو تصديت لهذا المجال فسأحقق فيه نجاحاً، وذلك لفهمي لطبيعة العمل الفني، وتحديداً الإخراج، فالإخراج هو عمل ثقافي يمكن اكتسابه، وتقنيات الإخراج سواء التلفزيونية أم السينمائية معروفة وليست بالشيء الصعب، وهي بحد ذاتها إدارة لمجموعة عناصر تعمل لإنتاج عمل فني وفق رؤى إخراجية وفنية وفكرية وثقافية، تتلخص بسؤال: كيف أرى الحالة المشهدية وبنيتها، وكيف أدرس الشخصيات ..الخ؟!.

وبتصوري بعد قراءاتي الواسعة في التلفزيون والسينما والمسرح، أصبحت لدي أرضية ومساحة كبيرة تمكنني من خوض تجربة الكتابة وحتى الإخراج، وقد سُئلت من قبل كثير من أصدقائي في نقابة الفنانين الذين مروا على مجلس النقابة وأخذوا صفة مخرج، لماذا لم يضف زهير رمضان صفة مخرج على بطاقته النقابية، وكنت أجيبهم دائماً: إن زهير رمضان مشروعه كممثل لم ينته بعد، وعندما ينتهي يمكن أن يفكر في مشروع آخر، قد يكون الإخراج أو الكتابة، ولكن إلى الآن هذا الشيء "ليس في البال"، وما زلت كممثل لدي أشياء كثيرة أريد أن أقدمها في مشروعي الفني والثقافي.

<  وما هي الشخصية المسرحية التي ترغب بتأديتها فيما لو عرضت عليك؟!.

>>  لا شيء محدداً حاضر في الذهن، أنا أرى المسألة من منظور مختلف، فأية شخصية مكتوبة بشكل صحيح، سواء كانت من المسرح الكلاسيكي أم المعاصر، يمكن لي أن أؤديها بشكل مقنع ويرضيني، فأهم شيء عندي أن تحرك الشخصية مشاعر الفنان وهواجسه، وإذا لم تحرك شيئاً في داخله سيكون تأثيرها سلبياً عليه.

<  إذاً لماذا لا نراك في المسرح هذه الأيام؟!.

>>  (لأنه لايوجد مسرح هذه الأيام)، فحتى الذين يشتغلون في المسرح يؤدون تجارب فردية وقليلة، وهذه لا تمثل حالة أو طقساً مسرحياً، بل هي صرعات مسرحية، حيث انتشرت في الآونة الأخيرة عروض الممثل الواحد، اختصروا فيها جميع التجارب الإغريقية والرومانية، وتجربة المسرح العربي والعالمي بشخص واحد هو الكاتب والمخرج والممثل، وبتصوري العمل المسرحي هو عمل جماعي، وجماليته وخصوصيته، تتجلى في هذا التنوع والتعدد، وأنا بكلامي هذا لا ألغي عروض الممثل الواحد، كونها تجربة استمرت لسنوات طويلة، خصوصاً عندنا في سورية، لكن اعتراضي عليها أنها قامت على التقليد لما هو حاصل في الخارج، وهي تجارب وليدة وبسيطة، والكثير ممن يعملون بها يستحقون الاحترام، لكن من يستحقون الاحترام أكثر هم ممن أخلصوا لطبيعة المسرح وأرضيته الجماعية، مثل الفنان أيمن زيدان وهشام كفارنة، الذي لا يزال يواظب على هذا النوع من المسرح، ويصر على انتشاله من ترديه اليومي.

< لو كان زهير رمضان منتجاً درامياً أو مسؤولاً في جهة إنتاجية، ما هو المسلسل الذي يرغب في إنتاجه ويتحمس له؟!.

>>  أنا عملت فعلاً في الإنتاج الدرامي وقد أنتجت عملين، لكن النتيجة كانت سيئة، لأن هذا ليس عملي، فالمطلوب من المنتج أن يكون "محنّكاً" يعرف من أين تؤكل الكتف، والعمل البسيط الذي قمت بإنتاجه كلفني كثيراً، فأنا ممن يعتقدون أنه مهما دفعت من أجر للفنان أظل مقصراً بحقه، وهذا ينسحب على تجربتي في الإنتاج، حيث عملت مع الراحل نزار حلوم عملاً اسمه (وجهاً لوجه)، وهو من تأليف زيناتي قدسية وإخراج غزوان بريجان،  والعمل الثاني اسمه (العنيد)، وقد كانت الكلفة عالية، ما اضطرني للتوقف عن متابعة هذه التجربة.

أما العمل الذي أتمنى إنتاجه، فهو عمل درامي يتحدث عن تاريخ سورية منذ بدء الخليقة وحتى الآن، ويتطلع إلى المستقبل أيضاً، وللأسف فإن كل الكتّاب والمنتجين والمثقفين في هذا البلد وحتى صناع الثقافة، مؤسسات وأفراد، لم يتطرقوا إلى هذا الموضوع، والوحيد الذي اهتم بهذا الموضوع هو المخرج أمين البني الذي قدم من خلال التلفزيون سلسلة مذكرات وطن، وهذا العمل أحببته كثيراً، ولكنني أتمنى لو أنه رجع إلى ما قبل مذكرات وطن، أي إلى ما قبل التاريخ من أوغاريت وأجدادنا الفينيقيين، وصولاً إلى وقتنا الحاضر، فبالربط بين الماضي والحاضر، تبرز رؤى واستشراف للمستقبل.

<  شخصية (أبو جودت)، ماذا قدمت لك، وماذا قدمت أنت لها؟!.

>> زهير رمضان قدم للشخصية أشياء كثيرة لم تكن موجودة في النص، ولا أريد أن أدخل في التفاصيل عما قدمته، لأن هذه الشخصية على الورق كانت هامشية، وجامدة وثانوية تماماً، حتى إنها كانت جسر عبور إلى حالات درامية مختلفة في العمل، وأنا دخلت إلى هذه الشخصية  وعدلت بها بالطريقة التي رأيتها مناسبة، طبعاً بموافقة ودعم مخرج العمل الأستاذ بسام المـلا، أما ما قدمته هذه الشخصية لي فقد عرّفتني وقدمتني للمشاهد العربي بصورة ممتعة وظريفة، وحققت لي حضوراً واسعاً.

< هل تعتقد أن تكرار تقديم شخصيات متقاربة من الفنان نفسه يكون مفيداً لتجربته أو مقيداً لها؟!.

>> أنا أتصور أن القضية ذكاء وإقناع، وبعض الفنانين قدموا شخصيات كانت ناجحة كثيراً أول مرة ظهروا فيها من خلال شخصيات محددة، وآخرون لم يؤكدوا خصوصية لهم، حتى عندما يعيدون أو يقدمون شخصيات متقاربة، وبعضهم لم يستطيعوا أن يخرجوا من أسر هذه الشخصية أو تلك، وأنا مع أن يطوّر الفنان نفسه، أن يمتلك أدواته، ويبحث دائماً عن طرق وأساليب جديدة لتجسيد أفكار جديدة بشخصيات جديدة، حتى لو كانت مما هو معتاد ومألوف، وأريد أن أتكلم عن تجربتي المتواضعة، فخلال مسيرتي الفنية أغلب الشخصيات كانت قريبة من بعضها، وأغلبها يشبه بعضها بشكل أو بآخر، ولكنني كنت دائماً أحرص على أن تكون كل شخصية من الشخصيات لها شكلها الخاص، وفكرها وسلوكها الخاص، بمعنى أنني  أؤديها بشكل مختلف عما سبقها.

وفي اعتقادي أن الفنان مثله مثل النهر مياهه متجددة دائماً، وهذا التبدل أو التجدد يكون في الحيثيات والتفاصيل، انطلاقاً من سؤال: لو أن غيري قدّم هذه الشخصية كيف ستكون؟!.. وهو السؤال الإبداعي الذي درسناه في نظرية الفنان الكبير ستانسلافسكي، انطلاقاً من (إذا) الذهبية التي تعطينا الحالات الكثيرة والمتنوعة والغنية، أتصور أن كسل بعض الفنانين في تقديم بعض الشخصيات لأنهم لا يجهدون أنفسهم ويكتفون بالأداء السطحي الآلي، ولذلك هم خارج الحركة الفنية، فالفنان الحقيقي لا يستطيع أحد تأطيره أو تحجيمه، فهو من يخلق الشخصية بأدائه لها، ولا صحة لما يقال هنا وهناك إ ن هذا الفنان متخصص بهذه الشخصية أو تلك.