2013/05/29

سامر رضوان: الدراما ليست أكاديمية لتعليم الناس
سامر رضوان: الدراما ليست أكاديمية لتعليم الناس


بسام سفر - علاء الدين العالم : تشرين

يغوص الشاعر والكاتب سامر فهد رضوان في خبايا المجتمع السوري، ليصنع عالمه الدرامي الخاص به، الذي ينتمي إلى هذا المجتمع بكل ما فيه من إيجابيات وسلبيات،

فالعمل الدرامي الأول له «لعنة الطين» أثار جدلاً درامياً في الوسط الفني السوري، ومازال العمل الثاني بجزءيه «الولادة من الخاصرة، ساعات الجمر» يثير جدلاً واسعاً حول مستوى العنف، ومقدار اقترابه وابتعاده عن الواقع السوري، وهل تنتمي هذه الشخصيات إلى المجتمع السوري بكل أطيافه وألوانه الاجتماعية، عن الجزء الثاني من الولادة من الخاصرة، وتطور شخصياته، ومقدار تشاركها مع الواقع ، كان لتشرين مع الشاعر والكاتب سامر فهد رضوان الحوار الآتي:


مستوى العنف في «الولادة من الخاصرة الجزء الثاني، ساعات الجمر» مرتفع، إلى أي مقدار تعتقد أن الدراما قادرة على توظيف ذلك جمالياً؟

لا يمكن لأي دراما أن تعيش من دون صراع بين طرفي واضحي المعالم، من هنا ومن فكرة الصراع القائمة في العمل الأدبي نستطيع أن نقول: إن على الكاتب خلق بنية اقتتال بين مجموعة من الأشخاص أو بين أشخاص وأمكنة أو بين مؤسسات مع بعضها، ناهيك  بأن الوطن العربي بأغلبية بلدانه أفرز حالة عنفية لا يمكن لكاتب مطلع ومتابع إلا أن يتأثر بهذا العنف شاء أم أبى، ولن أسترجع جميع نشرات الأخبار التي كانت  تصدر ومازالت في القنوات الرسمية وغير الرسمية، التي أصبحت تعرض المشاهد العنفية بكامل إمكاناتها وإحداثياتها. في «ساعات الجمر» قدمت وجهة نظر لها علاقة بأن هذا المجتمع امتلأ بالعنف، ولكن هذا العنف ليس وليد اللحظة، بل إنه عشش داخل هذه الأشخاص وتفتق هذا العنف وانطلق في ظرف مؤاتٍ سمي بـ«الربيع العربي»، وتالياً أشعر بخيانة للضمير عندما لا أُدخل هذا المصطلح إلى عملي، وعندما أنشغل بفرضيات تم استخدامها أكثر من ستين عاماً بالدراما واكتشفنا بأنها لم تؤسس لحالة معرفية أو جمالية. ليس من أولوياتي أن أقدم بنية جمالية يستمتع بها المشاهد لأني أرى أن إسقاط الأقنعة عن بعض البشاعات الموجودة في بلداننا والإشارة إليها بالبنان ربما سيكون الطريق للتخلص منها،أما عن صيغة السؤال التي تضع الجمال في كفة والعنف في كفة وتتساءل فيها عن كيفية توظيف هذا العنف فأنا اعترض على هذه الفكرة لأني أرى أن العنف هو حالة تقدَم لكي يرفضها المشاهد ولا يتبناها، لكن أن تؤسس هذه الحالة، أي حالة العنف، إلى حالة جمالية من خلال العنف فباعتقادي أن المسألة تحتاج إلى مجتمع قد حسم خياراته مع بعض التفاصيل الحياتية كي تدخله إلى لعبة العنف، ولكنني مازلت مظناً أن العنف بطريقة عرضه درامياً وسينمائياً هو حالة لغربلة مجموعة الأشياء القاسية التي لها علاقة بالسادية وما إلى ذلك، وتخليص المشاهِد منها، وفي حال حدث العكس فإن الكاتب حينها يقوم بتكريس العنف وهنا مربط الفرس.

نظرة المجتمع والأوساط الثقافية السورية للجزء الثاني من «الولادة من الخاصرة» إنك وضعت كل السلبيات في المجتمع السوري من زوايا متعددة «عبد الهادي الصباغ» خروج «رؤوف من السجن، وظهور مجلس المستفيدين، ومحاولات تبيض العملة عن طريق «قصي خولي، رندة» هل قاربت الواقع السوري؟

الدراما برأيي الشخصي ليست أكاديمية لتعليم الناس ولا ينبغي أن يعد الكاتب نفسه أستاذا يعطي دروساً  لتلاميذه، من هذه الفرضية انطلقت بأن المتلقي الذي سيشاهد هذا العمل هو شريك في إنتاجه لأنه هو الأساس، أما لماذا تم جمع هذه الشرائح بسلبياتها وغياب أي خط إيجابي لأنني وببساطة ليس من معنياتي تقديم الإيجابي عن طريق الدراما، من معنياتي ككاتب ما لا أرضى عنه، لذلك أتحدث عن حالات جمعتها في مسلسل واحد محكوم بعنوان يحتمل فضاءً دلالياً واسعاً وهو «الولادة من الخاصرة وساعات الجمر»، وتالياً عندما تفكر في صناعة عمل روائي عليك أولاً أن تحدد الهدف المرجو من العمل، والهدف المرجو من الولادة من الخاصرة  الإشارة إلى ما في المجتمع السوري وما يماثله من مجتمعات من سلبيات علينا أن نتنبه لها من أجل اشتفافها من هذا البلد أو بلدان أخرى، وتالياً لا يهمني أن أتحدث عن مؤسسة كل ما يجري فيها جميل، فلماذا آخذ مثل هذه المؤسسة وأطرحها بالدراما إذا لم يكن هناك هدف؟؟والهدف الأساس أن تشير بأصابعك إلى بعض الأمراض التي استشرت في المجتمع السوري ودول العالم الثالث. هذه التقسيمات الحادة التي جرت مؤخراً من بعض الصحفيين وروجوا لثقافة التقطها الشارع من دون أن يدروا وهو ثقافة  اللونين الأبيض والأسود، هناك ألوان طيف، والكاتب يأخذ ما يريد من هذه الألوان، أما عن السوداوية في الولادة من الخاصرة فهي جزء من اللعبة الدرامية وجزء من المقترح الحكائي فإن شعر المتلقي  أن هذا الأفق مسدود وان شعر بأن هناك سوادات هائلة تغطي الأقنعة التي نرتديها فربما أحرّض فيه شيئاً وربما ينأى عني ويفكر في متابعة مسلسل آخر، لكن أنا أحاول تصوير بعض الشرائح المعتم عليها قصداً أو من دون قصد، فهؤلاء من جسد المجتمع السوري وعلينا أن نراقبهم وأن نشير إلى مشكلاتهم ومعاناتهم وإلا تصبح الدراما من دونهم لغة تجارية خالية من أي هدف ثقافي أو تنويري، باعتقادي أن هذا السواد الذي تشكل هو عبارة عن معادلة بطرفي صراع يتلقف المشاهد وينتظر كيف ستحل هذه المعادلة.

إن النهايات الفجائعية التي وضعتها لشخصيات الجزء الأول من الولادة من الخاصرة اعتماداً على مقولتك سابقاً «بأن النهايات الفجائعية هي أبقى في الذهن»، لكن مجرد نشوء فكرة جزء ثانٍ للولادة من الخاصرة دفع الكثيرين إلى وضع إشارات استفهام حول كيفية نهوض هذه الشخصيات من نهاياتها الفجائعية، ألا ترى أن نهوض هذه الشخصيات من نهايتها المأسوية فيه  شيء من اللامنطقية؟

هناك نهايات فجائعية، لكن من الطبيعي لأي فجيعة أن تنتهي وتستمر الحياة، ومن هنا كان الجزء الثاني، فكأنك تشاهد الحلقة الحادية والثلاثين، فلم أغيب فترة زمنية على الإطلاق وتابعت من حيث الفجائع وانطلقت لنهاية الجزء الثاني، أساساً لا يمكن لعمل فني أن يكون منتهياً، فيمكن للوحة أن يصار إلى إعادة تشكيلها أو إضافة أو حذف، فاللعبة الروائية تقول: إن «علام» شاهد والده وقد انتحر، فيما بعد وجدنا في الجزء الثاني أن هناك اتفاق جرى بين زوجته التي تزوجها رغماً عنه وصديقة والده ومديرة المعمل وصديقه، وأطلقتُ الشخصيات وانطلقت بدايتها إلى المرحلة التي ستقدم في الجزء الثاني.

حتى هذه اللحظة نجد أن الحوارات الموجودة بين شخصيات العمل ضمن الأسرة الواحدة مبتورة، وكأنه حوار طرشان مثال « عقيل ومهاب» أسرة  «أبو فيصل» أسرة «جابر» هل تشرح لنا ذلك وأهميته درامياً؟؟

في مجتمع أشعر أنا شخصياً أن مفهوم الأسرة القديم الذي كنا نتغنى به ونفرح به ونكتب عنه بدأ بالتلاشي بالتساوق والتوازي مع التطور التكنولوجي في العالم، فكان هناك سهرات سمر والآن سهرات فيسبوك، كان هناك قناة واحدة الآن هناك آلاف الفضائيات، وجود التلفزيون في كل بيت ساهم في خراب العلاقة التي تنتمي إلى مفهوم العلاقة الحوارية، وهذه ليست وجهة نظر تعميمية، لكن أنا أشير إلى أن التطور التكنولوجي في العالم ساهم إلى حد كبير في تخريب وتهديم مفهوم الأسرة التي كنا نتمنى أن يبقى على ما هو، لكن وجود هذه الأدوات غيّب التواصل الاجتماعي بين أفراد الأسرة الواحدة.

إن توظيف التكثيف والاختصار في الجملة الدرامية يتبدى واضحاً، حتى الرومانسيات التي نشهدها بين ديما وحبيبها الشرطي، وبين عبد الحكيم قطيفان ورندة، إلى أي درجة تجد أن التكثيف مفيد في إيصال وجهة النظر درامياً؟

أنا ضد مفهوم الثرثرة في التلفزيون الذي كان سائداً ولا يزال عند من يعتقد أنه مجد، أنا أتعامل مع البنية الدرامية كما أتعامل مع بنية القصيدة، كل ما هو مجاني فائض عن الحاجة، فأنا جلاد للقطة، عندما أتحدث بلسان إحدى الشخصيات لا أدور حولها كي أكسب زمناً إضافياً، أريد من هذا المشهد التالي، فأقدم ما يغني هذا المشهد ويشرحه من دون استطالات مجانية لا تغني ولا تثمن من جوع، أساساً أعتبر أن الاختلاف بين الكتاب الدراميين في سورية هو حول ضبط اللسان أثناء الكتابة، فإذا لم يضبط الكاتب ولم يتقشف بلاغياً ولم يختصر لا أظن أنه يقدم تكثيفاً دلالياً لما يود تقديمه في العمل، برأيي التقشف البلاغي في الدراما هو مطلب حيوي الآن للتخلص من فائض كلامي ليس له علاقة بالدراما بل هو محاولة لكسب الوقت من أجل إطالة الحلقة التلفزيونية ليس إلا.

انطلاقاً من تعاملك مع البنية الدرامية كتعاملك مع بنية القصيدة والابتعاد عن الحشو، إلى أي مدى يظهر نفس سامر رضوان الشاعر في الكتابة الدرامية؟

عندما تقوم بالاختزال والتكثيف وإطلاق الجملة المحددة فأنت تتعامل مع قصيدة وهذا واضح ربما للبعض، وأنا شخصياً أتعامل مع الدراما على إنها استحقاق، والذي يستحق الدراما هو من يحصّل مجموعة الدلالات من الجملة التي تقال، أما الجمهور الذي يؤمن بالثرثرة لا يستحق الدراما التي أكتبها، ربما يذهب إلى دراما تناسبه، لكن عندما تريد مشاهدة عمل أنا أقوم بكتابته عليك أن تتذكر أن كل جملة لها دلالتها، فالدراما استحقاق، من يستحقها يأخذها ومن لا يستحقها يبحث عن مسلسلات أخرى تناسب ما يريد.

الخطوط الدرامية بين  (سناء ووليد) الذي رشته بماء النار وكذلك صفاء سلطان في أسرة واحدة، تقول أن الصراع يتراكم ليؤسس إلى حالة عامة، كيف يتم جمع هذه الصراعات في خط خاص وعام في «الولادة من الخاصرة ساعات الجمر»؟؟


أنا ضد فكرة التصنيف والنمذجة وضد فكرة أن تأخذ كل مشهد بمفرده وتحيله إلى واقعك، انا أقدم مقترحاً حكائياً وهذا المقترح الحكائي عليه أن يكون مبنياً على شخصيات تتصارع مع بعضها واكتمال هذه الصراعات ينتج العمل في النهاية، لكن أنا لا أقول أن المجتمع السوري كله فقير ومسحوق وأرفض أن يأخذ جابر على محمل التعميم فهو حالة أرصدها موجودة في جسد المجتمع السوري، لا أعرف كم جابر في سورية لكن جابر موجود كما موجود أبو إياد ورندة ورؤوف، ولذلك أتمنى على المتلقي ألا يمسك ما يقوله العمل بأني أشوه المجتمع السوري، فمهنة الدراما هي مهنة اصطفائية فأنت تصطفي حالات موجودة في هذا المجتمع تتحدث عنها ولكن هذا لا يعني أن هذه الحالات هي ممثلة لكل الشرائح الموجودة،  فوجود طبيب فاسد في الولادة من الخاصرة لا يعني أن كل الأطباء فاسدون، هذا كلام مرفوض، فأنا أقول الدكتور فلان، وبذلك أختار من شريحة الأطباء فرداً له قصة يمكن أن تخدم الدلالة العامة للعمل الذي أقوم بكتابته.

توقع في العمل عقوبات لشخصيات شريرة «أبو مقداد، وليد..» على أرضية سلوك عام في الجزء الأول. لماذا تم العقاب على الشخصيات الشريرة المتواضعة اجتماعياً ومادياً، بينما تعيد رؤوف الشرير إلى موقعه وسلطته، أليس ذلك انحيازاً إلى مواقع السلطة على حساب هذه الشخصيات؟

كل الشخصيات في الجزء الثاني تعرضت لمفترق تحول، فرؤوف من السجن إلى مكان عمله بعد أن دوّن في دفتر مذكراته مجموعة من المستمسكات على بعض المسؤولين في الدولة وساهموا بإخراجه من المعتقل، علاّم عوقب أيضاً وأم حازم وجابر وانتصار كلهم عوقبوا بمعنى أن هذه العقوبات ليست مقتصرة على الشخصيات الشريرة بل الجميع نال عقوبة لأن المقترح الحكائي في الجزء الثاني يجب أن يقول شيئاً مغايراً للجزء الأول، أو ربما متقدماً عليه، وتالياً لا بد لهذه الشخصيات أن تأخذ أبعاداً أخرى لكي افتح لها مجالاً آخر للصراع والحكاية.

قدمت مقولة فكرية من خلال جزئي «الولادة من الخاصرة» هل اكتملت المقولة الفكرية لنص الولادة من الخاصرة بالجزءين، وما الذي دفعك للتفكير باحتمال القيام بجزء ثالث للولادة من الخاصرة؟

ما يريد الولادة من الخاصرة قوله قد قال منه الكثير في الجزءين، واعتقد أن الشارع السوري يوافق ويقر بأن سورية دخل إليها الفساد واستوطن.... مادمنا متفقين على أن ما قدم في الولادة من الخاصرة هو بشع وأسود تعالوا نضع أيدينا مع بعض المعنيين لنجتث هذه البشاعة من مجتمعنا، الولادة من الخاصرة لا يقول إن المجتمع السوري هو مجتمع بشع، بل يقول إن هنالك بشاعة في هذا الجسد إذا ما تمكنا من استئصالها سيتعافى هذا البلد كما كنا بل أقوى بكثير.

البعض اتهمك بأنك تبالغ في تصوير إحدى حالات المجتمع السوري سواء من الناحية الاجتماعية أو من ناحية تصوير الفساد الإداري الذي ظهر مستشرياً في مجتمع الولادة من الخاصرة، ماردك؟

دعونا نحدد سوية ما هو تعريف المبالغة، عندما قرأنا جورفيلن في حول العالم بثمانين يوم، أليس قمة المبالغة أن يدور العالم راجلاً في ثمانين يوماً؟ نحن قبلناه واستمتعنا به، المبالغة هي الخروج عن المألوف، ووجهة نظري هي أن الخروج عن المألوف هو تأسيس لأرض خاصة بك ككاتب، ذهنية التعميم هي ذهنية باطلة، كل تعميم باطل بما فيه تعميمي هذا، فالكاتب الدرامي يقدم حالة ليس بالضرورة أن تكون موثقة فوتوغرافياً لكن حالة قابلة للحدوث على هذه الأرض، أما رأيي في الخطوط التي قدمتها، أقول هي مجرد مزاح ليس إلا لما يجري في بلدان العالم العربي، هي حالة أقل بكثير مما يحدث، ولنعترف جميعاً أن منطق الحياة وصيرورتها أكبر بكثير من قدرتنا على الاستيعاب، ما تعتقد أنه ليس منطقياً قد تفاجئك الحياة بعد سنوات عديدة بأنه كان قمة المنطق، من هنا أدعو إلى تأمل مشاهد الولادة من الخاصرة حتى النهاية واستيعاب دلالاتها ومن ثم نقرر إذا كانت خارجة عن سياق المألوف أو مبالغة أو ما إلى هنالك، ولن أقول كما يقول غيري بأنني أمتلك وثائق تقول إن جابر موجود في الواقع ورؤوف موجود ...إلخ، بل سأترك هذه القضية للمشاهد نفسه فليفتح عينيه الاثنتين وليكتشف أن هنالك حالات أقسى بكثير مما تم عرضه في الولادة من الخاصرة.