2013/10/10

سامر رضوان
سامر رضوان

 

صهيب عنجريني – السفير

 

 

منذ تجربته الأولى «لعنة الطين» لم يقدّم الكاتب السوري سامر رضوان نصّاً إلا وأثار جدلاً واسعاً، ما يُراهن على تكراره في جديده «وصايا كانون». يعزو ذلك إلى إصراره على كسر التابوهات في موضوعاته، ومغايرة السائد في أدواته. يقول لـ «السفير» إنَّ معظم كتّاب الدراما السوريّة تناسخوا التجارب وأدوات الكتابة ذاتها، وكرسوا شكلاً قولب بناء العمل الدرامي، لكنّ «دخول شاعر إلى هذا المجال ينبغي أن يُحدث فارقاً».

يُقرُّ بأنه يطرب لحالة «الكاتب النجم»، لكنّه لا يزعمُ أنّه حقّقها بالمطلق، يقول: «ما قدمته قد يبدو غريباً، والغرابة تدفع المتلقي للبحث عن صانعها الأول»، ويستدرك: «هناك من يعتبرني مخرّباً للدراما وصناعتها، وللوطن أيضاً». القواسم بين مسلسلاته الأربعة كثيرة، ومنها هيمنة القسوة. يؤكد أنه لم يتبنَّ «دراما القسوة» من فراغ، بل أنّها فرضت نفسها: «محكومون بالعنف أينما اتجهنا، هو الرائز الأول لما يحصل في سوريا والعالم الثالث، العنف موجود في البيت، المدرسة، فالشارع، ثم صراعات الحياة، ومن خلال قراءتي النقدية تذكرت فرضية آرتو عن مسرح القسوة، فبدأت اشتغالي الخاص عليها».

لا يراهن كاتب «منبر الموتى» على الشكل الفنّي فحسب، بل على الرؤيا أيضاً، يؤكّد أنه لم يوصّف فقط، بل قدّم ورقة عمل لحلّ الأزمة السورية: «قلت نحن بحاجة إلى نسيان وغفران، وإعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وتفتيت المؤسسة الأمنية، وهذا يعني أن يُنتَج حوار، ولن تُحل الأزمة خارج هذه المصطلحات». لا يعتقد رضوان أنه أخطأ حين تصدى لمحاكاة الحدث السوري الساخن والمفتوح على كل الاحتمالات، يقول: «رصدت في ساعات الجمر الإرهاصات الأولى للحراك السوري فكيف سأتخلى عن هذه المهمة؟ قدمتُ دراما تحاكي الواقع السوري، ثمة من يرى أنه من الواجب الانتظار والتأمل، لكن ذلك يناسب كتابة نظريات فلسفية، لا عمل درامي». يشدّد على أنه لم يُقدم توثيقاً، بل محاكاة فنية. فهل كان يتوقع ردود الفعل التي قوبلَ بها؟ يجيب: «كنت واثقاً أنّ العمل سيجلب الكثير من ويلات الطرفين، لكنني قلت ما آمنت به كما تقتضي الشجاعة».

يؤكد أنّ مشروع «ولادة من الخاصرة» قد انتهى تماماً، وكان عبر أجزائه الثلاثة «مشروعاً لفضح آليات الاستبداد». انتقادات كثيرة طالت العمل في جزئه الثالث، خصوصاً لناحية خفوت بريق بعض الشخصيات، وتحديداً شخصية جابر (قصي خولي)، فهل انحازت الكتابة إلى بعض الشخصيات؟ يجيب: «لم أنحز، بدليل أن الشخصيات الثانوية كان لها حضور أخّاذ، شخصية أبو حسام (عبد الهادي الصباغ)، كان لها في الجزء الأول 27 مشهدا فقط، لكنها تركت أثراً فريداً». فأين تكمن المشكلة إذاً؟ يرد: «تنفيذ الجزء الثالث هو المشكلة، لا أتهم الممثل ولكن أصب جام نقدي على المخرج... ربما لم يتابع الجزأين وتصدى لإخراج الثالث، وهذا يعني أنه لا يعرف البناء النفسي للشخصيات كي يقدّم ملاحظات تحميها وتحصنها». فهل يرى أن نصّه انتُهك إخراجيا؟ «نعم، ولأسباب عديدة، أولها عدم الأمانة في التعاطي، قال المخرج إنه حذف مشاهدَ لضبط الإيقاع... فهل حذفُ مشهد استصدار ضابط مخابرات لقرار جمهوري بالإفراج عن المسجونين الجنائيين وتوظيفهم في قمع الحراك هو للحفاظ على الإيقاع؟ هل حذفُ مشهدِ قتل أهل قرية لعدد هائل من الناس ثمنَ دم عنصر مخابرات هو لضبط الإيقاع؟ وهل تمت كتابة نهاية مختلفة لشخصية أم الزين وإظهار أهل حلب خدماً في بيروت لضبط الإيقاع؟». لا يفترض أن ذلك «الانتهاك» ناجم عن قصور في الرؤيا الدرامية فحسب، يذهب أبعد، مؤكداً أن «المخرج أراد لهذا المشروع ألا ينجح، أراد للمسلسل أن يبدو ضعيفاً، وأراد ألا يدخل في خلاف مع السلطة، فجهد لتقديم حالة توفيقية تُخففُ ردة الفعل تجاهه». ويضيف: «أنا لم أكتب الإلياذة، كتبت عملاً مقبولاً بدليل متابعته، ولكن هذا المقبول سيصبح غير مقبول ولا معقول عند اجتزائه».

يترك رضوان «الولادة من الخاصرة» خلفه، وينطلق صوب عمل جديد بعنوان «وصايا كانون»... «هو مقامرة كتابية مختلفة، وأُحضّر نفسي لمعارك نقدية جديدة، أحداث النص مرسومة منذ ثلاث سنوات، وبدأت بتنفيذها الآن، ربما سأخرق بعض التابوهات الاجتماعية التي بقيت محرمة حتى اللحظة». أخيراً؛ يُقرُّ بأنهُ ظلم مشروعه الشعري، لكنه ينفي أن يكون وهج النجومية الذي توفره الدراما السبب، يقول: «هذا عصر الإيصال، ورائد الإيصال هو التلفزيون شئنا أم أبينا، فإن أردت عددا أكبر من المتلقين لرسائلك عليك أن تذهب إلى التلفزيون، غيّرتُ الأدوات فقط وليس الرسائل».