2012/07/04

سعد الحسيني مدرستي . . شارة موسيقية تجمع بين اللغتين السمعية والبصرية الدرامية
سعد الحسيني مدرستي . . شارة موسيقية تجمع بين اللغتين السمعية والبصرية الدرامية

جلال نديم صالح – البعث

مسيرة فنية بدأت في الخامسة من العمر طورها من خلال دراسته المهنية للهندسة الصوتية وعلوم الموسيقا عبر دروس خصوصية مكنته من وضع بصمة ملفتة للنظر في أعمال كثيرة كالعبابيد، القلاع، زمن المجد، الفوارس، الخوالي، ليالي الصالحية، بكرا أحلى، باب الحارة بأجزائه الخمسة، كوم الحجر، كثير من الحب كثير من العنف (هارون)، أهل الراية بجزأيه، أسعد الوراق، الزلزال، الزعيم، الولادة من الخاصرة، رجال العز، تلك البصمة التي ساهمت في الارتقاء بالدراما السورية من خلال مؤلفات موسيقية وتوزيع جديد لتراثنا الشعبي بتوقيع المؤلف الموسيقي سعد الحسيني الذي بدأنا حوارنا معه حول الموسيقا التصويرية كفن قائم بذاته يحتاج إلى مؤلف مبدع، فيما نجد اليوم كثيراً من الدخلاء عليها. ماهو تفسيره للأمر هل هو بسبب اتساع مساحة الأعمال الدرامية أم الاستسهال؟ فيجيب قائلاً:

- من سنن الكون أن الدخلاء متواجدون في غالبية المهن الإبداعية وغيرها. لكن يبقى السؤال: ما هو تعريف الدخيل على مهنة ما؟ أستطيع القول في حال تواجد دخيل في عالم الإبداع أنه سيجد صعوبة كبيرة في إقناع الناس بمواهبه غير الموجودة أساساً وسرعان ما سيختفي، إلا في حال كانت هناك صناعة تجارية تدعم هذا الدخيل للوصول إلى النجومية، وما أكثر الأمثلة في عالم الفن في أيامنا هذه من الفنانين العرب وغيرهم من الأجانب، وفي تلك الحالة يصبح هذا الدخيل نجماً إلى أن تنطفئ نجوميته التي تكون في غالبيتها متناسبة طرداً مع فيزيولوجية ذلك النجم. ومن هنا فإن النجومية لا تكون بالضرورة متناسبة طرداً مع الإبداع وهذا أيضاً من سنن الكون.

أما في حال التأليف الموسيقي فلا أظن أن هناك مقعداً مستمراً - وأشدد على (مقعد مستمر)- لأي دخيل؛ إذ ليس هناك ما يشفع له من حسن المظهر أو جمال الكاريزما كالممثل -على سبيل المثال- الذي يُحسن استثمار مظهره من خلال موهبة إبداعية محدودة، ويبقى الشيء الوحيد الذي يبقي المؤلف الموسيقي في عالم التأليف الموسيقي هو إبداعه وتطور عطائه في المجال الموسيقي.لا شك في أن اتساع إنتاج الأعمال الدرامية هو أمر إيجابي في تقديم تربة خصبة من خلال إعطاء فرص أكبر لعدد أكبر من المؤلفين الموسيقيين. لكن وكما أشرت سابقاً لا أظن أن الدخيل سيجد مقعده في هذه المهنة لأنه سرعان ما يكتشف المخرج ومنتج العمل أنهم ارتكبوا خطأ جسيماً في إسناد مهام التأليف الموسيقي لدخيل ساهم في تشويه فكرة ومقولة المسلسل، وهناك من يستسهل مهام الموسيقا التصويرية، دخيلاً كان ـ وهو كثير ـ أم منتجاً أم مخرجاً ـ على قلتهما ـ لكن سرعان ما يدفعون الثمن والدليل أن غالبية الأعمال الدرامية السورية والتي دخلت قلوب العالم كان أحد أهم أسباب نجاحها هو قوة موسيقاها التصويرية والأمثلة كثيرة.

< هذا يقودني إلى السؤال التالي أنه في الغرب، حيث قيمة العمل ترتبط بقيمة المكونات الأساسية له نرى أن الموسيقا التصويرية أصبحت إحدى السمات المميزة للعمل الدرامي، فحين نسمع موسيقا "لوف ستوري" نتذكر عمل إيريك سيغال ورايان أونيل مثلاً. وحين نسمع موسيقا "العراب" نتذكر أعمال ماريو بوزو. وحين نسمع موسيقا "الرسالة" نتذكر أعمال موريس جار والمرحوم مصطفى العقاد، فيما نحن نراوح في مكاننا ما السبب؟

<<  اعذرني فإني لا أتفق معك. فعلى الرغم من أن الكلف الإنتاجية لموسيقا الأعمال التي  ذكرتها في سؤالك قد تم إنتاجها منذ أكثر من ثلاثين عاماً إلا أنها فاقت إنتاج الموسيقا التصويرية  بأكثر من عشرة أضعاف مقارنة بأعمالنا التي يتم إنتاجها في أيامنا هذه، ولكن للإنصاف فإن هناك الكثير من المؤلفات الموسيقية التصويرية –وأحدد المؤلفات الموسيقية التصويرية– لأعمال سورية وعربية لاقت جماهيرية كبيرة، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: في حال توفرت الشروط الإنتاجية نفسها الموجودة في العالم الغربي للمؤلفين الموسيقيين التصويريين العرب خصوصاً وللإبداع العربي عموماً، ماذا سيحدث عندئذ؟ بكل تأكيد ستتطور الموسيقا التصويرية بشكل أسرع، وهناك من يعمل على الوصول إلى العالمية، والتوفيق من الله.

< هناك من لا يفرق اليوم بين أغنية الشارة في العمل الدرامي وبين الموسيقا التصويرية، كيف تنظر أنت كمؤلف موسيقي إلى الفرق بينهما؟

<<  على الرغم من أن سؤالك ربما يبدو الجواب عليه بديهياً وبسيطاً لكن للحقيقة أغنية الشارة باتت تشكل عبئاً على مؤلفها الموسيقي أو ملحنها بسبب تدخل بعض الجهات الإنتاجية في شارة المسلسل تحديداً، الأمر الذي يحزنني أن هناك من الجهات الإنتاجية من لا يفرق بين أغنية شارة مسلسل وبين الأغنية الرائجة لأن رسالة كل منهما مختلفة عن الأخرى. وللتبسيط فإن الأغنية الرائجة تحتوي على لغة سمعية تهدف إلى إبهار المستمع منذ أول استماع لها وذلك من خلال إيقاعات ولحن وهارموني تتقبله الشريحة الكبرى من المستمعين خصوصاً إن كان اللحن والإيقاع والتوزيع الموسيقي متوافقاً مع موضة الأغاني، ولكن سرعان ما يمل المستمع منها لانعدام لغتها البصرية، أما أغنية شارة العمل الدرامي، فعليها أن تحتوي لغة سمعية مضافاً إليها لغة بصرية درامية، وفي هذه الحالة ربما لن يفهمها غالبية المستمعين إليها من الاستماع الأول وربما لغاية الاستماع العاشر بسبب قلة ثقافتهم الموسيقية. في الحقيقة لا يمتلك تلك الثقافة إلا القليل من الناس في عالمنا العربي مقارنة مع الناس في العالم الغربي الذي يمتلك بغالبيته ثقافة موسيقية مهمة حيث بالكاد نجد في الغرب من لا يعزف على آلة موسيقية لأنها جزء من الدراسة، لذلك نجد أن الكثير من أغنيات شارات الأعمال الدرامية العربية والسورية تغرد في وادٍ بينما تغرد الموسيقى التصويرية للعمل نفسه في وادٍ آخر. والعمل الذي نجحت شارته وتغنى الناس بها دون الالتفات إلى مقولة المسلسل وجهد أسرته لا تلعب دوراً إيجابياً، وكأن المسلسل تم إنتاجه ليخدم الشارة ومن يغنيها لا العكس. إن أكبر دليل على ما ذكرت أن هناك العديد من الأعمال نجحت أغنيات شاراتها التي تحمل مفاهيم الأغنية الرائجة بينما فشل العمل درامياً. وللأسف أعطى ذلك الانطباع لشركات الإنتاج أن أغنية الشارة مهمة ويجب أن تكون مشهورة /أي تضرب بالعامية/ وهذا مفهوم خاطئ من وجهة نظري، وأستمد دليلي من العديد من الأعمال الغربية التي اشتهرت من خلال شارات ليست غنائية وفي حال كانت غنائية فهي تمتلك اللغة البصرية الدرامية. هذه هي المدرسة التي أنتمي إليها بالنسبة لشارات الأعمال الدرامية التي قدمتها، وأضيف: إن العمل الذي سيشتهر بسبب شارته والنجم الذي سيغنيها –مع احترامي للجميع– فمن الأفضل عدم إنتاجه من الأساس.

< من الملاحظ أن شارات أعمالك لا تكون مع نجوم الغناء باستثناء الفنان ينال طاهر الذي أصبح نجماً من خلالك، بينما نرى آخرين في هذا المجال يعتمدون على نجوم الغناء في شارات أعمالهم فما رأيك؟

<< مع احترامي لنجوم الغناء، ولكن لماذا لا نعطي فرصة حقيقية للمغنين السوريين المبدعين غير المعروفين من خلال أغاني شارات المسلسلات الدرامية السورية؟ خصوصاً أن الأغنية السورية خارج نطاق المنافسة في مجال الأغنية العربية في وقتنا الحالي، لكن ألا يستحق أبناء سورية المبدعون فرصة من خلال المسلسلات السورية؟ أليس لدينا القدرة على أن نقدم أصواتاً جديدة مميزة من خلال شارات المسلسلات؟ من هو المستفيد من غناء شارة المسلسل: النجم المعروف أم أسرة المسلسل؟ هذه الأسئلة جميعها تجعلني أقف مع خط دعم المواهب المحلية وإعطائهم الفرص وفي حال عدم توفر الموهبة ننظر إلى البدائل. وكما أشرت في الإجابة عن السؤال السابق: أنا انتمائي إلى مدرسة شارات المسلسلات الدرامية وليست الغنائية.

< من هم مجايلوك والذين تعتبرهم بالفعل علامة فارقة في الموسيقا التصويرية محلياً وعربياً؟

<<  اعذرني لأن رأيي لن يضيف أو يؤخر بل على العكس سيحرجني مع العديد من زملائي والجواب عن سؤالك يمتلكه الجمهور الذي هو صاحب الرأي الأخير.

< من خلال معلوماتنا هناك الكثير من المؤلفين الموسيقيين الذين بدؤوا يتذمرون من تدخُّل من ليس له علاقة بالموسيقا التصويرية في موسيقاهم، ورؤيتهم الموسيقية للعمل الدرامي مارأيك بهذا؟ وهل واجهت مثل هذه الحالة؟

<<  هذا الأمر لم يعد سراً ولكن من يتدخل لا يعلم أنه بذلك يضر بعمله.

أقول لمن يتدخلون لماذا لا يقومون هم بأنفسهم بتأليف الموسيقا التصويرية للعمل؟ أليس من باب أولى أن يتركوا كل مختص يقوم بعمله، وفي حال فشل ذلك المختص فهو الخاسر، عوضاً عن خلق جو يوتر المبدع نفسياً وغالباً عن غير قصد الأمر الذي لا يصب في مصلحة العمل.

< ماالجانب الأبرز لعلاقة المنتج بالعمل الدرامي هل هو الجانب الفكري أم الجانب المادي؟

<<  كل من ينتمي إلى مدرسة (الإبداع يأتي أولاً) ويضعون اللوم على الجهة الإنتاجية، وفي حال فشل العمل الدرامي يكون واهماً ويعيش في الخيال. أما من ينتمي إلى مدرسة (التحديد من الإبداع لصالح الجهة الإنتاجية) فاحتمالية الفشل أكبر ولن يتطور.

ولكن هناك مدرسة (إيجاد حلول إيجابية إنتاجية إبداعية تكفل الاستمرارية لكلا الطرفين) فتعتبرهذه هي المدرسة الأمثل، لذلك لن ينجح في العمل ضمن شروط هذه المدرسة إلا منتج دارس للسوق الدرامي، مطّلع على الإمكانيات الإبداعية ومنخرط بشكل احترافي في عمليات التسويق لمنتَجه الدرامي، يضاف إلى كل ذلك تناغم الجهة الإنتاجية مع طاقم إبداعي فني (الكاتب، المخرج، الممثلون، الأزياء، الديكور، التصوير، المونتاج، الموسيقا، العمليات الفنية وسائر أسرة العمل الفني) فذلك الطاقم الفني الإبداعي يضمن نتيجة درامية تلفت إليها أنظار محطات التلفزة الفضائية وهنا بيت القصيد.

< بعيداً عن الدبلوماسية، أيهما الأهم برأيك الإنتاج أم الإبداع؟

<<  الإنتاج علم ومعرفة وثقافة وعلاقات متوفرة لكل الناس ممن يريد أن يعمل في هذا المجال، أما الإبداع فهو هبة ربانية يهبها الله عز وجل لمن يشاء من خلقه، ومن هنا فإن هناك الكثير من رؤوس الأموال الجاهزة لتمويل الإبداع ولكن عدد المبدعين أقل بكثير.

وفي النهاية فإن التناغم بين جهة إنتاجية محترفة وجهة إبداعية موهوبة ينتج فناً مهماً ذا رسالة هادفة.

< من المعروف أنك تعمل في التجارة مع عائلتك فلماذا لا تقوم بإنتاج أعمال درامية أسوة بالكثير من الفنانين الذين دخلوا هذا المجال، وخصوصاً أن لك باعاً مهماً في التجارة والتسويق وكذلك الأمر في مجال الفن؟

<<  مفهوم العمل التجاري مختلف تماماً عن مفهوم العمل الفني ومن هنا لا أظن أنني سأنجح في حال أنتجت عملاً فنياً، ضاحكاً يقول "فيها وجع رأس مع الزملاء لأنه لايوجد مبدع أنتج عملاً  درامياً إلا وحصل له وجع رأس، لذلك  بلاها أحسن".

< اشتهرت بأعمال موسيقية لدراما البيئة، على ماذا تبني تميزك؟ وهل هي مصادفة؟

<<  شكراً على الإطراء ولكن في حال تميز أي عمل موسيقي تصويري فيعود ذلك إلى قدرة المؤلف الموسيقي على الانتقال بالمشاهد إلى زمان ومكان الحدث الدرامي المطلوب تجسيده موسيقياً.

ولا يمكن اعتبار ذلك مصادفة والأصح أنه توفيق من الله لكل من يستطيع تحقيق هذه المعادلة بعد اتخاذه كافة الأسباب المرتبطة بنوعية عمله ومن ثم التوكل على الله.

< يعتبر الكثيرون أن الشللية الفنية مضرة بمصلحة الدراما السورية ناهيك عن أنها تحرم الكثيرين من الفرص، وبصراحة يرى الكثيرون أنك محسوب على المخرج بسام الملا، ما هو تعليقك؟

<<  بدأت العمل في مجال الموسيقا التصويرية عام 1996 أي منذ خمسة عشر عاماً ورصيدي ستة عشر مسلسلاً درامياً مع تسع شركات إنتاج وعشرة مخرجين، ولا أظن أن هناك من سيعتبر أني أنتمي لشللية فنية معينة، ولا أنكر فضل المخرج بسام الملا الذي قدمني من خلال مسلسل العبابيد وشرفني بعدئذ باستمرار التعامل معي، خصوصاً أنه قدم للدراما السورية الكثير من الأعمال التي دخلت قلوب الناس، ولا أستطيع أن أتخلى عنه إلا إذا أراد هو ذلك، أما بالنسبة للشللية فأقولها وبصراحة: الشللية التي تهدف إلى الارتقاء فأهلاً وسهلاً بها وهي موجودة عالمياً حتى في هوليوود، أما الشللية التي تهدف إلى قطع الأرزاق أو التآمر على العباد فلا تخش منها لأنها سرعان ما تنتهي، والذي يعرف خلفيات ما أعنيه سيوافقني الرأي.

< في أعمال الموسم المنصرم، أيُّ الأعمال لفت انتباهك؟

<<  في الحقيقة أعتبر نفسي مقصراً جداً في متابعة الأعمال الدرامية وذلك بسبب إنشغالي بأعمالي أثناء فترات العرض، وهذا يحرمني من متابعة الأعمال، ولكن إن شاء الله سأتابع بعض الأعمال عندما تتم إعادة بثها بعد رمضان.

< يخشى البعض من الفنانين من مقاطعة الفضائيات العربية للدراما السورية فما رأيك وما البديل؟

<< أتمنى ألا يحصل ذلك، وفي حال حصل فسيكون ذلك دليلاً إضافياً على أن هناك من يعمل على معاقبة الشعب العربي السوري لا قدر الله.

المشكلة هي أن هناك من يعمل على أن نجتمع على ما يفرقنا عوضاً عن ما يجمعنا ولكن لن ينجحوا بذلك إن شاء الله، والبديل يكمن في إنشاء فضائيات سورية واستمرار دعم الحكومة للدراما السورية.

وأضيف إن عدد الأعمال المنتجة في سورية سنوياً بين 20 إلى 40 عملاً بكلفة إنتاجية تقديرية بين 30 مليون دولار إلى 70 مليون دولار، ولا أظن أن تمويل ذلك، يصعب على الحكومة واحتكار كل الإنتاج الدرامي السوري في حال تمت مقاطعته لا قدر الله.

من هنا أريد أن أسأل السؤال الآتي:ماذا سيحدث في حال تم بث الأعمال الدرامية السورية على فضائيات سورية وبشكل حصري؟