2013/05/29

سمر سامي.. علامة فارقة في الصورة السورية المعاصرة
سمر سامي.. علامة فارقة في الصورة السورية المعاصرة


سامر اسماعيل – تشرين

تسجيلية نادرة تتمتع بها هذه المرأة في وجهها القريب بصياغته من صورة شمسية حميمة، صورة من ذاكرة جمعية سورية على امتداد عشرات الصور السينمائية، تطل سمر سامي كأحد أهم معالم الظاهرة البصرية المحلية، سواء في السينما أو في التلفزيون،

إذ تكتسب بطلة فيلم الكومبارس سحراً خاصاً في الوجدان الشعوري العام، كامرأة أنموذج للنساء السوريات وللمرأة العربية عموماً، صوت مشبع بحساسية عالية في التقاط أقل ترددات الشخصية المؤداة، فيذوب الحاجز الأخير بين الممثل والدور، تذوب الأنا الخالقة في الشخصية المبتكَرة، لا كمحاكاة خالصة فحسب، بل كامتثال نهائيٍ للعب حتى آخر اللعب، وكترويضٍ مستمر لنرجسية تزدهر أمام الكاميرا نماذج من نساءٍ أخريات.

سمر سامي ليست علامة فارقة في الصورة السورية المعاصرة فحسب، بل هي أيقونتها التي لن تتكرر، ومع أن هذه المقالة تأتي في عزّ توهجها الفني، فإنني أجد من الضروري أن أبيّن مدى أهمية النمط الرمزي الذي تشكله هذه المرأة في بناء الوعي الفني  السوري المعاصر، ولاسيما في أواسط ونهاية ثمانينيات القرن الفائت، لنجد أن سامي لم تكن مجرد ممثلة بقدر ما كانت نصراً اجتماعياً على كل الأفلام الوثائقية التي حاولت ولا تزال أن تقدم المرأة السورية على أنها تترنح بين صورة تجارية بخسة سوغتها أفلام مصر الخاصة بشباك التذاكر،  وصورة يعلوها قشب البادية وشظف العيش في رؤية اسشراقية قدمت النساء في بلادنا على أنهن كائنات خرافية لنسوةٍ يسكن أطراف المدن، فلا يبارحن أماكنهن من أمام هودج العسف الذكوري الغاشم .

من هنا, ومع وجود الكثيرات على ساحة الفن السينمائي والتلفزيوني سيبدو وجه بطلة فيلم «الترحال» من أكثر الوجوه بسالةً في الدفاع عن حداثة مغايرة في ذهن الجمهور الجديد، فلم تعد الحكاية ومع صعود أسماء كبيرة في عالم السينما السورية بتقديم بطلة الملامح الجاهزة، بل في عكس قيم مدنية تجلت عبر عشرات الأعمال التي قدمتها سامي بصوت الرافض تماماً لأي كليشيه في الأداء، بل لأي أفكار مسبقة يكتنفها النص الرجعي عن امرأة الهودج التي أشرت إليها. ‏

‏هذا الخروج على المألوف وعتهُ الشابة الصغيرة من دون أن تخوض في شرحه أو التنظير عليه، ساندتها في ذلك رغبة حقيقية لدى كتّاب ومخرجين جدد في ملامسة سخونة الشيفرة الاجتماعية، المحافظة منها على وجه الخصوص، ليكون فيلم «الكومبارس» لنبيل المالح مقدمة هذه الملامسات، التي ماكانت لتظهر إلى الضوء لولا توافر خامة الشاعرية الأنثوية التي جسدتها هذه الفنانة بعيداً عن كل إرهاصات مجتمع ما زال وسيبقى يراوح في تآمره على المرأة كإنسان له حق في الحياة وجدير بها قبل كل شيء؟ هذا ما رفضه أنموذج سمر سامي في الشاشة الكبيرة قبل الشاشة الصغيرة، ولئن كنتُ أرى أن رفضه جاء صارخاً في المقترح السينمائي قولاً واحداً، وهذا أيضاً ما يسوغ ذلك الحنق اللطيف الذي يظهر في أداء هذه الفنانة الأصيلة خاصةً في الأدوار التلفزيونية، حيث ورغم الاشتغال على أدوار الدراما، فإنها تبقى أقل بكثير مما تطمح إليه سامي سواء على مستوى الكتابة، أو حتى على مستوى الممثل الشريك أمامها في اللقطة. ‏

لقد وفرت الفسحة السينمائية التي تراجعت للأسف منذ أكثر من عشر سنوات، وفرت لها انتصاراً ساحقاً على الصيغ الفنية الممجوجة، فباتت في الكومبارس نجمة عالمية بكل ما تعني الكلمة من معنى، ولا أبالغ إن قلت إننا حتى اليوم، ورغم وجود الكثيرات من أجيال سابقة وحديثة العهد لم توجد ممثلة سورية بجرأة سمر سامي لا أقصد جرأتها الاجتماعية فحسب، بل جرأتها الفنية، وقدرتها على محق كل الابتذالات التي ازدحمت وتزدحم بها الشاشة السينمائية والتلفزيونية، ومن هنا أيضاً لا أستغرب تجدد شباب هذه المرأة في كل دور تقدمه كما حدث في فيلم «مطر أيلول» مع عبد اللطيف عبد الحميد، معلنةً من جديد وبنزق خالص أنها لم ولن تقبل مقاييس التخلف المقنّع بأقاويل الحداثة، لن تقبل بصياغات المال الجاهل، أو تدخله في كتابتها الخاصة للشخصية، ولا هوادة مع هذا، بل لا هدنة مع كل محاولات تجميل البشاعة، أعني أن سامي الأنموذج المفتقد في نساء الدراما والسينما السورية التي نحب ما زالت على سابق عهدها، ولم تبدل تبديلا..بل سنراها في «ذكريات الزمن القادم» و «زمن العار» و»سحابة صيف» و»تخت شرقي» تجد ضالتها، تتماهى معها على طول السلسلة التلفزيونية، كما كانت في «هجرة القلوب إلى القلوب» و»الطبيبة» و «جريمة في الذاكرة» و «الفصول الأربعة» صاحبة الخيارات الصعبة، على الأقل بالنسبة لما تقدمه الكثيرات من تنويعات مستهلكة في الصوت والوجه، و الحركة، فالمرأة القادمة من حمص إلى استديوهات العاصمة السورية عرفت منذ البداية أن خياراً خاطئاً فقط سيكون كافياً للخروج نهائياً من المخيلة التي تطمح إليها، ولذلك لم تساوم على الجودة، كما لم تراهن على النجاح رغم إصابتها له باكراً، إنما أثبتت بطفولية آسرة ممزوجة بأنوثة راقية أنها قادرة على إيصال أقصى حالات الممثل مصداقيةً ونزاهةً في التعبير. ‏

هذه الموهبة العالية في وعي المراحل وتكوينها فنياً جاءت على الأغلب من فطرة وسليقة شخصية استثنائية في إدارة الموهبة، والدفاع عنها، حتى في مواجهة آباء فنيين لم يمتلكوا وعيهم بعد إزاء ما يقدمونه، أو حتى في فهم هؤلاء البائت عن النجومية وما شابه، فحيث لم تجاهر سمر بدورها الثقافي قبل الفني؛ استمات آخرون في تصديع رأس الجمهور بأحقيتهم وأهليتهم الفنية، وريادتهم في شرق الدنيا العربية وغربها، فيما ظلت هذه المرأة ذات الطعم الخاص في الصوت والوجه ولفتاته نائية عن كل هذه الخطرفة؛ مزدهرةً يوماً بعد يوم بحميمية تكوينات الشخصية وإبداعها على أكثر من مستوى، فسامي تدرك ضرورة الشغل على مستويات تقنية في فن التمثيل، مثلما تدرك جيداً إلحاح مشاعر الشخصية وتنغيمها من الداخل، وتعرف أكثر بكثير من بنات جيلها وغيرهن، أن التمثيل فن التفاصيل، فن برمجة الجوانيات ومعايشتها أيما معايشة، فبرأيي وهذا يعود أولاً وأخيراً لأمرين، أولهما أنها كانت و ستبقى ممثلة سينمائية خاصة، وثانيهما فقر النصوص المكتوبة وعجزها عن توفير مساحات صوتية وعاطفية وشعورية كالتي يمتلكها صوت ووجه وقلب سمر سامي.‏