2013/05/29

«سورية دراما».. فضائياً تعيش النستلجيا على طريقتها..
«سورية دراما».. فضائياً تعيش النستلجيا على طريقتها..


سامر محمد إسماعيل – تشرين


تتعدى العروض التلفزيونية التي تزدحم بها فضائية سورية دراما هذه الأيام معنى النستلجيا المرضيّة, لتتجاوزها إلى نوع من التأكيد على الشخصية الوطنية للبلاد التي دخلت منذ عامين ونيف دائرة العنف المتصاعد,

فالمحطة الرائدة في اختصاصها بعرض الدراما التلفزيونية عربياً, يبدو أنها عرفت أخيراً أنها تتربع على كنز من أرشيف بصري نادر وثري في مكتبة التلفزيون, فها هي تتقدم إلى مشاهديها ببرامج ومسلسلات ما قبل حقبة الانجراف إلى مزاج السوق النفطي مع ثورة الفضائيات منتصف تسعينيات القرن الفائت, فبرامجها اليوم تزخر بألم الحنين إلى الزمن الجميل كما يطيب للبعض تصنيفه, وهو بالفعل زمن رائع مضى, زمن جميل هذا الذي يحاول القائمون على فضائية «سورية دراما» أن يعيدوه إلى الأذهان, فمع برامج من نوعية «كان زمان» للفنان سليم صبري, و«بعدكم عالبال» من إعداد وتقديم الزميلة أجفان قبلان, وبرنامج «شخصيات جسدتها الكاميرا» فضلاً عن برنامج «بعد العرض» للزميل منصور ديب والمخرجة زبيدة إبراهيم إضافة لبرنامج «سي فورمات» المنتقى من أطايب أرشيف التلفزيون العربي السوري.

جنباً إلى جنب مع إعادة بث العديد من المسلسلات السورية الصرفة في هاجسها المحلي على نحو «أمانة في أعناقكم, مذكرات عائلية, قوس قزح, الزير سالم, نهاية رجل شجاع, الفصول الأربعة, أسعد الوراق, حارة القصر, لكي ياشام, نساجة ماري, ورود في تربة مالحة, بكرا أحلى, بقعة ضوء في أجزائها القديمة».. الخ..

سنلاحظ ذلك التركيز على مخزون بصري لافت في خطابه للشارع السوري وهمومه, وابتعاده عن مسلسلات شركات الإنتاج الخاصة, أو أعمال المنتج المنفذ لطلبات فضائيات البترودولار.

تتخلص «سورية دراما» من لبوس الفضائيات النفطية التي تسعى على مدار الساعة لتصدير نمط استهلاكي من الترفيه السطحي للمشاهد العربي, لتتفرد فضائية الدراما السورية بمواد ترفيهية ثقافية ذات محمول فكري فني عالي المستوى في كثير من عروضها, على الأقل بعيد كل البعد عن الصيغة الربحية ذات الريع الإعلامي, ففضائية «سورية دراما» غير مستقطبة للإعلانات حتى الآن بحكم الظرف الذي تمر به البلاد, وبحكم عدم قدرتها التمويلية للوقوف في وجه غيلان سوق الإعلان النفطي الذي تهيمن عليه فضائيات الخليج والمحطات اللبنانية وبعض القنوات المصرية, إضافة لغياب العروض الحصرية عن شاشة القناة, إلا اللهم في المواسم الرمضانية الخاطفة, ولذلك أرى أنه من الحكمة توجه القناة إلى دراما أيام زمان, وبرامج خاصة بنتاج تلك الفترة, لكن من دون إهمال العروض الجديدة, ولاسيما السورية منها, والالتفات أكثر نحو أرشيف المسرح والسينما في سورية, وهذا ما أعتقد أن القائمين على القناة خصصوا له مؤخراً حيزاً في برنامج «سهرة الخميس» الذي لن يقتصر فقط على عرض الأفلام والعروض المسرحية فحسب, بل سيتعداه إلى تقديم الأمسيات الموسيقية والحفلات الغنائية التي تزخر بها مكتبة الهيئة العامة لدار أوبرا دمشق منذ افتتاحها عام 2004.

هذا التطور في جدولة عروض القناة يعود اليوم إلى برمجة مختلفة تعكس توجهاً جديداً وذهنية أكثر انفتاحاً على الثقافي والنقدي والسجالي, وتصنيع هوية خاصة بـ«سورية دراما» تمهد لهذه المحطة أن تعيد مجد الأعمال التي تختص بهاجس الوطني والقومي وفق تلازم في الشكل والمضمون, وصولاً إلى شخصية فريدة في عالم البث الفضائي العربي, فالمطلوب اليوم هو تلك النزعة القوية لإحياء قيم مشاهدة مغايرة لبرامج مسابقات الغناء والتصويت (اللافت هنا توقف الإعلان على سورية دراما لبرنامج مسابقات من هذا النوع بعنوان «دراما ستار» وحسناً فعل القائمون على ذلك, فمن المهم ألاّ تنساق فضائية الدراما إلى هذه النوعية من البرامج, إنما تعزيز ساعات تلفزيونية يكون للنقد فيها قصب السبق, وعدم الاكتفاء بالاحتفاء والعرض للمسلسلات والمسرحيات والأفلام إذ بات من الضروري طرح سجالات نقدية قوية وحارة على أثير «سورية دراما»حتى بالنسبة للأعمال القديمة نسبياً, وتعزيز دور الصحافة الفنية في هذا المجال, من دون مواربة أو احتيال على تقييم التجارب الفنية سينمائية كانت أو تلفزيونية أو مسرحية, فلِمَ لا يكون لكل برنامج فريق كامل من النقاد المشهود لهم, يقومون بتقديم قراءاتهم في هذه التجربة أو تلك ولنكن على الهواء مباشرة, بدلاً من البرامج المسجلة عن سبق إصرار وترصد لتراقب قبل البث! فعلاً ما الذي يمنع من برامج على الهواء على أثير «سورية دراما» ولماذا هذا الغرام العجيب بالبرامج المسجلة؟ عندها ستفتح القناة أبوابها فعلاً لتطوير صيغ جديدة من التواصل مع جمهور مشاهديها, وستعرف رجع الصدى الفعلي لبرامجها,

ما المانع حقيقة من تقديم برامج على الهواء عن تجربة مخرج تلفزيوني أو مسرحي أو سينمائي؟ ما الضير من إثارة إشكالات صناعة الدراما والعقبات التي تعترضها, ولاسيما في ظل الأزمة الراهنة؟

ما الذي يضير لو خصصت القناة برنامجاً أسبوعياً على الهواء لطرح هذه الإشكاليات ووضعها تحت مجهر النقد الصريح؟ أسئلة أضعها برسم القائمين على القناة، وهم على ما يبدو راغبون في تطوير عملهم، بل يحاولون استعادة جمهور أرهقته برامج مسابقات تسعى لتخصيص عشرة مطربين لكل مواطن عربي في هذا الشرق المطروب على قلبه.