2013/05/29

سـوسـن أرشـيد: بعيـداً عن الشـام تصـادق الليـل
سـوسـن أرشـيد: بعيـداً عن الشـام تصـادق الليـل


رغد مخلوف – السفير


«يا ريت أنت وأنا بالبيت، شي بيت أبعد بيت ممحي خلف حدود العتم والريح»... تقتبس الممثلة السوريّة سوسن أرشيد (1982) كلمات أغنية فيروز تلك، لتصف تصوّرها لما تحلم به عن مستقبلها مع زوجها الممثل السوري مكسيم خليل. «أريد أن نكبر في السنّ معاً، في بيت جبلي، مع حديقة صغيرة، ونعيش بسلام». قبل أشهر، نقلت مكان إقامتها، من الشام إلى بيروت، كالكثير من السوريين الذين غادروا مكرهين بحثاً عن مكان آمن لأطفالهم. تلك المرّة الأولى التي تزور سوسن بيروت كمنفى، بعدما كانت تزورها للراحة. «أنا ضدّ الغربة بالمطلق، فما بالك بأن أترك دمشق. تسكن تفاصيل تلك المدينة في روحي، ورائحتها في ذاكرتي. دمشق كل حياتي، وهنا أشعر بضياع شديد، كأنّ الزمن قد توقف عند لحظة مغادرتي لها».

هي خريجة «المعهد العالي للفنون المسرحيّة» في العام 2004، وقفت كممثلة لأول مرة أمام عدسة المخرج العراقي هافال أمين في الفيلم التلفزيوني «الهوية». تخبرنا عن المحطات الأهم في حياتها الفنية، مثل دور مسرّة في «كسر الخواطر» (2006) لنذير عبود، ولينا في «تخت شرقي» (2010) لرشى شربتجي، وصولاً إلى فاديا في «ملح الحياة» (2011) لأيمن زيدان. هي أم لطفلين، هما هاني وجاد، تخصّص لهما كلّ وقتها.

الممثلة التي شقّت طريقها بثقة في عالم الدراما السوريّة، لا تزال مرتبطة بطفولتها. فرغم ما أضافه مكسيم الزوج لحياتها من إحساس عال بأنوثتها، كما تقول، إلا أنّ سوسن الطفلة ترفض الرحيل. حتى اليوم، ما زالت تشاهد الرسوم المتحركة القديمة وتتحسّر عليها. «آسف لأنّ ولداي لم يحظيا بفرصة مشاهدة الرسوم المتحركة القديمة. دخلت التكنولوجيا عالمهم إلى حد خطير. تخرج الدموع من عيون الشخصيات الكرتونية كنوافير، بشكل كاريكاتوري، ما يثير ضحك الأولاد، في حين أنّ دموع الشخصيات الكرتونيّة القديمة، كانت تبكينا. ولهذا، أنا أمّ ديكتاتورية أحرص على عملية انتقاء بالغة الدقّة لأنشطتهم حتى لا تبقى أنظارهم محصورة بألعاب رقميّة، تفرّغ طاقاتهم الخلاقة من دون فائدة أو نتيجة».

تنعكس ملامح أرشيد الهادئة على الشاشة، هدوءاً في مجالسها الخاصّة. تخبرنا انّها في طفولتها، انشغلت طويلاً بالسؤال عن مصير الروح بعد الموت. عاشت هاجس الموت طويلاً، إلى أن أتت وفاة جدها المؤلمة، لتصالحها مع فكرة الرحيل. «كان وجهه سمحاً مرتاحاً، ما ان رأيته حتى أدركت بأن الموت هو لحظة رحيلنا عن هذه الأرض بعدما انتهى دورنا عليها». الابنة الوحيدة لوالديها، وتجمعها بأخيها جميل الذي يصغرها بسـبع سنوات صداقة من نوع نادر. «أتعلم منه ولطالما غيّر لي أفكاري».

«قبل اختياري للتمثيل كمجال للدراسة، كنت أفكر في احتراف الغناء الأوبرالي ولكن والدي رفض الفكرة»، تخبرنا. رغم ذلك لم تتردد سوسن في التقديم على المعهد في دمشق من دون علم والدها الذي كان مسافراً حينها، وقُبلت ثم باشرت دوامها فيه دون إخباره ليجد نفسه عند عودته، أمام أمر واقع، فقاطع عروضها المسرحية ليتراجع عن قراره ذلك في سنتها الثالثة، حين شاهدها على المسرح، وتحوّلت معارضته إلى تشجيع. تحنّ أرشيد إلى سنوات دراستها، وخصوصاً صفوف التمثيل في سنتها الأولى مع جمال سليمان الذي تعدّه شخصاً مؤثراً في حياتها. «لقد كسر لدي حاجز الخجل كممثلة، وعلمني كيف أتعاطى مع المهنة، وكيف أفكر في الدور على كل المستويات الجسدية والنفسية».

تخصص ما بقي من يومها لبعض هواياتها القديمة، كالنحت والرسم ودروس الغناء الأوبرالي. تفعل ذلك في الليل. كأنّ لليل معها حكاية أخرى. في النهار، تشعر بضجيج يملأ رأسها بسبب التفكير الدائم بأوضاع بلدها الحالية، لهذا تجد من الليل ملجأها. «في الليل ينام الجميع ويحلّ صمت أحتاجه اليوم للتفكير في البداية الجديدة في بلد جديد مع أناس جدد».