2012/07/04

«سـوق الـورق»: تعبيـر درامـي يتجـاوز مقولتـه
«سـوق الـورق»: تعبيـر درامـي يتجـاوز مقولتـه


ماهر منصور - السفير

بعيداً عن الجدل الذي دار بين أسرة مسلسل «سوق الورق» وجامعة دمشق، لا يمكن النظر إلى المسلسل إلا بوصفه توثيق لتفاصيل يومية يرويها طلاب عن جامعتهم، تحتمل المبالغة ربما ولكن فيها كثير من الصدق. ولعل في اقتراب كاتبة العمل آراء الجرماني مما يدور في أروقة الجامعة، كونها طالبة دراسات عليها فيها، ما يجعل تفاصيل مسلسلها خاضعاً للشرط ذاته، أي: مبالغة فيها كثير من الصدق.

المبالغة تأتي في الغالب من الإمعان في النظرة السوداوية والأحادية الجانب التي قدمت عن الجهاز الإداري والتدريسي للجامعة، مع الإشارة أن الإتيان بنموذج إيجابي أو أكثر في المسلسل لا يعني التوازن هنا بين الأسود والأبيض. فقوة النموذج المضاد تأتي من فعله الدرامي، لا من ظهوره. ذلك الفعل المؤثر الذي ظهر بوضوح في حكاية الدكتور سليمان (نضال نجم)، بينما غاب في سلوك دكاترة آخرين أظهرهم العمل، كديكور إيجابي. ولكنه في المقابل غاص في تفاصيل نماذجه السلبية داخل الجامعة وخارجها.

ربما تريد الكاتبة أن تقول من الإغراق في تفاصيل شخصيات العمل السلبية إن الفساد الإداري لهؤلاء ليس بمعزل عن فسادهم الأخلاقي، ولكن لماذا نصر على تصوير هؤلاء ومن حولهم بأنهم جهنم خالصة... ولاسيما عائلة الشخصية الرئيسية في العمل «أبو حسام» (سلوم حداد) ومن يحيط بهم؟! فالأب مدير الجامعة الفاسد معقد نفسيا لا رادع أخلاقي أو مهني لديه، أما زوجته فتدخل علاقة غير شرعية مع صديق زوجها، وسرعان ما تتركه لتقع في حب مهندس زراعي أصغر منها وتستسلم له في علاقة غير شرعية، يعود المسلسل إلى شرعنتها بزواج الإثنين في الحلقة الأخيرة. الابن حسام يدخل علاقة غير شرعية مع صديقة أمه، قبل أن يدخل الاثنان (الابن والصديقة) في حالة تطهير أخلاقي يتزوج الشاب في نهايتها من امرأة بعمر أمه، ويعلنان التوبة معاً... أما الإبنة فهي «صايعة ضايعة»... هكذا تبدو عائلة أبو حسام والمحيطين بها مجتمع من الفاسدين، والساقطين أخلاقياً يتكومون في «سوق الورق» على بعضهم البعض. وإن كانت الكاتبة تريد أن تقول إن الطيور على أشكالها تقع، وتلك هي «خطايا الفعل الحرام»، فلعل التعبير عن ذلك تجاوز المقولة برمتها، وبالغ في ذلك.

كتجربة درامية أولى، تقدم عليها الكاتبة آراء الجرماني، يستحق النظر إلى «سوق الورق» بكثير من الاهتمام وبتفاؤل حذر بولادة كاتبة إشكالية.إنه تفاؤل مشروع، ولكنه حذر كونها تكتب عن محيط عرفت تفاصيله عن ظهر قلب، ما يجعل من مهمة نقله في عمل درامي أسهل. فهي هنا توثق لحكايات أكثر مما تعمل فيها على الخيال. وبالتالي يبقى الحكم النهائي على الكاتبة رهن عمل جديد.

من جهته، يقدم المخرج أحمد إبراهيم أحمد تجربة إشكالية ثانية له، بعد «لعنة الطين». وهي الثالثة له (قدم في العام 2009 طريق النحل) على المستوى التقني يعمل الرجل باجتهاد... وإن كان لم يحدث حتى اليوم اختراقاً عن السائد في الإخراج السوري. فيما بدا أداء الفنان سلوم حداد في أفضل أدواره (شارك في أربعة مسلسلات) هذا العام. وتبقى ميزة «سوق الورق» كونه يشكل فاتحة لعودة القطاع العام الدرامي الإنتاجي ليتقاسم الجمهور مع مسلسلات القطاع الخاص. شارك في تجسيد شخصيات العمل كل من الفنانين: سلوم حداد، مرح جبر، باسل خياط، مكسيم خليل، عبد الحكيم قطيفان، نضال نجم، شادي زيدان، عبد الهادي صباغ... وآخرين. وهو من إنتاج «المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي».