2012/07/04

«سينما الواقع» عادت إلى دمشق
«سينما الواقع» عادت إلى دمشق

خليل صويلح - الأخبار

تنطلق اليوم في «صالة الكندي» في دمشق، الدورة الرابعة من «أيام سينما الواقع» DOX BOX التي تستمر حتى

العاشر من آذار (مارس) الجاري. بين دمشق، وحمص، وطرطوس، وحلب، يقترح هذا المهرجان السنوي برنامجاً متنوعاً

من 43 عملاً، يحتفي بالسينما التسجيلية. المبادرة التي تقف وراءها شركة «بروآكشن» المستقلة، وقد باتت موعداً

سنوياً مع الفيلم التسجيلي العربي والعالمي، ستفتقد هذه السنة وجهاً أليفاً ومحبوباً كان من رموزها، ألا وهو عمر

أميرلاي الذي خطفه الموت عنوةً، وقد كان أحد أبرز مبدعي هذه المدرسة السينمائيّة عربيّاً، وشريكاً من العيار الثقيل

في تأصيل الشريط الوثائقي

لكن، هل سيُقبِل الجمهور على الأفلام المقترحة لهذه الدورة جرياً على عادته في الدورات السابقة؟ أم سيبقى

مسمّراً أمام الشاشات لمشاهدة بزوغ ثورات عربية بالجملة، ومعانقة الواقع العربي الراهن الذي يتجاوز في ابتكاراته

أي عمل ابداعي؟... المؤكد في كل الأحوال أن ما يجري الآن في الشوارع والميادين مشرقاً ومغرباً وخليجاً، من ثورات

وانتفاضات، سيكون لسنوات طويلة مقبلة منجماً لا ينضب لعدد كبير من السينمائيين المهتمّين بتوثيق هذا المنعطف

الاستثنائي في تاريخنا المعاصر

مهما يكن، فإن أفلام هذه الدورة تعبّر ـــــ إلى حدٍ ما ـــــ عن تجارب عالمية متنوعة، أراد أصحابها التوغل أكثر في

تسجيل أدقّ تفاصيل الحياة اليومية، لبشر يعيشون فوق كوكب مهتزّ، وجغرافيات منهوبة، وحالات أسى وفقدان

ومكاشفة. هكذا سنشاهد «ظلال» ماريان خوري ومصطفى الحسناوي (مصر/ فرنسا/ المغرب)، بمنظار مختلف.

وسنجد اليوم تفسيراً معقولاً أكثر، لأوضاع أشخاص عاشوا محناً قاسية، فانتهوا إلى أحد المصحّات العقلية في القاهرة

لن نستغرب كذلك الصداع المزمن الذي يرافق رائد أنضوني في «صداع» (فلسطين/ فرنسا). جلسات تحليل نفسي

لفلسطيني بذاكرة مشوّشة، تطارده أشباح غامضة، وصور عائلية، ووجوه أصدقاء بعيدين. من جهته، يطلّ محمد علي

الأتاسي، من خلال شريطه «في انتظار أبو زيد»، مسلّطاً الضوء على حياة نصر حامد أبو زيد، عبر محطات توثّق مواقف

المفكر المصري الراحل في مواجهة التكفير، وسعيه إلى استكمال مشروعه التنويري، متجاوزاً محنة المنفى

وينبش عمر شرقاوي سيرة والده الذي نزح طفلاً من حيفا عام 1948، في «أبي من حيفا» (فلسطين/ الدنمارك)...

فيما تستعيد سؤدد كعدان في «سقف دمشق وحكايات من الجنة»، تاريخ الحكاية الشعبية الدمشقية ببعدها

الأسطوري، قبل اندثارها، بشكل مواز لمصير البيوت الدمشقية القديمة التي طاولتها موجة التحديث العمراني، كأن

هذه الحكايات قد دُفنت مع ذلك الزمن السعيد. محمود قعبور لديه حكاية مشابهة في شريطه «تيتا ألف مرة» (لبنان/

الإمارات)، إذ يرصد عزلة جدته في بيت كان يوماً ما، مكتظاً بالأرواح. وها هي الجدة تسعى اليوم من دون هوادة إلى

استحضار روح عازف البيانو... زوجها الغائب، حتى لو كان بصورة حفيدها الذي صار مخرجاً سينمائياً، وقد وجد هو الآخر

في حياة «تيتا» قصة تستحق أن تُروى. وفي «الشعراني» يختار حازم الحموي (سوريا)، سيرة الخطاط السوري البارز

منير الشعراني الذي قضى حقبة طويلة من حياته في أكثر من منفى، قبل أن يعود أخيراً للاستقرار في دمشق

اللافت في معظم هذه الأشرطة اهتمامها بمراقبة ما يحدث في الجوار. العدسة هنا لا تبتعد كثيراً عمّا يشغلها في

المحيط الضيّق. لكلٍ حكايته المعلنة. يكفي أن تجد شخصاً ـــــ مهما كان هامشياً ومجهولاً ـــــ لديه الاستعداد للتذكّر

والحكي والاعتراف كي يتشكّل الشريط. في «العالم بحسب يون ب» لألكسندر ناناو (رومانيا)، نتعرَّف على متشرّد

في شوارع بوخارست، كان يحلم في شبابه بأن يصبح مخرجاً سينمائياً. يكتفي الرجل بصناعة أفلام بدائية على شكل

كولاجات، من دون أن يجد مكاناً لعرضها، إلى أن يكتشفه صاحب صالة سينما، فيتغيّر مسار حياته

ويشترط أحد القتلة المأجورين في كارتل المخدرات المكسيكي ألا تظهر صورته في شريط «إل سيكاريو ـــ الغرفة 164»

للمخرج جيان فرانكو روسي (فرنسا/ إيطاليا)، كي يروي، طوال ثمانين دقيقة، سيرة حياته، وأسرار مهنته، متلفعاً

بخمار أسود يغطيه تماماً، ومتسلّحاً بدفتر رسم، وقلم تخطيط، يوضّح من خلالهما «فنونه»، في تعذيب ضحاياه وقتلهم.

هناك أيضاً من اهتم بأرشفة سيرة الجموع. يفتتح الصيني ليكسين فان فيلمه «القطار الأخير إلى المنزل» (فيلم

الافتتاح)، على مشهد بانورامي أشبه بلوحة تجريدية لآلاف الصينيين في محطة للقطار، في يوم استثنائي، هو عيد

رأس السنة الصينية. أما كلودين بورييه وباتريس شانيار فيتعقّبان في شريطهما «الواصلون» (فرنسا)، مصائر عائلات

مهاجرة من أذربيجان ومنغوليا والكونغو والعراق والشيشان. بشر هاربون من جحيم بلدانهم، بجوازات سفر أو من

دونها. بحقائب، أو من دون حقائب. عيون مرهقة وتائهة، تتطلع بفزع إلى أمل غامض ينتظرها في منافيها القسرية.

فيلم الختام «تصبح على خير، يا لا أحد» للسويسرية جاكلين زوند، فرصة لاكتشاف حالات من الأرق عبر تجارب أربع

شخصيات من أماكن مختلفة

ضمن تظاهرة «أصوات من سوريا»، ستتنافس الأفلام السوريّة المشاركة على جائزة «دوكس بوكس ــــ صورة» التي

تمنحها «أيام سينما الواقع» بالتعاون مع شركة «صورة للإنتاج الفني» (حاتم علي). كما يكرّس البرنامج مساحةً

لأفلام حازت العديد من الجوائز حول العالم، إضافةً إلى تكريسه مساحة جديدة مخصصة لليافعين

أحد المواعيد المرتقبة في المهرجان، لقاء مع ضيفته لهذا العام السينمائية التسجيلية البريطانية المعروفة كيم

لونجينوتو (راجع البورتريه إلى يسار الصفحة) ضمن تظاهرة خاصة، سيعرض خلالها وبحضورها أربعة من أعمالها هي:

«أخوات في القانون»، «كبرياء المكان»، «الساري الوردي» و«ضُمّني، أفلتْني

«أيّام سينما الواقع»: الافتتاح 5:30 مساء اليوم، يستمرّ حتّى 10 آذار (مارس) الجاري ـــــ «سينما الكندي» و«سينما الزهراء» (دمشق)، إضافة إلى عروض في حلب، وحمص وطرطوس.