2012/07/04

سينما تشويه الآخر تدين أنظمة مصر الحاكمة
سينما تشويه الآخر تدين أنظمة مصر الحاكمة

أسامة عسل – خمس الحواس

يتفق الكثيرون أن خريطة الفن في العالم العربي ستحدث بها تغييرات كثيرة بعد ثورة الياسمين التونسية، وثورة 25

يناير المصرية، والأحداث الجارية في ليبيا، سواء في الأعمال الدرامية أو السينمائية أو الغنائية، حيث أصبحت الثورة

منجم أفكار يفتح شهية الكتاب لإعادة ما كتب بطريقة مختلفة أو طرح أفكار جديدة تتلاءم وحجم الحرية التي حققتها

الثورة في الشارع العربي وانعكاس ذلك على عالم الفن

ينتظر المشاهدون من كتاب الفن ما سيطرحونه من أعمال عن هذه الثورة وأبعادها الغائبة عن الكثيرين.. فهل ستنجح

هذه الثورة في خلق فن أفضل، وهل يمكنها أن تكون أحداثا ملهمة للكتاب والمخرجين، وما قدرة هؤلاء الكتاب على

التواكب مع الحدث خلال الفترة المقبلة؟.. تساؤلات يطرحها «الحواس الخمس» في سلسلة تتوالى مع عدد من

المؤلفين والكتاب والنجوم المهتمين بالشأن الفني

لا ينكر أحد أن لصناعة السينما تأثير حيوي في مجريات الحياة المصرية، حيث تعتبر شاهدا حيا على أحداث سياسية

واقتصادية واجتماعية وفنية داخل الواقع المصري، خصوصا والمنطقة العربية بشكل عام، فهي بمثابة مرآة عكست

بحرفية شديدة مراحل مختلفة، وشكّلت سندا قويا لكثير من الثورات في تاريخ مصر، بدءًا من ثورة عرابي، ومرورا

بحادثة دنشواي ودور الزعيم الوطني مصطفى كامل فيها وثورة 1919، ثم ثورة 23 يوليو 1952، وانتهاء بما نعيشه

ونحياه الآن من تغيرات واكبت ثورة 25 يناير .2011

ويعد التأثير السياسي للسينما في مصر هو الأكثر إثارة للجدل، في ظل وجود العديد من الأفلام التي شوهت الآخر

المختلف سياسيا لصالح السلطة الحاكمة، وترافق مع ذلك التشويه عمليات تمجيد للنظام مصدر السلطة، وإذا تتبعنا

التعامل مع صورة المختلف سياسيا عبر مراحل تاريخ السينما المصرية، فسنجد مثلا أن رجال الرقابة في ثورة 1952

أزالوا بعمليات سريعة بحق أبدان أفلام كثيرة كل الأغنيات والحوارات التي تمجد رمز العهد الملكي فاروق، بل أكثر من

ذلك، يستطيع المشاهد العادي أن يلاحظ ويميز المشاهد الموجودة في الأفلام القديمة التي ظهرت فيها صورة الملك

فاروق بطريقة كشطت من فوق شريط (السوليلود) لتظهر على الشاشة كأنها خطوط بيضاء، كما في أفلام (الأسطى

حسن) و(ليلى بنت الفقراء) وغيرها من الأعمال، لجعلها مناسبة للظرف التاريخي والسياسي الجديد (أي ثورة يوليو

وعندما جاء عصر أنور السادات ليمهد لنصر 1973 بعد هزيمة 1967 التي ورثها عن سلفه، تواصلت استراتيجية الدعاية

للنظام الجديد لتكرر الصورة نفسها بحق الآخر، حيث عكست بشاعة ما كان يحدث في عهد جمال عبدالناصر من

بطش وممارسات داخل المعتقلات، وأطلق على تلك الفترة مصطلح (الكرنكة) نسبة إلى فيلم المخرج علي بدرخان

(الكرنك) الذي كان الشرارة الأولى لتشويه العهد الناصري، وتبعته أفلام أخرى مثل (وراء الشمس) و(إحنا بتوع الأتوبيس).

وشهدت مرحلة الرئيس السابق حسني مبارك في بواكيرها، أفلاما أدانت العهد الساداتي وما واكبه من انفتاح

اقتصادي استهلاكي بصفقاته المشبوهة التي تركت أثرا سيئا على الواقع المصري وأفرزت نماذج جديدة على

المجتمع، وظهر ذلك بوضوح في أفلام (أهل القمة) و(زمن حاتم زهران) و(الغول) و(كتيبة الإعدام) و(الهروب) و(الحقونا)

الذي فضح فساد المستشفيات الاستثمارية التي أصبحت تسرق وتتاجر بالأعضاء البشرية، ثم دخلت السينما بعد

ذلك في معترك معركة النظام مع الجماعات الإسلامية، فجاءت أفلام مثل (الإرهابي) و(طيور الظلام) و(عمارة يعقوبيان)

و(حسن ومرقص)، حيث وقعت هي أيضا في فخ تشويه الآخر لدواع سياسية بهدف إظهاره يشكل خطرا على أمن المجتمع.

وبعد ثورة الشعب المصري التي قادها الشباب في 25 يناير الماضي، وفي ظل المطالبة بحياة أفضل رافضة لكل الصور

السابقة، يرصد «الحواس الخمس» ما حدث سابقا، وآمال وطموحات المرحلة المقبلة في الوقفات التالية

يقول الناقد السينمائي علي أبو شادي عن التأثير السياسي للسينما في الأحداث التي شهدتها مصر: «إن السينما

قبل عهد ثورة 1952 كانت تـحاول أن تنتقد الملك ولكن بشكل غير مباشر تجنـبا لحدوث تصادم، لكنها بعد الثورة

أصبحت بمثابة الحديث عن الغائب وليس عن الحاضر، فلم يكـن مسموحا أن يظهر الملك بوجهه، حتى إن كان نوعا من أنواع التمثيل».

مودة قديمة

ويواصل أبو شادي قائلا: ولعل ظهور صورة الملك في فيلم (الله معنا) تعكس ذلك، والتفسير هو أن المودة القديمة

التي يكـنها الناس لفاروق، كان يمكنها أن تتأجج برؤية وجهه الذي هتف الناس باسمه وكنـّوا له مشاعر خاصة، لذا فإن

الأفلام التي تؤرخ للثورة تتحدث عن الملك كشخصية غائبة فاسـدة

ويؤكـد أبو شادي أن فيلم (الله معنا)، ليس هو الوحيد الذي ينطبق عليه هذا المثل، وإنما هناك ما جاء بحـنكة لا بأس

بها لإحداث تشويه لرموز ومسؤولي العهد السابق، مثل فيلم (غروب وشروق) للمخرج كمال الشيخ، إذ إن اسم

الفيلم نفسه يعني غروب العهد الملكي وشروق عهد الثورة، الذي يشخـص رموز العهد الملكي بأنهم لا يمتلكون أي

مبادئ أو قيم حقيقية، ويصورهم على أنهم غارقون حتى آذانهم في مستنقع الرذيلة، يستغلـون نفوذهم للحصول

على شهواتهم الخاصة والتخلـص من أعدائهم

الأمر نفسه ـ كما يرى أبو شادي ـ ينطبق على عصر الرئيس الراحل أنور السادات، الذي شهد إنتاج عدة أفلام تنتقد

العصر الناصري، مثل فيلم (زوار الفجر) و(أسياد وعبيد) و(البريء)؛ التي تصور مدى القمع الذي تعرض له المعارضون

لنظام عبدالناصر، وكلها أفلام تحاول أن توضـح لأي مدى كانت مراكز القوى تستغـل الناس وتعذبهم، فكأن السادات

أراد أن ينتقد رموز القوى في العهد الناصري من خلال السينما

ومن الأشياء الغريبة التي يرى علي أبو شادي أن أوانها قد انتهى في السينما المصرية، مشهد موظف حكومة مثلاً أو

قسم بوليس تتصدره صورة رئيس الدولة، وكانت في الأفلام تدل على عصر الملك فاروق ثم محمد نجيب ثم جمال

عبدالناصر ثم السادات وأخيرا مبارك، ويرى الأفضل أن يتصدر علم مصر تلك المشاهد مستقبلا، ولا يتوقع أبو شادي أن

يتم تعامل صور الرؤساء السابقين بمثل ما أقدم عليه رجال ثورة يوليو قديما مع الملك فاروق من خربشة لعدم ظهوره

في الأفلام، لأن هناك وعيا وثقافة وإدراكا يتناسب مع ما وصل إليه الشعب المصري من تحضر وتقدم جعل العالم

يشيد بثورته السلمية

ويؤكد الناقد السينمائي كمال رمزي أن السينما المصرية غائبة عن ساحة الفعل وعاجزة عن التعبير عن لسان حالنا

رغم القضايا الملحة في عالمنا العربي

ويسترسل قائلا: نعلم جميعا علم اليقين أن الدول العظمى ذاتها لا تتخلى عن سلاح الثقافة للترويج لسياساتها،

ومنها السينما، بينما سينمانا تعيد أزماتها بعيدا عن التأثير المطلوب، بل بالعكس، وجدت من خلال بعض التجارب

الفنية بأن نجاح بعض الأفلام تعكس أزماتنا المختلفة الثقافية والاجتماعية، كالتعلق بالبطل الفردي الذي يداعب الآمال

مقدما الترضية المزيفة التي تبعد المتلقي عن واقعه، يراوغ إحباطاته، بينما الأخير يعلق أوهامه مستسلما ومأخوذا

بعالم الفيلم الوهم، ومعجبا مؤيدا له، وبالتالي فإن السينما المصرية شديدة الانغلاق على الذات، وآفاقها في إثارة

القضايا محدودة جدا، ولا يوجد فيلم مصري من الممكن أن يمس شغاف قلوب العالم كله، فالأفلام المصرية في

معظمها متواضعة، ولا ترتقي إلى مستوى إبراز القضايا العادلة

حراك كبير

وحول ثورة شباب مصر وتأثيرها سينمائياً، يقول كمال رمزي: سيشهد الوسط السينمائي في الفترة المقبلة حراكا

كبيرا؛ سواء من حيث نوعية الإنتاج أو كم الأفلام، وأيضا في شكل المشهد السينمائي بشكل عام، فهناك تفاؤل

يسود الوسط الفني وتوقعات بمستقبل أفضل، خصوصا ممن كانوا مختلفين مع النظام السابق، والذين منعت أفلامهم

ولم تخرج من الرقابة على المصنفات الفنية بسبب تناولها موضوعات وقضايا سياسية، وأخرى تتهكم على النظام

السابق وترمز لبعض شخوصه، وفى مقدمتها فيلم (ابن الرئيس) للمؤلف يوسف معاطي، والذي رفضته الرقابة، وذلك

بحجة إهانة رئيس الجمهورية والتلميح إلى ابنه جمال مبارك، ورغم التعديلات الكثيرة التي أجراها المؤلف على الفيلم،

لكن الرقابة لم تفرج عنه، وأيضا هناك فيلم (مناخوليا) الذي يجسد فيه البطل دور رئيس جمهورية، ورفضته الرقابة

بحجة أن الوقت ليس مناسبا لخروج ذلك الفيلم، وأعتقد بأن الرقابة في طريقها للموافقة على الفيلم بعد ثورة 25 يناير

وتخلي الرئيس السابق مبارك عن الحكم

وجوه سينمائية جديدة

ويشير الناقد الفني طارق الشناوي إلى أن ثورة 25 يناير ستنجب وجوها سينمائية جديدة لتصبح نجوما مثلما أنجبت

ثورة 23 يوليو1952 أحمد مظهر وصلاح ذو الفقار ورشدي أباظة، كما يتوقع أن يبرز نجم جيل من المخرجين والمؤلفين

بمشروعات سينمائية خاصة تعبر عن فكر جيل جديد، ومنهم المخرج والسيناريست محمد دياب الذي يتوقع الكثيرون

أن يلمع اسمه أكثر في الفترة المقبلة، خصوصا مع النجاح النقدي الذي حققه فيلمه الأول (678)، ويعد دياب من

المخرجين الشباب الذين ساندوا الثورة منذ يومها الأول

ويزيد من فرص حدوث تغير نوعي في السينما المصرية الفترة المقبلة، كما يقول الشناوي: حدوث تغير في وعى

الشباب، الذي كان عبارة عن وعي كامن خرج وقت الضرورة ليعيد تشكيل مصر، وأتصور أن القادم من الأفلام

السينمائية سوف يراهن على شباب الإنترنت الذي كان يحلم في العالم الافتراضي بالتغيير، واستطاع أن يحيل الحلم

إلى واقع