2012/07/04

سينما ما بعد الثورة
سينما ما بعد الثورة

عبد الرحمن سلام – الكفاح العربي

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على قيام "ثورة 25 يناير"، يمكن التأكيد أن المجتمع السينمائي في مصر، بدأ بالتفاعل مع النتائج الأولى التي أفرزتها هذه الثورة، رغم المعوّقات المادية التي تستمر كحجر عثرة في طريق تنفيذ الكثير من الأفكار والطروحات. في هذا التحقيق، اضاءة على أبرز ملامح هذه المتغيرات التي بدأت تعطي ثمارها، محلياً وإقليمياً ودولياً.

من أبرز صور التغيير التي بدأت تتوضّح على الساحة المصرية، وتحديداً في مجال العروض السينمائية التي كانت مقيدة بشروط "الموافقة المسبقة من الرئاسة"، قرار موافقة الجهات الرسمية التي تتولى اليوم ادارة شؤون مصر، على عرض الفيلم التركي "وادي الذئاب ـ فلسطين"، والذي كان يستحيل عرضه في مصر، في زمن سيطرة القرارات السابقة التي ربطت كثيراً مصر بإسرائيل، من خلال العديد من القيود، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، منع عرض او نشر اي انتقاد او لوم يعكّر صفو اتفاقية كمب ديفيد او الأحكام التي نصت عليها، ومنها، إدانة اي عدوان اسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني، خصوصاً ما يحدث ضد "غزة" الصامدة، الصابرة، التي تقاوم الاحتلال، وهي المحاصرة براً وبحراً وجواً، والممنوع عنها الدواء والغذاء وكل ما يساعد على اعادة بناء ما هدمته الطائرات الاسرائيلية، رغم أن معبر رفح الذي يربط الحدود الفلسطينية ـ المصرية، يقع تحت سيطرة القوات المصرية.

وبالعودة الى فيلم "وادي الذئاب ـ فلسطين" فإن احداثه بكاملها تدور داخل الأراضي الفلسطينية، وتصور مواجهات مسلحة بين مقاتلين اتراك وفلسطينيين من جهة، وفرقة عسكرية للجيش الاسرائيلي من جهة ثانية، على خلفية توجّه فريق كوماندوس تركي الى فلسطين، للإنتقام من القائد الإسرائيلي الذي اعطى الأوامر، بمهاجمة سفينة المساعدات الانسانية التركية "مرمرة" في شهر ايار (مايو) 2010، وهو الهجوم الذي أسفر عن مقتل تسعة أتراك من النشطاء الانسانيين العزّل كي ينتهي الفيلم بقيام بطله التركي بقتل الضابط الاسرائيلي.

المتحدث باسم شركة "غود نيوز" المصرية، موزعة الفيلم في مصر، اعلن انه تم التعاقد على عرض عشر نسخ من الفيلم المذكور في القاهرة، مشيراً الى أنه يعتبر اضخم انتاج سينمائي في تاريخ السينما التركية، وان الشركة اقامت عرضاً خاصاً، في حضور سفير تركيا في مصر وكبار المسؤولين وحشد من اهل السينما والصحافة والرأي، وان موعد العرض الخاص كان متعمداً من قبل شركة التوزيع، ذلك حتى يتزامن مع "احتفالات" تقام سنوياً في كل من ألمانيا والنمسا، في ذكرى المحرقة اليهودية (الهولوكست) المزعومة (22 نيسان/ابريل الفائت).

ويتابع المتحدث بإسم شركة "غود نيوز" المصرية، ان فيلم "وادي الذئاب ـ فلسطين" التركي يعتبر نموذجاً سينمائياً من مسلسل بالاسم ذاته، بدأ عرض موسمه الأول قبل سنوات، في مواكبة التغيرات التركية والاقليمية، وذلك بمشاركة مجموعة كبيرة من اشهر نجوم التمثيل في تركيا: نجاتي شاشماز، كركان اويغون، كنان شوبان، نور اميسان، اردال اوغلو وأركان سفر، وقد عملوا جميعاً بإدارة المخرج الشهير زبيار شاشماز.

وإذا كانت هذه، هي وجهة نظر المتحدث بإسم شركة التوزيع المصرية "غود نيوز"، فإن المراقبين في الوسط السينمائي، اعتبروا أن عرض فيلم "وادي الذئاب ـ فلسطين"، في مصر، اشبه ما يكون بـ"صفعة قوية" وجديدة، لوجه الاحتلال الإسرائيلي البشع، وهذه المرة، بأيد مصرية، وان مصر ما بعد "25 يناير" هي غير مصر التي تعودت اسرائيل عليها في السنوات السابقة، خصوصاً وأن مصر "الجديدة" قررت فضح جرائم الصهاينة ضد الانسانية، وأولى الخطوات على هذا النهج الجديد، عرض فيلم "وادي الذئاب ـ فلسطين" في الصالات المصرية.

يتابع هؤلاء، ان الكيان الاسرائيلي يعيش حالة من القلق، منذ الاعلان عن عرض الفيلم، وقد ذكرت القناة الثانية بالتلفزيون الاسرائيلي، "ان العرض في تركيا حقق أعلى نسبة مشاهدة بين الأتراك، وسجل إيرادات خيالية، ما يؤكد تضخّم مشاعر الكراهية ضد اسرائيل، وما يعني ايضاً ان عرض الفيلم في مصر سيحقق نجاحاً أكبر".

وترى القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي في فيلم "وادي الذئاب ـ فلسطين"، طريقة مستحدثة وجديدة للانتقام التركي من اسرائيل، بعد حادث الاعتداء على "اسطول الحرية" الذي وقع في نهاية شهر أيار (مايو) 2010، فالقناة لفتت مشاهديها الى ان الفيلم المذكور هو الثالث ضمن سلسلة أفلام ومسلسلات تركية "معادية لاسرائيل"، تحمل العنوان ذاته "وادي الذئاب"، مضيفة ان الجزأين السابقين حظيا كذلك بنسبة مشاهدة مرتفعة جداً، سواء داخل تركيا أو خارجها (ملحوظة: الجزءان عرضا على الفضائيات العربية وتابع حلقاتهما جمهور عربي يقدّر بالملايين).

وتوضح المحطة ذاتها، ان فيلم "وادي الذئاب ـ فلسطين" الذي بلغت تكاليف انتاجه اكثر من عشرة ملايين دولار اميركي، يعتبر "الأعلى تكلفة في تاريخ السينما التركية"، وهو الرأي الذي أكده ايضاً المتحدث باسم شركة التوزيع المصرية "غود نيوز". لكن ما أثار دهشة المتابعين للقناة الثانية بالتلفزيون الاسرائيلي، كان وجهة نظر المتحدث عن تفاصيل مجريات الفيلم المصورة، إذ اكد، ان التفاصيل التي تضمنها الفيلم بالصوت والصورة... (ولاحظوا التعبير المستعمل) "ستفضح ممارسات اسرائيل الوحشية امام المجتمع الدولي، خصوصاً وان الكاميرا صورت الجنود الإسرائيليين (وصفهم الفيلم بـ"القتلة") وهم يعتدون على النشطاء الأتراك الذين كانوا على متن السفينة (مرمرة)، عزّلاً من اي سلاح، ويحاولون ايصال المؤن والمساعدات الانسانية الى أهل غزة المحاصرين".

أما التقارير الصادرة عن المراقبين السينمائيين في العالم، فتشير الى أن نجاحاً اسطورياً ينتظر عرض فيلم "وادي الذئاب ـ فلسطين" في مصر، في ظل تأجج المشاعر الوطنية في اعقاب "ثورة 25 يناير" 2011 التي اطاحت بالنظام السابق، وهذه المشاعر لم تنفصل عن البعد العربي، خصوصاً تجاه فلسطين "المستقرة ائماً في قلب ووجدان كل عربي"، خصوصاً وان عرض الفيلم يتزامن مع احتفالات مصر الحرة وشعبها المتحرر، بذكرى تحرير سيناء، وهذا ربما، ما يزيد في قلق إسرائيل.

وإذا كان ما تقدم، يشكل مجرد صورة واحدة من صور التغيير التي تطاول مصر ما بعد "25 يناير" 2011، فإن صوراً أخرى مبهجة علينا الاضاءة عليها في هذا المجال، مثل اعلان رئيس الرقابة على المصنفات الفنية سيد خطاب، الموافقة على استخراج كل التصاريح اللازمة لتصوير الفيلم الذي كان ممنوعاً قبل "25 يناير" 2011، ويحمل عنوان "ابن الرئيس"، من بطولة الممثل الشاب محمد عادل امام، خصوصاً وأن هذه الموافقات، صدرت على أثر قرار النائب العام في مصر حبس نجلي الرئيس السابق، على ذمة التحقيق.

وإذا كان القرار المذكور، يعتبر في حد ذاته تطوراً في اسلوب وطريقة "المنع" أو "الموافقة" على سيناريوات أو مشاريع سينمائية استمرت لزمن رهينة الأدراج الرسمية، فإن "تأشيرة الموافقة" التي أرفقها الرقيب العام مع السيناريو الخاص بفيلم "ابن الرئيس"، تعتبر بدورها تحولاً شديداً، وفتحاً لكل الأبواب التي كانت مغلقة بأمر من الرئاسة، وقد اشار الرقيب

العام الى انه كان قد طلب من مؤلف سيناريو "ابن الرئيس" يوسف معاطي، إجراء عدد من التعديلات على الفيلم، كأن يكون ـ على سبيل المثال ـ البطل، ابن رئيس الوزراء أو أحد الوزراء، وليس ابن رئيس الجمهورية، وان الأسباب الموجبة لمثل هذا التعديل قد زالت، وأصبح من الممكن تصوير العمل استناداً الى النسخة الأصلية.

من جهته، اكد نجم الفيلم محمد عادل امام، ان التصوير سيبدأ فور انتهاء المخرج عمرو عرفة من الأعمال المتعاقد عليها، وأنه لم يتم بعد تحديد الجهة المنتجة للفيلم، وان الممثل القدير محمود ياسين مرشح لدور رئيس الدولة، فيما الممثل محيي اسماعيل مرشح لدور زعيم المعارضة.

ويكشف الممثل الشاب ان والده النجم الكبير، ومعه وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني، حاولا معاً التدخل لتليين موقف الرقابة يومذاك، بعدما منعت السيناريو بصورته الاساسية، لكنهما فشلا في سعيهما لأن التعليمات كانت صادرة عن "جهات عليا".

ومن بين ابرز الاحداث ذات الصلة أيضاً، خبر مشاركة مصر في مهرجان "كان" السينمائي، كـ"ضيف شرف"، وذلك تحية لـ"ثورة 25 يناير"، وفق ما جاء في بيان منسوب لادارة المهرجان ورئيسه جيل جاكوب، وحيث تم تخصيص يوم 19 ايار (مايو) 2011 لعرض فيلم "18 يوماً" (العنوان يرمز الى الأيام الأولى للثورة)، وهو عبارة عن عشرة أفلام قصيرة لعشرة مخرجين مصريين: "احتباس" للمخرج شريف عرفة، "داخلي وخارجي" للمخرج يسري نصر الله، "تحرير 2-2" للمخرجة مريم ابو عوف، "1919" للمخرج مروان حامد، "لما يجيبك الطوفان" للمخرج محمد علي، "خلقة ربنا" للمخرجة كاملة ابو ذكرى، "حظر تجوّل" للمخرج شريف البنداري، "كعك التحرير" للمخرج خالد مرعي، "الشباك" للمخرج احمد عبد الله، و"حلاق الثورة" للمخرج احمد علاء. ويقول بيان مهرجان "كان" الذي حمل توقيع رئيسه "جيل جاكوب": ان اللافت في فيلم "18 يوماً" انه يضم مخرجين معروفين، وشباباً، منهم من اشتهر بأفلامه الكوميدية، ومنهم من عُرف من خلال أعماله التلفزيونية، لكنهم جميعاً، يتلاقون حول مفاصل اساسية برزت خلال الـ"18 يوماً" الأولى من أيام "ثورة 25 يناير" البيضاء.

وتبقى الصورة الاخيرة في سياق هذا التحقيق، والتي تؤكد، كما اسلفنا، عمق التحولات التي طرأت على مواقف الكثيرين من اهل السينما تجاه "ثورة 25 يناير"، وحيث يبدو ان ما رشح عن التحقيقات الأولية التي أجرتها، ولا تزال، النيابة العامة في مصر، مع اركان النظام السابق، أسهمت كثيراً في اتخاذ بعض اهل السينما مواقف مختلفة عن تلك التي كانوا قد أعلنوا عنها سابقاً، بحيث فتحت هذه التحقيقات، "شهية" الكثيرين، على تجسيد أدوار كان ممنوعاً الاقتراب منها، وفي طليعة هؤلاء الفنانين، الممثل خالد صالح الذي كان أول من صرّح عن رغبته في تجسيد شخصية الرئيس السابق محمد حسني مبارك، معللاً السبب بأنها "شخصية ثرية درامياً وتتضمن الكثير من نقاط الضعف والقوة"، ويبدو ان امنية الممثل خالد صالح قابلة للتحقّق، لأنه يقرأ حالياً سيناريو فيلم بعنوان "ليلة سقوط النظام" من تأليف الكاتب خالد محيي الدين، وقد تم ترشيح كل من بشرى وحسن حسني للمشاركة فيه، على أن يبدأ التصوير خلال شهر ايار (مايو) الحالي، وفور نيل موافقة الرقابة على المصنفات الفنية على السيناريو، خصوصاً وان الفيلم يتعرض للساعات الاخيرة من حياة الرئيس السابق، قبيل تنحيه.

كذلك، يدخل مع خالد صالح حلبة المنافسة على الشخصية ذاتها، زميله الممثل خالد الصاوي الذي يعتبر من قيادات "ثورة 25 يناير"، وقد صرح بأنه يوافق على تجسيد شخصية مبارك، أو أي رئيس آخر، وأنه لا يخشى الانتقاد، لأنه يعلم ان الجمهور المصري اصبح على وعي كبير، وقادراً على الفصل بين الحقيقة والتضليل.

اما عن شخصية ابن الرئيس، (جمال حسني مبارك)، وبالاضافة الى محمد عادل امام الذي سيقدم عنه فيلماً بعنوان "ابن الرئيس"، فإن الممثل الكوميدي هاني رمزي اعلن ترحيبه ببطولة فيلم سينمائي كوميدي بعنوان "حاكم مصر الفعلي"، يتناول فيه شخصية جمال حسني مبارك بكل ما فيها من تفاصيل "مريبة" و"شيّقة" و"مستقرة درامياً"، كما ذكر، مضيفاً ان عنوان الفيلم سيكون "اسماً على مسمى" لأنه سيرصد الحالة التي كانت مصر تمر بها تحت وطأة سيطرة الابن وتحكّمه، بصفته الرئيس الفعلي الذي يمارس السلطة من وراء صورة الأب.

أما في ما خص زوجة الرئيس، سوزان مبارك، فلم يظهر بعد اي اسم لأي ممثلة تقبل تجسيد الدور، وعندما قام عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي "Face Book" بإنشاء صفحة، طالبوا فيها الممثلة نادية الجندي، باعتبارها "نجمة الجماهير" بتجسيد شخصية زوجة الرئيس، مقترحين عنوان "أمرأة باعت مصر" للفيلم، سارعت الممثلة الشهيرة الى رفض الفكرة، أياً كانت المغريات