2012/07/04

"شجرة الحياة" فيلم يولد بعد طول انتظار
"شجرة الحياة" فيلم يولد بعد طول انتظار


محمد رضا – دار الخليج


أخيراً تم عرض فيلم ترنس مالك “شجرة الحياة” في مهرجان “كان” السينمائي الدولي، وهو الذي أشيع عن عرضه هناك في العام الماضي، ثم انتقلت الشائعة إلى عرضه في فينيسيا في سبتمبر/أيلول من العام ذاته . لكن عندما انتهى المهرجان من دون عرضه، انتقلت الآمال وبعض التأكيدات إلى أن مهرجان برلين (في شباط/ فبراير) من هذه السنة هو الشاشة التي ستستقبل الفيلم . لكن المهرجان الألماني لم يفعل، والفيلم بقي أسير التكّهنات حتى الإعلان عنه في دورة “كان” هذا العام .

تخلل هذه التكهنات إدراك أن المخرج ترنس مالك معروف لا بقلّة أعماله فقط (هذا الفيلم هو الخامس منذ عام 1971 حين أنجز أوّلها “باد لاندز”) بل بتباعدها أيضاً وبإثارتها التكهنات على طول الخط . فبين فيلمه “أيام الجنّة” (1978) و”الخط الأحمر الرفيع”، مرّت عشرون سنة من الصمت حتى اعتقد معظم أهل المهنة أن ذلك المخرج الذي لفت الأنظار بشدّة في فيلميه الأوّلين لا يكترث لإنجاز العودة .

“شجرة الحياة” هو فيلم لغزي بدوره، اكتنفه الغموض منذ بدايته قبل خمس سنوات حينما أنجز المخرج رابع أفلامه “العالم الجديد”، وقرر الانصراف إلى مشروع أكثر اتصالاً بحياته من أي فيلم سابق .

إنه مشروع قريب من وجدان المخرج ذي الأصل اللبناني كونه يسرد، ولو بشخصيات مختلفة ومع ليّ ذراع المسميّات الفعلية، جزءاً من حياة المخرج والكثير من نظراته إلى الحياة ذاتها . الشجرة التي في الفيلم قد تكون الرؤية الشاملة التي ينفذ المخرج من خلالها إلى تاريخ البشرية، لكن القصّة المزروعة بعد نحو 40 دقيقة من الفيلم الماثل (والمذهل في صوره) قريبة مما تألّفت منه الحياة الشخصية للمخرج إلى جانب أن وقوعها في الخمسينات (حين كان مالك في السن ذاتها لشخصية الفتى التي في الفيلم) يوحي بأن المادّة الروائية مستلهمة من حياة المخرج نفسه .

الفيلم لمن يراه، مؤلف بالفعل من قسمين مختلطين، فلو جمعت المادة القصصية وفصلتها لألّفت فيلماً روائياً من ساعة ونصف الساعة تقريباً . أما باقي الزمن الفيلمي (48 دقيقة) فهي سينما غير روائية قائمة على صُور من نوعين: وثائقيات مصوّرة وأشرطة لمؤثرات بصرية تم تأليفها عبر العمل مع عدّة وكالات متخصصة، في مقدّمتها وكالة ناسا الفضائية حيث أسهم بعض علمائها في تقديم المشورة والمعلومات حول بعض التفاصيل الدقيقة المتعلّقة بنشأة الحياة والتكوين العام للكون


الفيلم رحلة كونية عبر الزمن والمكان .

فكرته تقوم على متابعة الخلق تبعاً لإيمان روحي بالخالق سبحانه مع التوسّع في الإيحاء بالقدرات الربّانية التي يسبح الإنسان وكوكبه هذا فيها، وذلك من فجر العالم وإلى اليوم مروراً بالخمسينات عندما يتم تقديم حكاية العائلة المؤلّفة من براد بت رب العائلة، وزوجته جسيكا شستين وثلاثة أولاد، وكيف هدد تشدد الأب في ممارسة قوانين البيت وفرضها على الصغار إلى جنوح ابنه الأكبر لدرجة هددت سلامته وسلامة الآخرين .

صوّر المخرج في ثلاثة منازل بُنيت للغاية على نسق واحد، وذلك حتى يستغل الوقت جيّداً ويوظّف اللحظة من النهار على نحو دقيق . فإذا ترك التصوير في أحدها لأن الإضاءة يجب تحضيرها وستأخذ ساعات، وجد أن الإضاءة في البيت الثاني جاهزة لمواصلة المشهد الذي يعمل عليه . وهو لم يستخدم أي إضاءة صناعية بل اعتمد على مصادر الضوء الطبيعي . كذلك سمح لنفسه بتغيير الحوار وبعض المشاهد المكتوبة في السيناريو خلال التصوير، وذلك تبعاً لأفكار لم يكن بالإمكان كتابتها مسبقاً لأنه كان يستلهم ما يريد من المعاينة الحاضرة .

أكثر ما أثار التعجّب (كما الإعجاب) استخدامات المخرج التصويرية . فهو في الكثير من الأحيان يترك الممثل يمثّل ويدور بالكاميرا صوب موضع آخر قبل أن يعود إليه لتجده وقد بات في مكان غير ذاك الذي تركته الكاميرا عنده . وهو أسلوب مارسه أيضاً في فيلمه السابق “العالم الجديد” .

طوال تلك السنوات التي انشغل بها المخرج في تأليف هذا الفيلم، تكاثرت التكهّنات ومن بينها أن الفيلم يحتاج إلى خمس سنوات أخرى قبل أن يجهز . وأحد تلك التكهنات أن المخرج قد يقرر التوقّف عن التصوير تماماً، لكن شيئاً من هذا لم يحدث والفيلم ماثل بإنجازه الفني والروحي والإبداعي الكبير .