2012/07/04

شريط فيديو على «فايسبوك» يدخل «الجزيرة» في اختبار الموضوعية
شريط فيديو على «فايسبوك» يدخل «الجزيرة» في اختبار الموضوعية

ماهر منصور - السفير

بين أن يكون الإعلام موضوعياً أو أن يدعي تلك الموضوعية خيط رفيع. وبالنسبة للمحطات التلفزيونية الرسمية يبدو الأمر محسوماً لمصلـحة انحيازها للموقف الرسمي لبلادها. ولا يبدو ذلك مستغرباً، انطلاقاً من حق أي دولة ربما بأن يكون لها منبرها الإعلامي الخاص بها. لكن المشكلة تكمن في المحطات الخاصة، خصوصاً «الجزيرة» التي ترفع شعار «الرأي والرأي الآخر»، والتي نجحت في السنوات الماضية في بناء ثقة بينها وبين المشاهد، لا سيما من خلال تعاملها مع قضية المقاومة اللبنانية، ومن خلال «حرب تموز» بالذات، حيث شكلت القناة رصيدها الشعبي الكبير في المنطقة.

ويبدو أن الكثير من المشــاهدين اليوم مستسلمون لتلقي كل ما تقدمه «الجزيرة»، لا سيما أنها أثــبت ذاتها في تحقيق السبق الصحافي، والقــيام بتغطيــات إخــبارية ناجحة. ومع اندلاع الثورات الشعــبية التي تجتاح العالم العربي اليوم، نجحت في أن تكون المنبر الأهــم لتلك الثــورات. كل ذلك ساهم في أن يغفل المشــاهد المأخوذ بالقناة عن طرح أسئلة تخص أداءها. منها على سبيل المثال: انكفـاء «الجزيرة» عن احتجاجــات البحرين وتبــاطؤها في تغطية ما يحـدث على الأرض. ومــع إغفال حالات مشابهــة لها علاقة بتذبذب أداء القناة، سيصــعب على المشــاهد أن يلتقط الفارق بين موضوعية قناته وادعائها ذلك. ولكن هل يصلح مقطع فيديو، يتمحور حول ما يحدث تحت هواء «الجزيرة»، أن يكشف حياديتها من عدمها تجاه القضايا العربية؟

يتضمن مقطع الفــيديو، الذي تناقله مستخدمو «فايس بوك»، حواراً تحت الهواء يجري بين المفكر الدكتور عزمي بشارة، ومقدم «الجزيرة» علي الظفــيري. وفيه يطــلب بشارة استثناء الأردن من أمر ما كـان يجري الحــديث عنه قبل بدء هذا المقطع، أو حديث يجري بعــده. كمــا ينتقد بشارة الظفيري فيقول له: «البحرين ركزت عليها كـتير .. عندك عقد أنت.. طلعتلي كل عقدك .. كل قصصك مع السعودية طلعتها». فيرد الظفيري بأنني «بيضت صفحة المؤسسة».

ما حدث قبل هذا المقطع وما حدث بعده، يعكس رأي المتحاورين، قد نتفق معهما أو نختلف. ولكنْ حري بنا التوقف عند كلمات بعينها وردت في مقطع الفيديو مثل: «تبيض صفحة القناة»، «عقدك»، في محاولة منا للفت نظر المشاهد الى ضرورة وضع ما تبثه القناة في خانة التحليل وإخضاعه للعقل، قبل رفضه أو الأخذ به. إذ من يعد يضمن لنا بعد اليوم، أن ما تورده القناة من أخبار وتحليلات ليس أكثر من تبييض صفحات القناة مع أنظمة بعينها، وتفريغ «عقد» أناس يقفون خلفها؟!

بالشكل ما ورد في الشريط المنشور لا يحمل دليل إدانة كافيا، بأن الدكتور بشارة يقوم بتبيض صفحات أو يفرغ «عقداً» خاصة عنده، وذلك بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع آرائه المعلنة على الشاشة. ولكننا نجده مطالبا اليوم بأن يخرج ليوضح ما جرى، ويدفع عنه على الأقل شبهة «الرأي - التبيض»، دون أن يغفل أن من قام بتسريب الشريط يحاول أولاً اغتياله شعبياً وسياسياً، لمجرد إظهاره بأنه، على الأقل شاهد عيان صامت (ما لم يكن مشاركاً) في تجاذبات مصالح القناة وتبييض صفحاتها، و«عقد» مذيعيها ومصالحهم الشخصية.

من سرب الشريط استهدف أيضاً مصداقية «الجزيرة». ولكن هل يجرؤ شخص ضمن المؤسسة أن يسربه، في ظل إمكانية حصر من يمكنه تسريبه؟ لماذا لا تكون القناة نفسها هي من قامت بتسريب الشريط لتوجه رسالة ما لطرف ما، تريد تبييض صفحتها معه؟

ربما يسأل أحد: هل تسرب القناة شريطاً يضع سمعتها على المحك. نقول: ربما أليس هناك «استشهادي» أو «مخرب» من يفجر نفسه بحزام ناسف ليغتال آخر؟

وفي كل الأحوال، إذا كانت تفضل قناة «الجزيرة» ألا تكون حيادية وأن تنحاز لجهة ما، وفق أجندة مصالح خاصة، فإنه بات اليوم مطلوباً إعادة التدقيق بشعارها «الرأي والرأي الآخر».