2012/07/04

شطرنج
شطرنج


فجر يعقوب - دار الحياة

بث التلفزيون الليبي منذ أيام صوراً للزعيم الليبي وهو يستقبل رئيس اتحاد الشطرنج الدولـــي كـــرســان الومجينوف. اللقاء لم يكن بروتوكولياً، فليس هناك ما يجمع العقيد في «متاهته» مع الومجينوف سوى اللعبة ذاتها، والكاميرا التلفزيونية التي يمكنها وحدها أن تؤكد خبر المنازلة التي وقعت أخيراً بين زعيم باب العزيزية ورئيس الاتحاد.

لم يكن القذافي في حاجة الى مثل هذه اللعبة في ظروف غير التي يمر فيها الآن. ربما لعبها من قبل مع قادة وزعماء أحزاب وتنظيمات ولم يعلن عنها، أي أنها لم تصور تلفزيونياً ولم تبث، وبقيت حبيسة الخيمة ومن حضرها من المقربين، وجاءت في سياق النزوات الغريبة التي ميزته وميزت مسيرته منذ أن حكم ليبيا قبل 42 عاماً ليتوج نفسه، سواء كان خاسراً في اللعبة أم رابحاً لها «عميداً للحكام العرب وملك ملوك افريقيا».

لم يكن معمر القذافي يجيد التعامل مع الكاميرا التلفزيونية كما الزعماء الآخرون ممن وجد بعضهم رهبة في الوقوف أمامها ما كان يضطرهم إلى تعديل سلوكهم ومراقبة تصرفاتهم حين يشكل حضورها علامة فارقة. كان يتصرف على هواه ويرفض أن يخضع لرقابة آلة يمكنها أن تسجل عليه كل نأمة وشاردة وواردة. وكانت الكاميرا تسجل عليه هفواته ورغباته ونقائصه من دون أن يكترث بها، حتى أنه تم توليف خطابات كثيرة له بعد الأحداث الأخيرة وجرى بيعها على أقراص مدمجة في أماكن كثيرة من العالم العربي.

الآن يبدو الزعيم الليبي مختلفاً قليلاً وهو يلجأ إلى الكاميرا التلفزيونية ولعبة الشطرنج. ربما أراد ايصال رسالة ما تؤكد أنه لا يزال مسيطراً على الوضع. صحيح أن اللعبة لم تعد أسيرة خيمته الشخصية، بل تحولت إلى لعبة دولية شديدة التعقيد، والدليل هو مواجهته رئيس الاتحاد الدولي نفسه، إضافة إلى تحالف دولي يقف في مواجهته بعدما هدده وتوعده بزحوف نصف مليونية أو ربع مليونية، كما جاء في خطابه الاذاعي الأخير حين لم يكن متأكداً من عدد هذه الزحوف الخضراء.

هنا يكمن مربط الفرس في لعبة الشطرنج نفسها التي تحولت إلى رموز وعلامات لم يكن ممكناً حلها من دون أخذ حالة العقيد نفسها بالاعتبار. ففي اللعبة التي استمرت أكثر من أربعة عقود نجح في تحريك بيادقه وأحصنته وقلاعه ووزرائه، وتمكن من احتلال المربعات الخاصة بخصومه من دون تفسيرات أحياناً، وبتفسيرات تتعدى المنطق الذي تصنع منه السياسات المعاصرة أحياناً أخرى.

طال أمد اللعبة كثيراً، وهي تبدو لغير المحترفين مضجرة وفي حاجة إلى صبر وذكاء. ربما أصبح بوسع الكومبيوتر أن يقول فيها شيئاً، من خلال وجود لاعبين افتراضيين يسبحون في عالمه ويزودونه بإشارات خاصة بالدماغ الانساني يعجز عنها خيال القذافي نفسه. ربما لا يصبح الأمر كذلك حين تتوقف بيادق القذافي في قلعته الأخيرة عن تلقي شارات التحرك في مواجهة رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج ... حتى بحضور التلفزيون الليبي نفسه.