2013/05/29

شوقي الماجري: دخلت “مملكة النمل”وحدي وخرجت مع جمهوري
شوقي الماجري: دخلت “مملكة النمل”وحدي وخرجت مع جمهوري


ديالا خياط – دار الخليج

لم يكلّ المخرج شوقي الماجري ولم يملّ، رغم سنوات من البحث عن التمويل لفيلمه الروائي الطويل الأول “مملكة النمل”الذي حقق فيه حلمه بتجسيد تفاصيل النضال الفلسطيني اليومي ضد الاحتلال، فعمل عليه بشغف الإنسان المؤمن بالحق وبالقضية، وهو صاحب المشروع الفكري والفني الذي تجلى في أعماله الدرامية والسينمائية منذ البدايات الأولى، وهو الذي شكّل منحى مختلفاً في المشهد الدرامي العربي ببصمته الخاصة مع “أبناء الرشيد”و”هدوء نسبي”و”الاجتياح«، المتوّج بجائزة “إيمي”العالمية لأفضل إنتاج أجنبي وغيرها من المسلسلات العربية، في بيروت التقيناه وكان هذا الحوار معه . . .

أين يأتي فيلم “مملكة النمل”ضمن مسيرتك ومن ضمن التزامك بالقضية الفلسطينية فنياً؟

فكرة فيلم مملكة النمل كانت سابقة لمسلسل “الاجتياح”الذي تحدّث عن حياة الفلسطينيين . لكن صعوبة إنتاج هذا النوع من الأفلام هو الذي أخّر رؤيته النور، والتزامي القضية الفلسطينية التي نشأت عليها مع أبناء جيلي هو الذي جعلني مصراً على ولادة الفيلم .

لماذا اعتمدت على ممثلين أردنيين في أدوار بطولة “مملكة النمل«، رغم أن هناك أسماء عربية أكثر شهرة وبالتالي أكثر تأثيراً في الجانب الترويجي للفيلم؟

الممثلون الذين جسدوا شخصيات “مملكة النمل”هم شركاء في المشروع والمواقف كما أنهم الأقرب للوجع الفلسطيني والأقدر على إتقان اللهجة . الأهم أن حضورهم تكفله حرفيتهم ومستوى آدائهم العالي المشهود لهم به في أكثر من عمل فني، إضافة لذلك يشارك في “مملكة النمل”الفنانة التونسية صباح بوزويتة والممثل السوري عابد فهد على سبيل الذكر، وشخصياً أؤمن بالعمل مع المجموعة الفنية نفسها وطاقمي التقني يضم فنيين من مختلف الجنسيات العربية وهذا يساعد على إنجاح العمل وإنهائه في مدة زمنية أقل .

هل ترى في الفن قدرة لتقريب القضية الفلسطينية من الناس؟

أهمية الفن ليس بمعناه المباشر بل عندما يصبح الموضوع داخل كل منا، ولا يتحول فقط إلى أخبار وأرقام على الشاشات . مع الأسف تحولت القضية الفلسطينية إلى أرقام ضحايا وخبر يمر في الإعلام . عندما لاحظت هذا التعامل مع القضية شعرت بضرورة تقديم ما هو عيني، وبضرورة تقديم ما يمسّ القلب والعاطفة . برأيي الأعمال الفنية مهمة جداً بالنسبة للقضايا الحيوية .

لمن توجّهت بالفيلم؟

“مملكة النمل”موجّه لكافة الفئات وكافة الشعوب . هو اقتراح جمالي فلسفي . وفي اعتقادي أننا يمكن أن نشعر بهذا الفيلم بغض النظر عن الانتماء الفئوي أو سواه، فهو قد يهم الناس من كل العالم، وكل الأعمال التي قدمتها أحترم فيها فقط المتفرج المجرّد، وبالتالي أحاول تقديم أعمال محترمة، تحترم ذكاء المتفرج وإحساسه .

“مملكة النمل”من الأفلام المتعبة تنفيذاً وإنتاجاً وديكورات، هل من مرحلة كانت أكثر تعباً بالنسبة لك؟

من المؤكد أن تنفيذ الفيلم كان صعباً ويلزمه عمل، لكني اعتدت الأعمال الصعبة التي تتطلب أعصاباً وتعباً جسدياً، وهذه مهنتي . أكثر ما أتعبني هو الإمكانات والتمويل، ذلك أن الموضوع فلسطيني، ولم يكن سهلاً علينا أنا وصديقي المنتج التونسي نجيب عيّاد إيجاد شركاء في الإنتاج . لم أكن أعلم بوجود بعض الخبايا السياسية المخفية عني . من جهتي نظرت إلى الأمور من وجهة نظر الفنان، ومن وجهة نظر فكرية، إنسانية وفنية بحتة وهذا ما أتعبني على الصعيد النفسي . كذلك أحبطني بعض الشيء لأن زمن الانتظار طال .

هل وجدت في خلال بحثك عن التمويل أن العالم العربي أقصى نفسه عن القضية الفلسطينية؟

بعض الشيء، وبعض الجهات نعم . القضية الفلسطينية ليست من اهتماماتهم، هم يرفضون الموضوع حتى من عنوانه، هناك فرق بين القضية الفلسطينية وموقفنا السياسي منها، وموقفنا من فيلم عن القضية . الأمور ليست نفسها .

لكن المواقف تصب في الاتجاه نفسه؟

صحيح، لكن الفيلم هو اقتراح فني يمكن أن نتجاوز معه حتى موقفنا السياسي من بعض الأمور . نحن أحببنا أفلاماً أمريكية عن اليهود تتحدث عن مآسيهم خلال الحرب العالمية الثانية وقبلها وبعدها . لماذا أحببناها؟ لأن الاقتراح الفني كان جميلاً .

هل تعتقد أن لغة الجسد ولغة العيون الراقية جداً التي قدمتها في “مملكة النمل”قادرة على جذب المشاهد الذي يتابع هذا الفيلم؟

هي أحد عناصر الفيلم . أنا لا أجيد تقسيم الأشياء، الصورة نفسها بكل عناصرها هي الموضوع . وكما قلت الفيلم هو اقتراح أتمنى أن يجذب انتباه المتفرج، وأن يعود للتفكير ببعض الأشياء . المطلوب أن يشعر المتفرج ببعض الأشياء، هي علاقة عاطفية تخصنا كعاملين في ميدان الفن، هي مشهدية ليس مطلوباً أن تجذب فقط العالم العربي . طموحي أيضاً أن تجذب أناساً آخرين شرقاً وغرباً، وناس من أوروبا ومن أمريكا وآسيا . ولم لا؟

هل يكفي أن يصنع الانتماء والوجدان بالقضية الفلسطينية الصورة المطلوبة على صعيد السينما؟

من الصعب أن أحكم كيف يتقبل الآخر الفيلم . سعيت في عملي إلى مستويين: مستوى واقعي مباشر الذي هو الحياة العنيفة خارج الأرض، ومستوى آخر في باطن الأرض جميل وسحري، وخرافي حتى . وفي حالات حاولت تجاوز الواقعي إلى ما هو حلمي وشعري نوعاً ما . كذلك يتضمن الفيلم علامات تتجاوز التفسير المادي للأشياء، صحيح أننا نملك وجهة نظر مباشرة من الموضوع، ولكني أيضاً مع وجهة نظر مفتوحة لمعاني إنسانية كاملة . مثلاً العلاقة بين الأم والابن في لحظات معينة تتجاوز كافة البيئات .

على ماذا راهنت في تقديم فيلم يتجاوز الساعتين في عصر السرعة خاصة وأنه فيلم ضاغط على المشاعر لشدة الشجن الذي يحتويه؟

كنت في خوف من تعسف أمارسه بحق الفيلم، بحيث أقتطع منه أجزاء هي قريبة للإحساس والقلب . صحيح أنه قد يشكل ضغطاً على المتفرج أطول من الذي اعتاده اليوم، لكنها قصة تعّود . لم يقل أحدهم بضرورة أن تكون الأفلام ساعة ونصف مثلاً . هو أمر بات يخص القناعات والمنتجين والمنفذين أكثر مما يخص الفكرة نفسها . أتمنى ألا يفكر المتفرج بأن الفيلم طويل أو قصير، أتمنى أن يحس بالفيلم بحيث لا ينتبه لمسألة “الطويل”.

قصدت بأنه “فيلم ضاغط”لأنه يستدرج المشاهد للبكاء من أول المشاهد حتى آخرها؟

بصراحة لم أكن أمام نوايا استدراج المشاهد للبكاء، لكن هذه العلاقة العاطفية مهمة مع أي أمر نقوم به . في اعتقادي أنها صورة قاسية نوعاً ما على الصعيد العاطفي، فنحن على صعيد الأخبار نشاهد “بلاوي”أكبر بكثير، ربما هذا ضروري أن نخرج من الحياة اليومية، وأن نتذكر حسياً وبالقلب أن في الحياة أشياء أخرى .

قدمت العديد من الأعمال التاريخية ومع ذلك لم تتطرق في هذه المسلسلات التلفزيونية لرموز الإسلام على غرار الصحابة فهل تخشى أن تثير الجدل من خلالها على غرار مسلسل “عمر”الذي عرض هذا الموسم؟

صحيح أن مسلسل “عمر”أثار ضجة إعلامية لموضوعه وشدّ الجدل الذي رافقه انتباه المشاهدين العرب إلا أن هذه المشاريع الفنية لا تغريني فكرياً بإنجازها، بالنسبة لي العمل الفني إن كان تاريخياً أو سيرة ذاتية أو غيرها من الأنماط يجب أن يكون معاصراً في طرحه بمعنى أنها تعكس هموم ومشاغل المواطن العربي اليوم .

دائماً تقدم سيمفونيات متناغمة على صعيد الدراما التلفزيونية من “الإجتياح”إلى “أسمهان”إلى هدوء نسبي؟

كل مشروع أقدمه أحاول الدخول من خلاله إلى مساحة مختلفة . مثلاً بين “أسمهان”و”الاجتياح”فضاءات مختلفة، كذلك هناك اختلاف بين “الأمين والمأمون”وبين “نابليون في المحروسة”الذي قدمته هذا العام وكان موضوعاً جدياً ومهماً . وفي كل مرة أدخل فضاء فنياً أجد فيه طاقة لي، لست منفذ مسلسلات بل يهمني المشروع، وأن أقدم أعمالاً على مستوى معين فكرياً وفنياً . هذه مسؤوليتي في عصر ومجتمع أعيشه بأن أغوص في كل مرة في مساحة معينة تهمني، ومن خلالي قد تهم المواطن العربي بكامله . في أعمالي المعاصر والتاريخي، لست مختصاً بالتاريخي . وحتى حين أقدمه فيكون بلغة معاصرة جداً .

يرفض عدد من المبدعين في المجال الفني تجسيد أعمال عن الثورات أو ما يسمى ب”الربيع العربي”. هل تنتمي لهذه الخانة من الفنانين؟

التغيير مازال مستمراً في عدد من الدول العربية وهذه التطورات لم تتخذ بعد طريقا واضحا وإيجابياً خصوصاً وأن منعرجات خطرة تبرز من حين لآخر . لذلك أعتقد أنه علينا أخذ مسافة من الحدث حتى يكون نقله درامية مستقبلاً يحمل سمات المصداقية، فيما اعتبر التسجيلات التوثيقية التي جسدت الثورات منذ انطلاقها في تونس ثروة فنية نحتاجها لدعم أعمالنا الدرامية والسينمائية عن هذا التغيير في وطننا العربي والذي أصفه بالإيجابي .

بعد خروج “مملكة النمل”للنور هل سيكون لشوقي الماجري مشاريع سينمائية أخرى في القريب خصوصاً أنك سينمائي بالأساس، وهل للأعمال التونسية نصيب في خياراتك المقبلة؟

نعم أعتبر أن “مملكة النمل”كان حاجزاً معنوياً بيني وبين مشاريع سينمائية أخرى بمعنى أن هذا المشروع كان هاجساً بالنسبة لي ولم أشعر برغبة في تنفيذ أعمال سينمائية طويلة أخرى قبل تحقيق هذا الحلم الفني . اليوم أنا بصدد مراجعة عدد من الاقتراحات منها عمل تونسي سيكون من أولوياتي إذا توفرت الإمكانات المالية في القريب مع الصديق نجيب عياد وغيره من الفاعلين في الوسط الفني التونسي من منتجين.