2012/07/04

 	صبا وهبة ولينا يتمردن على صورة نساء «باب الحارة» النمطية
صبا وهبة ولينا يتمردن على صورة نساء «باب الحارة» النمطية

البيان

«حلمنا هو أن نكرس انطباعا حضاريا عن نساء سوريا، فصورة المرأة «المقموعة» والمرمية في كواليس الطبخ والغسيل وإنجاب الأطفال وباقي تفاصيل المرأة التقليدية، باتت أبشع ما نتخيله في هذا العصر، ثم جاءت صورة المرأة الشامية عبر مسلسل «باب الحارة»، الذي كرس الصورة النمطية للمرأة التي «تأكل قتلة» من زوجها لمجرد أنها أخطأت في طبخ «قرص الكبة»؛ هذه الكلمات ليست فصلا من كتاب، أو مقطعا من سيناريو دراما، هن ثلاث سيدات اجتمعن في «بايت بريك» (bite break) لتقديم أفضل أنواع الطعام لكل زائر إلى مطعمهن الصغير في إحدى ضواحي دمشق.

تقول هبة السبيعي: «الحلم كان يراودنا منذ زمن، بدأت الفكرة من تشجيع الأهل والأصدقاء «طبخك طيب.. طعمينا، أحب أن أدعو الأصدقاء والأقارب إلى منزلنا، زوجي مهندس وأولادي وبناتي، مثله، لم يترددن في دعم الفكرة، أختي صبا، كانت لديها الرغبة نفسها، عائلتها شجعتها، تناقشنا مع صديقتنا المذيعة اللبنانية التي تعمل في سوريا حنان يمق، خرجت الفكرة إلى التنفيذ، لم نعتمد على أحد، تصرفنا كنساء مستقلات في كل التفاصيل، كنا نتقاسم العمل منذ البداية».

تتدخل صبا لتقول رأيها: «أنجزنا كل الأوراق الرسمية المطلوبة، اخترنا ديكور مطعمنا الصغير الذي يتسع لنحو 52 شخصا، البعض قال لنا كلاما غير مقبول.

تسحب حنان الكرسي وتجلس بعد أن كانت تسترق السمع وقوفاً، تقول: «وضعنا أمامنا مختلف سيناريوهات الصعوبات، خصوصا أن «بايت بريك» يفتح من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل، نقدم الوجبات الثلاث، نحن سيدات، كل واحدة منا لديها أسرتها التي تقف إلى جانبها، متعلمات، ولدينا خبرتنا وتجربتنا في الحياة، ثم إننا وبقليل من الصبر كرسنا وفرضنا أسلوب عملنا على الزبائن الذين ومع مرور الوقت تحولوا إلى أصدقاء لمطعمنا الصغير، على الرغم من قصر فترة انطلاقتنا، نحن نتصرف ونعيش كما نحن، على طبيعتنا، من حيث الشكل والمضمون، نتقاسم أوقات العمل، لكل منا اهتماماتها التي تشغلها، فضلا عن شؤون منزلها وأسرتها وعملها الآخر، ليس هدفنا الربح، لكن صورة المرأة في مسلسل باب الحارة باعتقادنا أساءت إلى كل امرأة عربية، وخصوصا للمرأة السورية، نساء سوريا لسن نساء «باب الحارة»، خاصة في القرن 12 ، لا نريد العودة إلى الوراء».

وتضيف: مساحة المطعم الصغير توحي بالحميمية والدفء ، فالزائر لـ«بايت بريك» يعتقد بأنه يدخل إلى مطبخ منزله، كل شيء متاح أمامه، تحضير الطعام لا يتم في مطبخ مغلق، مختلف أصناف الطعام المحلي ذو الخصوصية السورية متوافر، رفوف المطعم تحمل مزايا المطبخ السوري؛ اللبنة، مكدوس، جبنة ومخللات، الثوم الناشف، الباميا والفصولياء والفليفلة الحمراء، اللحومات التي تقدم باردة وساخنة، البيتزا.

وتقول هبة التي ترتدي الجينز والقميص الشبابي وتخبئ شعرها تحت قبعة على الطريقة الأميركية، وهكذا تفعل أختها صبا: «بإمكان الزبائن أن يطلبوا أي نوع طعام شرقي أو غربي، وإن كنا نفضل أن نقدم لهم فنون الطعام السوري». بعض الزبائن تعودوا على كلمة واحدة «طعميني، طعميني يا مو» باللهجة الشامية، هذا دليل ثقة بما نقدمه، أحيانا نحضر طبخة في منازلنا ونقدمها للزبائن، المرأة الشامية مضيافة وتحبذ البساطة دون تكلف أو تعقيد، تحب المرح و«العيشة الهنية»، قسم من الزبائن يأتون، حاملين الهموم والحزن، ربما نتيجة ضغوط الحياة، نتفهم هذه الحالات، نحاول مساعدتهم دون أن يشعروا، نعودهم على الابتسامة، نخلق أجواء من المرح والسعادة مع لقمة شهية، لا يجب ان يخرج أحد من «بايت بارك» وهو غضبان، لدينا طاقات من الفرح والسعادة قررنا منحها للآخرين».

تتدخل صبا لتشرح كيف أن سيدات كثيرات أبدين إعجابهن بمطعم تديره وتشرف عليه النساء، ربما هي المرة الأولى في سوريا، قلة منهن استهجن الفكرة، بعضهن بدأن يطلبن وجبات إلى منازلهن، نتيجة ضيق وقتهن، خصوصا إذا كن عاملات خارج المنزل، ولا يجدن وقتا كافيا لتحضير الطعام لأفراد الأسرة. يقول مأمون، أحد الزبائن الذين يرتادون المطعم: لم يتكون لدي أحساس بأنني في مطعم، العلاقة مع السيدات مليئة بالمودة والثقة، لم نعتد أن نطلب قائمة الطعام، كل شيء يحضر إلى الطاولة دون طلب، نتصرف أحيانا لوحدنا على طريقة «سيلف سيرفس» من الناحية المالية، كأنني ادفع في بيتي، لا أشعر بأنني أزور مطعما، هذا أهم ما يقدمه المكان برأي».

وتقول لينا وهي صديقة «بايت بريك» وسيداته: «البعض اعتقد بأن المكان سيتحول إلى شيء غير مقبول لأن هنا ثلاث سيدات يعملن، الخطوط الحمراء واضحة.. التصرفات في إطارها الحضاري والمنفتح، الحرية الشخصية بمعناها الواعي والمستقل هي سيدة الموقف، لا يشغلن قلوبهن أثناء العمل، فعلا هنا لسنا نساء باب الحارة، الضعيفات الشخصية الخنوعات والتابعات، ننساء تلك الحارة أسأن كثيرا لصورة المرأة السورية خصوصا والعربية عموما.

ومـــع أن هبـــة وصبـــــا هما مـــن أسرة فنية، فـــــوالدهما هو الفنان الكبير رفيق سبيعي المشهور تاريخيا بـ«أبو صياح»، وشقيقهمــــــا النجم سيف الدين سبيعي وزوجته الفنانة النجمة سلافـــــة معمار، إلا أن ذلك لا يعني أنهما لديهما رغبة بالتمثيل، تقول هبة: ربما اكتسبنــــــا خفة الظـــــل مــــن الوالد، نحب الفن ولا نعمل به، الشهرة لها ضريبة، فضلنـــــــا أن نقدم اللبنة والسبانخ والكبة بلبنية والتبولة والحمص والمكدوس وكل الأكلات الشامية، وحتى الخبز نحضره أمام الزبائن، نتصرف ونعيش على طريقتنا، مشروعنا بالكامل نسائي لا يد لرجل فيه، تساعدنا سيدة نعرفها منذ سنوات طويلة تذهب إلى الســـــوق وتحضر اللحم بأنواعه والخضار وكل الحاجيات، اسمها سميرة هي زوجة ناطور البناء الذي نسكن فيه، تحضـر أطيب أنــواع الزيتـــون والمخــــللات وباقـــي المــــونة، لم يحاربنا المجتمع الذكوري، بـــل على العكــــس، قسم كبيــــر منهم شجعنا، قلة محافظة منهم تصرفت بغباء، بينهم نساء، فريق العمل معنا كله نساء، محاسبة «بايت بريك» هي فتاة جامعية، هلا، تقوم بكل الأعمال المالية. التعاون بيننا «تيم» لا احد منا boss ، كما يقـــال بالانجليزية. الكـــــــل ينتمي إلى المكان والفكرة.