2012/07/04

صناعة الدراما السورية..وسيطرة نقد العاملين
صناعة الدراما السورية..وسيطرة نقد العاملين

جهاد أبو غياضة - تشرين دراما

يكاد يجمع العاملون في الوسط الفني (تمثيل، إخراج، كتابة، إنتاج وصحافة) على أن صناعة الدراما في سورية

متقدمة، وبأشواط كبيرة، على عملية النقد الفني الموازية في الصحافة السورية، ومرد ذلك التاريخي أساساً لضعف،

إذ لم نقل غياب المطبوعات الفنية النقدية بشكل تخصصي عن الصحافة السورية الرسمية والخاصة، والاعتماد على

المطبوعات والصفحات الفنية العمومية التي تهتم بأخبار الفنانين ولقاءاتهم، والحوارات الصحفية الفنية مع المخرجين

والكتاب، وهو ما لا يؤسس لحالة تحليلية نقدية صحيحة، إذ إنه وحتى أمد قريب كان الاعتماد الرسمي من جانب

المؤسسات الحكومية على مطبوعة فنية واحدة هي «هنا دمشق»، وحتى مع ظهور المطبوعات الخاصة بقيت الحالة

خبرية أو حوارية في الجانب الأعم

وبعد النجاح الهائل والقفزات الكبيرة التي حققتها صناعة الدراما السورية، من حيث الانتشار والاتساع والخبرات والكوادر

التخصصية. كان لابد من مواكبة هذا التطور إعلامياً وصحفياً. فبدأت تظهر الصفحات الفنية التي تحتوي المقال الدرامي

الذي يمكن الاصطلاح عليه بـ«انطباع» ونقل أمين لتوصيف وانطباعات وتفاعل المشاهدين العاديين.. ولم ترقَ هذه

الحالة لتشكّل دراسة وتحليلاً لمجمل عناصر العمل الفني وفق قواعد علم النقد، وان ظهرت بعض المقالات النقدية

الملمة بشروط وضوابط النقد، لكن ذلك بقي يندرج في إطار المواكبة الفردية التي لم تتبلور لتشكل تياراً نقدياً ذا رؤية

ومشروع وسط غياب التخصص من جانب المطبوعات التي بقيت مواكباتها موسمية لا أكثر، وصولا ً لتجربة ملحق

«تشرين دراما» الذي يسعى القائمون عليه لتأسيس حالة نقدية فنية تكاد تحيط بكل جوانب العمل الفني، لكن

التجربة لا تزال حديثة ومحكومة بعدة عوامل

وربما يكون السؤال الأهم عن الطريقة التي استطاع بها الوسط الفني الدرامي استيعاب الكثير من أعداد خريجي

المعهد العالي للفنون المسرحية – قسم التمثيل، بينما تغيب الأعداد الهائلة لخريجي المعهد من قسم النقد عن

الساحة الصحفية النقدية؟ ‏

لكن كل ذلك لا يعفي الدراما السورية والعاملين في مجال صناعتها، والمجتمع كوحدة موجهة ومتلقية في آن معاً،

وحالته الثقافية من المسؤولية الأدبية عن غياب النقد وعدم تطوره، فغياب النقد الفني الدرامي هو أولاً وأخيراً انعكاسٌ

لهشاشة وضعف حركة المشروع الثقافي السوري عموماً، الذي تحكمه الفردية وضياع البوصلة والتنسيق والتوجيه

باتجاه مناخ ثقافي يؤسس لمشروع ثقافي عام له أسسه وأهدافه البنيوية، وتطال تجليات نهضته كل المناحي،

وخصوصاً بعد ما تشهده الحياة المسرحية والسينمائية السورية من موات سريري وانحسار في أغلب جوانبها، وإن

كان لابد من استثناء بعض التجارب في مجال الأعمال الدرامية كـ «مرايا»، بقعة ضوء» ما قبل الأجزاء الأخيرة، «ضيعة

ضايعة» بجزأيه، وبعض كتاب الدراما أصحاب المشروع والرؤية، ولكنها تبقى مشاريع فردية في غياب المشروع العام. ‏

ولما كانت تلك هي الحال، كان لابد من أن يدخل النقد الفني النامي بتنامي الدراما في نفق التشتت والتيه، أو ما

يدخل غالباً في إطار التقييم السريع، وغير المعمق لحركة المنجز الدرامي، فيتحول النقد من عملية تحليلية تدقيقية

وتصويبية إلى عملية توصيفية فردانية يتدخل فيها العامل الذاتي، ويحكمها المزاج والعلاقات الشخصية والشللية، وهو

ما فرض على الناقد كثيراً من الاعتبارات التي لابد أن يراعيها، أهمها حساسية توجيه الملاحظات، وهنا تنتقل العملية

إلى إطار (الحكي) في العموميات، أو التلميح المبهم، أكثر من كونها قراءة شاملة وفق مقاييس وأسس علم النقد

الفني العالمي. ‏

ولكن أكثر ما يعيق النقد الفني الدرامي هو وضع المجتمع وتركيبته الذهنية المتمثلة برفض ثقافة الرأي والرأي الآخر،

وسيادة قاعدة (من لم يكن معي فهو حكماً ضدي)، والتي تبدت جلياً في الموسم الدرامضاني الفائت، وربما الثأرية

من جانب الفريقين (الدراميين – النقاد) وهو ما خلق شرخاً كبيراً بين العاملين في مضمار الدراما والنقاد، وأدى إلى

سيادة التناحرية والقطيعة بين الوسطين المفترض أساساً أن تحتكم العلاقة بينهما إلى مبدأ التقاطع والتكامل لرفع

مستوى المنجز، «لا لسياسة رفع الأقلام»، إذ إن بعض نجوم هذا الوسط لم يكتفوا بتفصيل أعمال درامية على

مقاسهم، بل وباتوا يحلمون بنقد على المقاس أيضاً!! وإن كان لابد أن يسجل حالياً التفات بعض شركات الإنتاج لوجود

مستشارين إعلاميين ومكاتب إعلامية مهمتها توزيع الأخبار والتصريحات عن الأعمال الفنية والفنانين، وهو ما يخلق

حالة من التماس والتواصل بين الصحافة والنقاد من جهة، والقائمين على صناعة الدراما من جهة أخرى. ‏

إن الدراما السورية هي الدراما الرئيسة من حيث الإنتاج والانتشار والعرض في العالم العربي، دراما تعبر بصدقٍ عن

المجتمع بكل شرائحه وهواجسه، بحيث صار بالإمكان اعتبارها من الموارد الاقتصادية المهمة في سورية، والسفيرة

الشرعية للثقافة السورية. ‏

فهل سيعي القائمون على المشروع الثقافي السوري، والدرامي خصوصاً، أهمية الثنائية الوظيفية بين البناء والتقويم،

والإنتاج وتفكيك سمات المنتَج، والأهم من ذلك الوعي لأهمية النقد الذي يطّلعُ بتشكيل شروط الجدل، والانفتاح في

إطار حوار خّلاق يفيد الطرفين، ويؤدي للنهوض بواقعنا الدرامي؟ ‏