2012/07/04

صنّاع «لعنة الطين» في حوار مع بوسطة
صنّاع «لعنة الطين» في حوار مع بوسطة

تعرّضنا لرقابات وليس لرقابة واحدة.

رقابة العرض السوري قدّمت «نكات» مضحكة في العرض أساءت للعمل.

أحمد إبراهيم أحمد: أنا أطالب بتوحيد لجان الرقابة على الأقل، ولتتأكّد لجنة القراءة أنّ ما تمّ تصويره لا يختلف عن النص الذي وافقت عليه.

سامر رضوان: الرقابة لا ترفع السقف بل الكتّاب مَن يفعل ذلك، والنص مكتوب ضمن فضاء لم يستطيعوا سوى أن يوافقوا عليه.

أحمد إبراهيم أحمد: نحن لا نوثّق لمرحلة بكاملها، ولا يمكن الإحاطة بهذه الحقبة الغنية من تاريخ سورية المعاصر بعمل واحد.

سامر رضوان: لو أردتُ أن أتحدّث عن عبد الحليم خدّام لملّكتُه شركة إنتاج أو لجعلتُ له أولاداً من المتحكّمين بالشأن الاقتصادي.

أحمد إبراهيم أحمد: هناك عملَين أو ثلاثة يُكتب عنها بشكل يومي في الصحافة في حين تمرّ بعض الأعمال مرور الكرام.

سامر رضوان: الخطاب السياسي أقرّ بوجود الفساد في سورية فلماذا لا نكتب عنه ونفضح رموزه؟

أحمد إبراهيم أحمد: كان هناك سوء توزيع من قبل الشركة المنتجة.

سامر رضوان: المواطن السوري تحرّر من ذهنية الخوف وهذا يُحسَب للمرحلة.

خاص بوسطة - علي وجيه

لم يكن مستغرباً أن يحظى مسلسل «لعنة الطين»، تأليف سامر رضوان في أول أعماله التلفزيونية وإخراج أحمد إبراهيم أحمد في ثاني مسلسل بعد «طريق النحل» العام الفائت، بالاهتمام الكبير الذي ناله على المستويين الجماهيري والنقدي. العمل يقارب حقبة الثمانينيات بجرأة لافتة من باب «الحصار» الذي كان عنوان تلك المرحلة الغنيّة من تاريخ سورية المعاصر، حيث يبدأ الحصار من الفرد نفسه ليشمل البلد بأحواله المتقلبة في تلك الحقبة.

حول رحلة «لعنة الطين» مع الورق والكتابة والتصوير والتوزيع مروراً بمراحل الرقابة المختلفة وتعاطي الرقيب معه، كانت هذه «الدردشة» المطوّلة مع كاتبه سامر رضوان ومخرجه أحمد إبراهيم أحمد.

بدايةً، هل كان نجاح العمل وشعبيته أمراً متوقعاً قبل عرضه؟

أحمد إبراهيم أحمد: عندما تبدأ العمل بمشروع ما فأنت تدخل في رهان يحتمل الربح والخسارة، إلا أنّ جودة الورق في «لعنة الطين» جعلت الرهان يميل أكثر باتجاه الربح، وبالتالي لم يكن النجاح مستغرباً.

لنعد إلى البداية. كيف وصلك النص وصولاً إلى البدء بتنفيذه؟

أحمد إبراهيم أحمد: النص كان مع المخرج عمّار رضوان في البداية. حصل سوء تفاهم بينه وبين الشركة المنتجة، فتحدّثوا معي بشأنه. اتصلتُ عندها بعمّار وطلبتُ منه حل الخلاف مع الشركة ومتابعة المشروع، إلا أنّه أوضح لي أنّه قد وصل إلى طريق مسدود معهم، وتمنّى لي النجاح. التقيتُ بعدها بالكاتب سامر رضوان، وبدأنا ورشة العمل حتى على أصغر التفاصيل. وهكذا انطلقنا في التنفيذ.

عادةً ما يفتتح الكاتب أعماله التلفزيونية بنصّ سهل التسويق للشركات والمنتجين. ما الذي دفعكَ لإنجاز «لعنة الطين» رغم مخاطر بيعه وتنفيذه ثمّ عرضه؟

سامر رضوان: لماذا أدخل هذه اللعبة؟ هذا السؤال يجب أن يكون حاضراً لدى المشتغلين بالحقل الكتابي الدرامي. إذا أردتُ أن أدخل من باب المال، فهناك مهن أخرى ربّما تحقق مالاً أكثر. لكن عندما تدخل من باب الإضافة والتغيير ومحاولة المغايرة، فينبغي أن تدخل إلى ميادين لم يدخلها قبلك أناس أو لم يسبقك إليها أحد. بالتالي، عندما فكّرت بدخول مجال الكتابة الدرامية، وأنا عضو اتحاد الكتّاب العرب ولي تجربة سينمائية سابقة، قلتُ لنفسي: «عليك أن تدخل من بابك الخاص، من باب يمثّل ثقافتك ومحيطك ومجتمعك بقضايا تمسّه». كان من المقرّر أن أكتب رواية عن مرحلة الثمانينيات، إلا أنّني لحظة عزوف القارئ السوري، وحتى المثقف السوري، عن القراءة، قررتُ أن أكتب روايةً في إطار تلفزيوني. والحقيقة أنّني وفّقت إلى حدّ كبير في أن أنقل ما أردته في عالم الرواية إلى التلفزيون، مع أنّ فضاء الرواية أرحب.

أمّا مسألة البيع والتسويق وما إلى هنالك، يهتمّ بها مَن يحتاج إلى أن يكون هذا مصدر رزقه الأول. بالنسبة لي، الكتابة هامش حريّة وليست مصدراً للتكسّب.

ما هو مصدر رزقك الأساسي إذاً؟

سامر رضوان: أنا صحفي وإعلامي، وأعمل في مجال الدوبلاج منذ أكثر من 12 عاماً، وعندي مورد مالي جيد جداً.

ما المقصود بـ «لعنة الطين»؟

سامر رضوان: أنا مع العناوين المفتوحة على فضاء دلالي، ولستُ مع العناوين المحدّدة. هناك عدّة مستويات يمكن للمتلقّي أن يقرأ من خلالها هذا العنوان. أولاً، مرحلة الثمانينيات كانت تحمل سواداً وصراعاتٍ بين قوى عديدة استخدمت عنفاً وقوبلت بعنف مضاد، وهذا أثّر على الداخل السوري حتى اعتبره بعض المحللين أقرب إلى الطين. من هنا قلنا إنّ لعنة الثمانينيات هي لعنة الاقتتال والسواد، إضافةً إلى الحصار الاقتصادي الذي فُرِض على البلاد لفترة طويلة.

أيضاً من الناحية الميثولوجية، يُقال إنّ الإنسان خُلق من طين، وهو حامل للخير والشر، ويمكن أن يشكَل اختلاط الأمرَين في شكل بشري واحد لعنةُ طينية.

من ناحية دلالية أخرى لها علاقة بأطياف الكيمياء، يمكن أن يؤدّي اتحاد عنصرَين طاهرَين أو جيدَين مثل التراب والماء إلى ناتج غير جيّد هو الطين، فدخول الحسّ الانتقامي إلى شخصية طيّبة مثل عامر سيولّد أفعالاً قاسيةً جداً. في النهاية، أنا مع ترك المتلقّي ليقرأ المادّة من الناحية التي تريحه فكرياً.

«لعنة الطين» هو العمل التلفزيوني الأول لكاتبه، والثالث لشركة قبنض التي لم توفّق في توزيع عملَيها السابقين «باب المقام» و«صراع المال». ما الذي شجّعكَ لدخول هذه التجربة تحديداً؟

أحمد إبراهيم أحمد: قبل الدخول في أيّ مسلسل، لا بدّ أن يستهويني نصّه، وإلا فلا أقدم عليه مهما كانت الظروف. نص «لعنة الطين» استهواني جداً. بدأت القراءة وبعد ثلاثة أيام اتصلتُ بالكاتب سامر رضوان وعبّرتُ له عن إعجابي بنصّه.

هنا لا بدّ من التنويه بنقطة هامّة للغاية. في العمل الإبداعي، لا علاقة لعدد التجارب بالنتيجة المقدّمة، فقد تكون التجربة الأولى هي الأنجح في تاريخ الشخص من بين عشرات المحاولات. الأمر يتعلّق بخيال المبدع وقدرته على الإتيان بالفكرة الخلّاقة والجيّدة.

العمل مليء بالنجوم. كيف تمكّنتم من التعاقد مع هذا الكمّ الكبير من الأسماء المهمّة؟

أحمد إبراهيم أحمد: الشركة المنتجة، مشكورةً، وفّرت لهذا العمل كل الإمكانيات اللازمة لنجاحه، وأتاحت لي حريّة التعاقد مع أيّ اسم أراه مناسباً. من هنا تمّ التعاقد مع مجموعة كبيرة من نجوم الدراما السورية ليكونوا موجودين في «لعنة الطين».

كيف فكّرتَ بالشكل البصري للعمل لدى المباشرة بالتنفيذ، خصوصاً أنّك من أشهر مدراء الإضاءة والتصوير في الدراما السورية؟

أحمد إبراهيم أحمد: المادة المكتوبة هي التي تفرض الشكل البصري الملائم لها. بعد قراءتي للنص، تخيّلتُ الشكل البصري للعمل مباشرةً، مثلما كان يحصل معي أيام عملي في الإضاءة والتصوير تحت إدارة مخرجين آخرين.

سامر رضوان قال عن نقطة الصورة: «ما قدّم من صورة لم يحاكِ الورق كما كنت أتخيّل، إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ الصورة المقدّمة لم تكن بالمستوى المطلوب»..

أحمد إبراهيم أحمد: هذا أمر طبيعي. دائماً ما يختلف خيال الكاتب على الورق عن التنفيذ العملي على أرض الواقع. لاحظ ذلك في الأفلام المنقولة عن روايات عالمية شهيرة مثل «ساعي البريد» أو «عطر». الخيال الصرف شيء والواقع العملي شيء آخر تماماً.

سامر رضوان: لا يمكن أن ينفّذ الورق كما في مخيلة الكاتب، لأنّه يكتب وفق فضاء غير محدّد. أنا قلتُ إنّ الأستاذ أحمد إبراهيم الأحمد بذل جهداً استثنائياً في هذا العمل، وقدّم وجهة نظري بأمانة مستخدماً أدوات إخراجية تمثّله. وما دامت وصلت للناس، فما ألفّه من خلال الصورة كان جيداً.

ما حكاية «لعنة الطين» مع الرقابة؟

أحمد إبراهيم أحمد: في البداية، قدّمنا النص للجنة قراءة النصوص من أجل الحصول على إذن التصوير، وتمّت الموافقة بشرط تغيير الخط المتعلّق بالكلية الحربية، فقام الكاتب بتعديل الخط كما طلبوا. ربّما يكون الخط الأصلي أمتع وأكثر تماسكاً، ولكن كان لا بدّ من التعاون مع الرقابة في سبيل تصوير المسلسل.

بعد التصوير تأتي موافقة التصدير، وهي لجنة مختلفة عن لجنة القراءة الأولى. طلبت أيضاً حذف بعض المشاهد حتى يسمحوا لنا بالتصدير. لا يمكنني أن أعدد لك المشاهد المحذوفة لأنها كثيرة حقيقةً. بعد ذلك تأتي لجنة ثالثة مختلفة هي لجنة الموافقة على العرض السوري، والتي قامت بدورها بحذف كمّ أكبر من المشاهد. المشكلة الحقيقية أنّ هذا الحذف لم يكن علمياً أو منطقياً. عندما تحذف الفعل وتترك أثره، وعندما تمنتج بشكل خاطئ بحيث تقطع المشهد بشكل فج والموسيقى التصويرية بأسلوب حاد، فأنت تسبّب إرباكاً لدى المشاهد، وتجعله يعتقد أنّ صنّاع هذا العمل ليسوا بالمستوى الفنّي المطلوب. هذا الأسلوب غير المنطقي في الرقابة أساء لنا كمسؤولين عن المسلسل أمام الجمهور.

الرقيب عندنا يفكّر بالحفاظ على منصبه أولاً، وبالتالي هو غير مستعد للمجازفة بإجازة موضوع أو مشهد قد يعترض عليه البعض. والأكثر من ذلك أنّه لا يوجد ضوابط واضحة يعمل وفقها الرقيب، فالموضوع عشوائي ويتبع الحظ والمزاج في كثير من الأحيان. وعليه، كان يمكن أن يُجاز معظم «لعنة الطين»، كما كان من الجائز أن يُحذف منه أكثر من ذلك.

سامر رضوان: ماذا تعني الرقابة؟ الرقابة تعني حماية البنية المجتمعية من محاولات البعض خلخلة البنى الداخلية لهذا المجتمع. والمجتمع بهذا المعنى يأخذ أطيافاً عديدة، منها السياسي والاقتصادي والديني وما إلى هنالك. على الرقيب أن يكون حذراً في هذه النقطة تحديداً، ولكن أن يكون شريكاً في التأليف، فهذا ما لا يحقّ له أن يفعله على الإطلاق.

ما حدث معنا أنّه عندما قدّم النَص أربك الرقيب، لأنّ به معادلات جديدة أحبّها لكنّه خاف من إجازتها. بالتالي، اصطدمنا ببعض المحظورات التي يمكن أن نفصّلها على عدّة نقاط.

أولاً، العرض الذي قدّمه المسؤول لبطلَي العمل عامر وجواد بأن يدخلا الكلية الحربية ويلتحقا بدورة تنتهي بعد ثلاثة أشهر. هنا قالت الرقابة إنّ هذا أمر مستحيل. قلتُ لهم عندما حاورتهم: إنّ هذا متخيّل حكائي يحيل إلى مجموعة دلالات، ولا أقول إنّ هناك ضباطاً تخرّجوا دون دخول الكلية الحربية، ولكن لم يقبلوا هذه الفرضية واعتبروها ستشعل النيران، فاضطررتُ مكرهاً لإطالة الزمن من ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات، ما أدّى إلى خلل درامي زمني في تنامي الشخصيات.

كذلك، كانوا ضد الاقتتال بين طلاب الكلية الحربية، مدّعين أنّ طلاب الكلية الحربية في الوطن العربي ودول العالم الثالث عبارة عن أنبياء. قلتُ لهم: نحن نقدّم نموذجاً مصغراً للسلطة التي ستكبر في يوم من الأيام، لكنّهم أصرّوا أيضاً على أنّ هذه الاقتتالات غير مقبولة. أيضاً، هناك مشهد لجواد أثناء التدريب، يضغط عليه النقيب الذي كان قائداً لدورته لدرجة تجعله يشهر بندقية ويجبره على الانبطاح أرضاً أمام الكلية الحربية، ثم تحلّ المشكلة بتدخل المسؤول. الرقابة رفضت المشهد ولم تقتنع بأننا نقدّم خيالاً روائياً.

تمّ اقتطاع جزء كبير من الحوارات بين المسؤول والبطلَين، ما أساء إلى بنية الشخصيات الثلاثة. كما طالبونا بتخفيف مشهد الاعتداء على عامر، حيث كان يُفترض أن يكون أقسى من الذي عُرض، بحجّة أنّ صغار السن قد يشاهدونه. ما يتعلّق بالجمارك العامة، قصّوا ما له علاقة بدخول بعض المواد إلى البلاد كالأعضاء البشرية وغيرها.

قسم من الحذف قمتُ به دون عناد لأنّه لا يؤثّر كثيراً على بنية العمل، مثل حديث وضّاح عن حادثة «الفيّاضية» التي راح ضحيتها عشرات الشهداء السوريين، وقد أحببتُ أن أذكّر بهم. أيضاً الشأن السياسي مع بعض الفصائل اللبنانية بحجّة أننا لا نعرف مآل العلاقات أثناء عرض المسلسل. لهم الحق في رؤية ما يشاؤون، فالمصلحة السياسية للبلاد تعنيني كما تعنيهم.

الحقيقة أنّنا تعرّضنا لرقابات وليس لرقابة واحدة. الرقابة الورقية حذفت 136 مشهداً، ورقابة التصدير حذفت أكثر من 20 مشهداً، ورقابة العرض السوري قدّمت «نكات» مضحكة في العرض أساءت للعمل. هنا أقدّم نصيحةً للتلفزيون السوري: إمّا أن تقبل عملاً أو ترفضه تماماً، ولكن أن تقبله بشروطك فهذا أمر غير مقبول.

ألا يمكن مناقشة الرقابة في أسباب الحذف وموجباته؟

أحمد إبراهيم أحمد: أنا أطالب بتوحيد لجان الرقابة على الأقل، أي أن تكون لجنة القراءة هي نفسها لجنة المشاهدة حتى لا نقع في مشكلة تفاوت الذهنيات، فربما تكون لجنة أصعب من الأخرى والعكس صحيح. فلتتأكّد لجنة القراءة أنّ ما تمّ تصويره لا يختلف عن النص الذي وافقت عليه. هذا أقل ما يمكن أن يحدث.

بالمقابل، هناك حديث بمنطق مختلف تماماً. يقول البعض إنّ الرقابة السورية كانت منفتحة مع «لعنة الطين» أكثر من المعتاد، ورفعت سقفها وباركته بكل صدر رحب..

أحمد إبراهيم أحمد: هنا أؤكّد مجدداً على نقطة مزاج الرقيب، فلو كان هناك ضوابط ومعايير واضحة، ما كنّا سمعنا وجهتَي نظر متناقضتين حول هذا الموضوع. في اللجنة الواحدة قد يكون هناك خمسة أعضاء، لكل منهم توجّهاته وحساباته وميوله المختلفة، وهذا حتماً سيؤدّي إلى المشاكل التي عانينا منها. ما أعرفه أنّ القيادة تدعو للمكاشفة وتقديم الجريء طالما أنّ غاية العمل وطنية نبيلة، وليست بقصد الإساءة.

سامر رضوان: الرقابة لا ترفع السقف، بل الكتّاب مَن يفعل ذلك. عندما تكتب وفق فضاء أوسع من الموجود، قد تُفاجئ أنّ هامش الحرية أوسع ممّا تتخيّل. الكاتب يحلم بالاستثنائي دوماً، ولكن يبدو أنّ ذلك غير وارد حالياً. الرقابة لم تتساهل، ولكن النص هو الذي فرض عليهم أن يرفعوا السقف، وإلا لما حدث هذا الإرباك بالنسبة للجان الرقابة. في كل لجنة كان يوجد مَن يقول لنا: «لقد أحببنا هذا العمل ونتمنّى أن يظهر كما هو»، ويمكن أن أسمّي الأشخاص لاحقاً إذا أنكروا ذلك. باختصار، النص مكتوب ضمن فضاء لم يستطيعوا سوى أن يوافقوا عليه.

يلعب خالد تاجا دور مسؤول كبير فاسد (أبو نزار) ينتهي به المطاف إلى خارج البلاد بعد أن يصبح معارضاً، ما يذكّر الناس بعبد الحليم خدّام. هل كان التشابه مقصوداً؟ وهل صحيح أنّ نهاية هذا الخط هي أحد أسباب مرور المسلسل؟

أحمد إبراهيم أحمد: هذا غير صحيح. نحن نتحدّث عن مسؤول فاسد بالإطار العام وليس على وجه التحديد. الفساد لا يتمثّل بشخص واحد، بل هو واقع قائم وموجود في أيّة طبقة سياسية عبر التاريخ. من هنا أؤكّد أننا لم نقصد شخصاً بعينه، وإنّما نتحدّث بشكل عام.

سامر رضوان: ثمّة رغبة لدى الشارع السوري بأن نتحدّث عن رموز مرحلة الثمانينيات بشفافية. لو كنتُ أقصد مسؤولاً بعينه، لأدخلتُ بعض الرموز الدالّة على شخصيته، وعليه لو أردتُ أن أتحدّث عن عبد الحليم خدّام تحديداً كما يُشاع، لملّكتُه شركة إنتاج على الأقل، أو لجعلتُ له أولاداً من المتحكّمين بالشأن الاقتصادي. «أبو نزار» في العمل لديه بنت وحيدة زوجها معتقل، وهذا لا يمتّ لشخصية خدّام بأدنى صلة.

قدّمتُ هذا الخط لأقول إنّ مغادرة أو هرب أحد الفاسدين لا تعني انتهاء الفساد، بل يبقى الفعل الذي تركه أو النبتة التي زرعها، ففي الحلقة الأخيرة، يظهر خليفة «أبو نزار» ليتحدّث بنفس المنطق والمفردات. الخطاب السياسي أقرّ بوجود الفساد في سورية، وهذا ذكاء يُحسَب له. إذاً، لماذا لا نكتب عنه ونفضح رموزه؟

رغم أنّ المسلسل يناقش فترة الثمانينيات بجرأة وجديّة، إلا أنّ البعض انتقد اقتصار هذا التناول على بعض الظواهر وإهماله لبديهيات وأحداث عديدة مثل أحداث الأخوان المسلمين وغيرها. ما هو الرد على هذا الطرح؟

أحمد إبراهيم أحمد: نحن لا نوثّق لمرحلة بكاملها، ولا يمكن الإحاطة بهذه الحقبة الغنية من تاريخ سوريا المعاصر بعمل واحد، بدليل ظهور أكثر من مسلسل هذا العام يتناول مرحلة الثمانينيات.

سامر رضوان: ما هي وظيفة نص «لعنة الطين»؟ هل هي وظيفة تحريضية؟ هل هي استعادة جراح سابقة لإثارة فتن داخلية؟ وظيفة «لعنة الطين» تقديم بنية حكائية ترسم منعكساً مستقبلياً، كي نفكّر ببعض النقاط التي أصابها العطب والخلل لنتلافاها في المراحل القادمة. التوثيق ليس وظيفة أو غاية، ومَن يعتقد أنّه قادر على توثيق تلك المرحلة أو تقديم نموذج بيبلوغرافي دقيق عنها، فهو واهم ومخطئ ويحلم. وهذا ليس له علاقة بالتواجد في سورية والخوف من الاعتقال وما إلى هنالك من أكاذيب. المسألة ليست كذلك. ثمّة غياب للرؤية الواضحة لصراعات تلك المرحلة، أنت كمواطن تقف حائراً: هل توافق على العنف الأصولي؟ هل توافق على العنف المضاد؟ إذاً، الرؤية كانت غائمة. أعطني مثالاً واحداً عن موثّق كان حيادياً في قراءته لتلك المرحلة.

سؤال آخر يطرح نفسه هنا: لماذا لدى المتلقّي السوري رغبة في ألا يكون هناك ضوابط؟ بمعنى، عندما أقدّم عملاً حكائياً أتمنى أن أرفع السقف والهامش، ولكن لا أتمنى أن يكون حاملاً للخراب. ما يهمّني هو تقديم عمل ممتع على صعيد بنيته الحكائية والدلالية، ولستُ معنياً بإثارة الفتن والبحث في أمور تجاوزناها، بدليل أننا نتحدّث الآن بحرية. هذا لم يكن ممكناً في السابق، بحكم أنّ الداخل السوري كان معقداً ومتشابكاً، ما أدّى إلى رسوخ ذهنية الخوف لدى المواطن السوري، وقد تحرّر منها الآن. هذا يُحسب للمرحلة بغضّ النظر إذا كنتُ معها أو لي ملاحظات عليها. في الثمانينيات لم يكن هناك أدنى أمل في تقديم حلقة واحدة من «لعنة الطين».

إذاً، لا أحد يستطيع اختزال مرحلة كاملة في 30 حلقة، وما يسمّونها بالبديهيات ليست مطلبي أو هدفي. هؤلاء يحلمون باللا سقف، واللا سقف أمر مستحيل.

هل فكّرتَ بتقديم إشارات تشبه الحل للخروج إلى واقع مختلف، أم بقيتَ في إطار طرح الأسئلة والظواهر المختلفة؟

سامر رضوان: في «لعنة الطين»، قدّمتُ مجموعة إيحاءات تحيل إلى مجموعة حلول. الإيحاءات الأولى هي دراسة «الحرس القديم» الذي زرع مجموعة من الأشجار علينا الانتباه لها لأنّها نمت في مناخ غير صحيّ. وسورية بلد ولّاد وليس عقيماً، فيه من الكوادر ما فيه. أتساءل دائماً عن الأسماء التي تتكرر في الإدارات، وكأنّ بعض المسؤولين يريدون القول إنّ سورية لا يمكن أن تنجب إدارات جديدة تعادل الإدارات القديمة، مع أنّ الوضع الآن أفضل من السابق بكثير. في المسلسل يقول المسؤول: «لي في كل مرافق الحياة مَن هم أنصاري»، وهي دعوة للانتباه إلى ظاهرة الشلّة في الإدارة. فلنبتعد عن مبدأ: «هادا محسوب على مين؟» و«هادا دراع مين؟».

ما سبب اختيارك للبيئة الساحلية تحديداً؟ وكيف استوحيتَ مفرداتها؟

سامر رضوان: والدتي من ريف طرطوس، وكنتُ أقضي هناك العطل الصيفية في طفولتي. الكاراكترات والأنماط هناك كانت تدهشني وتستفزّني لملاحظتها ورصد آليات تفكيرها وخطابها. من جهة ثانية، كي نعود للثمانينيات لا بدّ من الريف، لأنّ جزءاً كبيراً من أهله هاجروا إلى المدينة/العاصمة للعمل والإقامة حيث الهناء والسعادة كما كان يعتقد البعض. إذاً، لا بدّ من حضور المناخَين، والمناخ الريفي الأقرب لي هو الريف الساحلي الذي أفرز حكايات أعتقد أنّ النّاس أحبّوها في «لعنة الطين».

إذا ما تحدّثنا عن توزيع المسلسل، هل صحيح أنّ الفضائيات العربيّة تخوّفت من شرائه إلى أن يُعرض على قناة سورية تلافياً لأيّ خلاف مع الحكومة السورية؟

أحمد إبراهيم أحمد: لا أعتقد أنّ هذا الكلام دقيق تماماً. في رأيي أنّه كان هناك سوء توزيع من قبل الشركة المنتجة. كان هناك مشكلة في إدارة التوزيع، من خلال الاعتماد على أكثر من جهة وطرف، ما أدّى إلى تضارب سلبي في عمل هذه الجهات.

أتمنّى أن يوزّع المسلسل بشكل جيّد الآن، لتشاهده أكبر شريحة ممكنة من الجمهور.

ما القادم بعد «لعنة الطين»؟

أحمد إبراهيم أحمد: حتى الآن، الأمور تتجّه نحو الدخول بمسلسل «حاتم الطائي»، تأليف وفيق خنسة ويشاركه عاطف صقر، وإنتاج شركة كلاكيت. وهناك نصّ لسامر رضوان بعنوان «الولادة من الخاصرة»، وهو اسم مبدئي، أعتقد أنّه سيكون من الأعمال المهمّة، وشخصياً أعوّل عليه كثيراً.

سامر رضوان: أعمل على نص بعنوان مبدئي هو «الولادة من الخاصرة»، وهو عمل اجتماعي معاصر يبدأ عام 2005، بطريقة معالجة مختلفة عن «لعنة الطين». يتعرّض للبنية الاجتماعية مع نقد للظواهر الاجتماعية ضمن حكايات فيها أمراض نفسية عديدة. دخلتُ في المرض النفسي، لأنّ الأعمال الدرامية العربية تفتقد لهذه الأنماط. أتمنّى أن أقدّم عملاً يحاكي الجمهور ولا يستغبيه.

ماذا عن الموسم الدرامي الأخير؟

أحمد إبراهيم أحمد: هناك مجموعة من الأعمال التي يجب أن نقف عندها: «ما ملكت أيمانكم»، «وراء الشمس»، «أسعد الورّاق» و«تخت شرقي». أرى أنّها أعمال بديعة وجميلة من كلّ النواحي، إضافةً إلى الإخراج المتميّز في «القعقاع»، والمسلسل الاجتماعي الكوميدي الرائع «ضيعة ضايعة» للمبدع الليث حجو، الذي يتحفنا دائماً بأعمال قيّمة وجميلة. هذا العام، لمسنا تطوّراً نوعياً للدراما السورية أكثر من السنوات السابقة، أتمنّى أن نبني عليه في المستقبل.

سامر رضوان: أرى أنّ فيه من الغنى ما فيه على عكس ما يُقال في الصحافة. أجد أنّ هناك تنوّعاً في الطروحات وفي أدوات الإخراج البصرية، إضافةً إلى ظهور مجموعة من الممثلين الذين أصبحتُ أعوّل عليهم كثيراً. ممّا تمكّنتُ من مشاهدته، أعجبتُ بالفرضيّة التي طرحت في مسلسلَي «وراء الشمس» و«بعد السقوط»، وأعجبتني فكرة إعادة عمل سابق مثل «أسعد الورّاق». أعتقد أنّ هذه التجارب الثلاثة تستحق المتابعة والاهتمام، وقد يكون لي ملاحظات عليها كما يمكن أن يكون لهم ملاحظات على نصّي. على صعيد الممثلين، أثبت مكسيم خليل أنّه قادر على أن يكون نجماً حقيقياً، وظهرت كاريس بشار في «لعنة الطين» بطريقة مختلفة عمّا ظهرت عليه في السابق، حتى أنّ أحد النقاد قال إنّها تقدّم دوراً يمكن ألا تستطيع تكراره في المستقبل.

كلمة أخيرة من خلال موقع «بوسطة»..

أحمد إبراهيم أحمد: لديّ ملاحظة حول تعامل بعض الصحفيين مع أعمال هذا الموسم. هناك عملَين أو ثلاثة يُكتب عنها بشكل يومي، في حين تمرّ بعض الأعمال مرور الكرام. ربّما يكون هناك نوع من «التجييش» غير المحبّب، والعلاقات الشخصية يجب ألا تطغى بشكل فاضح على العمل الصحفي.

كذلك، أتوجّه بالتحيّة لكل طاقم موقع «بوسطة» من إدارة وصحفيين، الذين واكبونا في كل مراحل «لعنة الطين»، وأشكرهم على كل ما يقدّمونه من دعم لجميع الأعمال الدرامية السورية.

سامر رضوان: موقع «بوسطة» كان صديقاً وملازماً لنا عبر مراحل التصوير، وعبر اهتمامه بصنّاع هذا العمل. أتمنى من بعض الصحفيين أن يكونوا أكثر أمانة في نقل التصريحات، وأعتقد أنّهم ظلمونا في بعض التسريبات الصحفية التي أثارت بلبلةُ غير موجودة في النص.

سامر رضوان:

من مواليد عام 1975.

عضو في اتحاد الكتاب العرب (جمعية الشعر).

عضو المؤتمر العام لنقابة الفنانين في سورية، أمين سر فرع حمص.

عمل مذيعاً في إذاعة دمشق والفضائية السورية، وكان من كادر التأسيس لقناة الدنيا الفضائية السورية

قبل أن يتركها منذ حوالي عام ونصف.

نشر مواده النقدية وقصائده في جميع الصحف السورية وبعض الصحف والمجلات العربية: (السفير،

النهار، أخبار الأدب، الدستور، النقاد).

أعدّ وقدّم أعمالاً إذاعية وتلفزيونية عدّة، منها: من هنا وهناك ( قناة art)، أوراق للثقافة (قناة اقرأ)، أروقة الصحافة (الفضائية السـورية)، حوار الدنيا (قناة الدنيا)، البثّ المباشر (إذاعة صوت الشعب)، شائعات (إذاعة صوت الشباب). وعمل في قناة «سبيس تون» لمدّة عشر سنوات، أعدّ وأخرج خلالها عشرات برامج الأطفال، إضافةً إلى عمله في الدوبلاج والتعليق على البرامج الوثائقية.
حصل على ذهبية مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون (فئة البرامج الحوارية الثقافية) عن برنامجه «واحد من آخرين» عام 2004.

كتب عدداً من سيناريوهات أفلام وثائقية وسينمائية منها: «دائرة الحدث» لقناة الجزيرة، «المعترك السياسي» لقناة أبو ظبي. وفي السينما سيناريو فيلم الزقاق ..وغرب المتوسط.

قدّم مئات نشرات الأخبار في القنوات التي عمل فيها، وعلّق على مئات البرامج الوثائقية.
أصدر 3 مجموعات شعرية هي: «تشكيلات لمولد الحصار» (اتحاد الكتاب العرب) 2000، «آخر ما أبدعته الكناية» (اتحاد الكتاب العرب) 2002 و«غرفة من ندم» 2009.

حصل على أكثر من عشرين جائزة أدبية في الشعر، منها: جائزة بيت الشعر (مصر) 2000، جائزة الدكتورة سعاد الصباح (الكويت) 2001، جائزة القافلة (السعودية) 2004، جائزة ماجد أبو شرار (فلسطين) 2001.

شبه متفرّغ للكتابة الدرامية حالياً.

يقول سامر: «تعرّضتُ في برامجي لرقابة أقسى بكثير من الرقابة التي واجهها نصّي».

أحمد إبراهيم أحمد:

عاد أحمد إبراهيم أحمد إلى البلاد عام 1990 قادماً من بلغاريا بشهادة في هندسة الإضاءة، ليعمل في التلفزيون السوري ويرأس شعبة الإضاءة فيه لبضعة سنوات، عمل خلالها في عدد من المسلسلات والسهرات التلفزيونية، قبل أن يقدّم استقالته ويتفرغ للعمل الدرامي كواحد من أهم مدراء التصوير والإضاءة في سوريا.

عمل مع معظم المخرجين السوريين، وبخاصة حاتم علي الذي رافقه منذ بداياته في أعمال مثل: «خيال بائع جوّال»، «اللعبة»، رباعية «ظل الأرض» «فارس المدينة»... وصولاً إلى «سفر» عام 1998 وباقي المسلسلات: «الفصول الأربعة»، «الزير سالم» «صقر قريش»، «ربيع قرطبة»، وانتهاءً بـ «صراع على الرمال».

هكذا، نال صاحب صورة «التغريبة الفلسطينية» عدداً من الجوائز مثل أفضل إضاءة في مهرجان القاهرة عن «الملك فاروق»، وأدونيا والأهم، حسب رأيه، جائزة برنامج «البيت بيتك» في مصر، ليغتنم فرصة الإخراج في سلسلة «منمنمات اجتماعية» بأربعة أفلام (رياح الخريف - عزيز قوم - مثل الحقيقة - صدى الصمت)، قبل أن يقدم على مسلسله الأول «طريق النحل» في موسم 2009.