2013/05/29

طاحون الشر نسخة مشوهة من دراما البيئة الشامية!
طاحون الشر نسخة مشوهة من دراما البيئة الشامية!


علاء الدين العالم – تشرين

كنت قد تساءلت قبيل انطلاق الموسم الدرامي الحالي عن المبرر المنطقي لوجود ستة أعمال ما يسمى «دراما بيئة شامية» في هذا الموسم، وعن جدوى إنتاج أعمال كهذه لا تمثّل تاريخ هذه المدينة العريقة وحسب بل تشوهه أيضاً، إلا أننا لم نشأ حينها أن نطلق حكماً تقييماً قبل أن نشاهد هذه الأعمال على الشاشة. بدأت هذه الأعمال وعلى رأسها «طاحون الشر» لمروان قاووق وناجي طعمي  بطرح ما في جعبتها وانتهت منه ولم نتمكن من التقاط ما كان قد وعد به صناع مسلسل «طاحون الشر» من تجديد واختلاف عن بقية الأعمال الشامية التي قدمت في المواسم السابقة.

قصة شامية تكرس مفهوم القبضنة ....

تدور أحداث مسلسل «طاحون الشر» عن صراع قطبي الخير والشر على زعامة إحدى حارات دمشق المفترضة في زمن الانتداب الفرنسي، من خلال شخصيات «زيدو، وائل شرف» قبضاي الحارة المظلوم الذي يدافع عن الخير ويدافع عن حق «رفيق سبيعي» في زعامة الحارة، ضد طاحون الشر المؤلف من «عاصم بيك، بسام كوسا» وبعض وجهاء الحارة منهم «علي كريم» وزعران الحارة الذين يعملون تحت يد عاصم بيك ويتزعمهم ميلاد يوسف، مصوراً ما يدور بينهم من نزاعات تبرز فيها الخناجر معبرة عن قبضنة أهل الشام، إضافة الى البوجقة في الكلام وما إلى ذلك من لوازم القبضنة الدمشقية كما يطرحها هذا النوع من المسلسلات، إضافة إلى تسليط الضوء على فساد سلطة الانتداب الفرنسي الممثلة برئيس المخفر رامز الأسود الذي يخضع لإملاءات «عاصم بيك» المرتبط بسلطات الانتداب الفرنسي والذي يحاول إفساد الحارة ونشر الشر والفتن بين أهلها، وتحقيق طموحه باستلام زعامة الحارة. إن هذا المفترض الحكائي الذي يقدمه «طاحون الشر» الملتف بالقبضنة والعراك بين شباب الحارة نادراً ما تخلو منه الفنتازيا الشامية والتي يخلق فيها الكاتب من مجموعة العلاقات بين رجال هذه الحارة المفترضة صراعات تتواتر لتصل إلى ذرا وتهبط باتجاه نهاية يتغلب فيها الخير على الشر، إذاً ما الجديد الذي يقدمه «طاحون الشر»، وما الفرق بينه وبين أعمال «القبضنة الشامية» مثل بيت جدي بجزأيه، والدبور على سبيل المثال لا الحصر؟ أليس «خطّاب، سامر المصري» في الدبور هو ذاته زيدو في «طاحون الشر»؟ ألم يدرك صناع العمل أن شخصية «عاصم بيك» ذاك الرجل الشرير الميسور ما هي إلا صورة فوتوغرافية لشخصية «صبري» في مسلسل «بيت جدي» و«أبي حمدي» في «الدبور»؟ أليس الصراع الدرامي في مسلسل الدبور يدور بين طرف الخير ممثلاً بقبضاي الحارة «خطاب» ذاك الشاب المظلوم الذي يعود للحارة لينتقم ممن ظلمه، وبين طرف الشر «أبو حمدي، خالد تاجا»؟؟ إن الإجابة عن هذه التساؤلات هي كفيلة بدحض مقال الكاتب سابقاً إن «طاحون الشر مختلف وجديد». إن الصراع الدرامي في طاحون الشر هو نسخة طبق الأصل عن الدبور، وإن شخصيتي «زيدو، وخطاب» هما وجهان لعملة واحدة، وإن اللبنة المكونة للبناء النفسي لشخصية «أبو حمدي في الدبور، وصبري في بيت جدي» هي ذاتها المستخدمة في بناء شخصية «عاصم»، أليست كل هذه الأمور إثباتات تدل على إفلاس الكاتب؟؟

عالوعد يا كمون

أعتقد أن خصوصية طاحون الشر تكمن في القصة، فهي تقدم لأول مرة في أعمال البيئة الشامية من ناحية البناء القصصي، إضافة إلى اعتماد أسلوب الفلاش باك في بعض الخطوط الدرامية، هذا ما كان قد صرح به كاتب العمل لتشرين مروان قاووق أثناء تصوير طاحون الشر، ويعد من خلاله ببناء قصصي جديد. لو حاولنا تفكيك البناء القصصي لمسلسل «طاحون الشر» لوجدنا أن عناصر هذا البناء لا تختلف عما قدمه قاووق بشكل خاص في دراما البيئة الشامية وما قدمه كتاب دراما البيئة الشامية بشكل عام، المكان: حارة شامية افتراضية، الزمان: زمن الانتداب الفرنسي على دمشق، الشخصيات: شخصيات نمطية تفرز خيرة أو شريرة، الصراع الدرامي: يفتعل الكاتب أحداثاً تتسارع لتصل إلى ذرا ثم تهبط نحو نهاية سعيدة ينتصر فيها الخير على الشر، السرد: استخدام أسلوب الفلاش باك ليرجع الأبطال بذاكراتهم ويتذكروا أحداثاً حصلت في ماضيهم وكان لها أثرها على حياتهم الآن وهنا. إن البناء القصصي الذي بنيت عليه قصة «طاحون الشر» هو ذاته ما بني عليه قصص «الدبور، بيت جدي، الشام العدية....» فـ«خطاب» بطل مسلسل الدبور، لطالما كان يسترجع بطريقة الفلاش باك الأحداث التي حصلت معه من الماضي وقصة ظلمه، ناهيك وأن زمان ومكان القصة هو ذاته، أيضاً الصراع الدرامي هو نسخة عن الصراع في هذه الأعمال. إن هذا التفكيك للبناء القصصي في مسلسل طاحون الشر ومقاربته مع سواه من أعمال دراما بيئة شامية كتبها قاووق نفسه يدل أن لا جديد ولا اختلاف على صعيد البناء القصصي في طاحون الشر كما وعد الكاتب مروان قاووق، وكأن طاحون الشر هو الدبور لكن مع تغيير أسماء الشخصيات وتعديل الحوارات وطرح أحداث جديدة تدور في الفلك نفسه.

شخصيات تقتل ممثليها....

لطالما كان لعب الممثل لشخصيات مماثلة مقتلاً لإبداع هذا الممثل، وقدراته الأدائية، وأدواته في امتلاك الشخصيات المختلفة. تكلمت في بداية المقال أن شخصية صبري في مسلسل بيت جدي تأليف مروان قاووق إخراج إياد نحاس والتي أداها الفنان الكبير بسام كوسا، ما هي إلا صورة فوتوغرافية لشخصية «عاصم بيك» التي أداها كوسا أيضاً، ولو أبحرنا في تحليل الشخصيتين لوجدنا أن الأسس الأولية لبناء الشخصيتين متطابقة، فصبري هو ذكر، دمشقي، عمره في الخمسينيات، متزوج، وله احترامه بين رجالات الحارة، وهذا ينطبق على شخصية «عاصم بيك» فهو أيضاً ذكر، دمشقي، عمره في الخمسينيات، متزوج، له احترامه بين رجالات الحارة، ونجد هذا التطابق في السمات، فسمات الشخصيتين هي ذاتها، صفات صبري هي الشر المطلق،الأنانية، الظلم، الكذب، الخيانة، الغدر، هذه الصفات تنطبق على شخصية «عاصم بيك» في «طاحون الشر» أيضاً حتى أنه لا يتصف بشيء مغاير عن صبري، كذلك فإن دوافع الفعل عند صبري تنشأ من رغبته في السيطرة على الحارة واستغلال منصبه للوصول إلى هذه الغاية وإزاحة كل العقبات في طريقه ممثلة بـ«أبي راشد، ناجي جبر» و«رشيد بك، أسعد فضة»، هذه الدوافع هي ذاتها دوافع الفعل عند «عاصم بيك» فالوصول إلى زعامة الحارة والسيطرة عليها هو مبتغاه. خط سير الشخصيتين هو واحد أيضاً، صبري يحاول السيطرة على الحارة ويقضي على كل خصومه من خلال مجموعة من زعران الحارة «رامز الأسود، نوار بلبل»، ويُقتل في النهاية وينتصر الخير متمثلاً بأبي راشد وسامر المصري، وهذا حال عاصم الذي يقتل هذا وذاك للوصول إلى الزعامة لكنه يخسر في النهاية أمام الخير ممثلاً بزيدو. إن هذا التحليل الخاطف للشخصيتين يظهر مدى تطابقهما، وهنا أقول إن فناناً كبيراً بقامة بسام كوسا ما الذي يدفعه لأداء شخصيتين بهذا التطابق؟ أترك الجواب لفناننا الكبير...

إن هذه القراءة لمسلسل «طاحون الشر» تثبت أن هذا العمل ما هو إلا نسخة مشوهة لأعمال البيئة الشامية، وما هو إلا جرعة قبضنة دمشقية تتمثل بكم القبضنة والقوة الموجودة عند أبطال المسلسل ابتداء من القبضاي الكبير «زيدو، وائل شرف» مروراً بـ«أبي راتب، أندريه سكاف» انتهاءً بميلاد يوسف. إن أعمال كهذه لم تعد تشوه تاريخ دمشق وحسب بل أصبحت بمنزلة المسامير التي تدق في نعش الدراما التلفزيونية السورية والتي لا يمكن أن تتحول إلى حالة فنية خالصة بوجود أعمال كهذه.