2012/07/04

«طــالــع الفضــة» يغيــر قــواعــد اللعبــة
«طــالــع الفضــة» يغيــر قــواعــد اللعبــة


ماهر منصور - السفير

لا يختلف كثيرون حول اعتبار مسلسل «أيام شامية» للمخرج بسام الملا نقطة تأسيسية لدراما البيئة الشامية كما ترسخت بالشكل والمضمون على مدى نحو عشرين عاماً. نتفق أن عرّاب هذا الشكل هو المخرج الملا. وربما نختلف أو نتفق على أن في هذه الدراما ما اقترب من الفنتازيا، ومنها ما اقترب من حكايات الجدات، أو ما استند الى واقعة حقيقية.

وبكل الأحوال نرى أن تفاصيل حكايات مسلسلات البيئة الشامية توزعت بين الخيال والواقع، وإن طفا الخيال كثيراً في المسلسلات الأخيرة مفوتاً علينا فرصة التمتع بما فيها من رائحة واقع جميل شهدته الشام، بما فيه من قيم مجتمعية وأخلاق.

قبلنا دراما البيئة الشامية على علاتها، في وقت كانت تحصد فيه يوماً بعد يوم عددا أكبر من الجمهور، ومعه ترتفع أسهم تلك الدراما تسويقياً، لدرجة بات فيها المنتج يعتبر سلفا أن تسويق أي عمل شامي متاح وبالتالي ربحه مضمون.

إزاء ذلك، يطل «طالع الفضة» بشراكة الكاتبين عنود الخالد وعباس النوري والمخرج سيف الدين سبيعي ليغير قواعد اللعبة. يتمرد على الشكل جزئياً وعلى المضمون اللذين اعتدناهما في مسلسلات البيئة الشامية. يحترم الفترة الزمنية التي تدور فيها أحداث مسلسله، يعيد الاعتبار لكل الشرائح التي غيبتها دراما البيئة الشامية، ويشق عصا الطاعة لـ«العقيد» ومجلس «أعضوات» الشام المكون من الحلاق و«الخضرجي» ويكسر صورة المرأة الثرثارة، ويجد للرجال معنى غير «البوجقة» ومعارك الخناجر وتفتيل الشوارب، فيما يعيد الاعتبار للشام بوصفها واحدة من حواضر الثقافة حتى لو غيم عليها «العثماني» لفترة.

والأهم أن العمل أعاد صورة التنوع الديني الذي عرفته الشام والتعايش السمح بين متتبعي الأديان، حيث يسكن في الحي المسلم إلى جانب المسيحي واليهودي، ويظهر الجميع كجزء من نسيج اجتماعي، لا بالشكل الفلكلوري، كما ظهر في مسلسلات سابقة.

تلك الصورة لم يأت بها «طالع الفضة» مدعياً أنه قدم وثيقة تاريخية عن الشام في تلك الفترة، بل إن الحرص على التوثيق لم يثقل على المسلسل، وإنما هو قدم حكاية درامية فيها من الخيال ما يكفي لينطوي على جاذبية حكاية الجدات التي أحببناها في مسلسلات البيئة الشامية. لكن «طالع الفضة» لم يبالغ بحكايته حد تضييع ملامح الفترة التاريخية سياسياً واجتماعياً وإسقاطها من حساباته، وما ظهور الدكتور عبد الرحمن الشهبندر (جمال سليمان) كشخصية وطنية تاريخية معروفة في العمل المتخيل، سوى صدى لاطمئنان صناع العمل على أنهم احترموا توثيقاً الفترة الزمنية لأحداث عملهم بما يجعلهم يستحضرون فيه شخصية تاريخية في حدث درامي يجري في نهاية الدولة العثمانية.

في المسلسل لا يبدو بطل الحكاية «الخال» (عباس النوري) شخصية كرتونية، بل إنها حملت ما حملته شخصيات مسلسلات البيئة الشامية من شهامة وشجاعة وقيم. ولم تكن شخصية «أبي نزيه» السلبية بالشكل التقليدي للشرير الذي ترسخ في دراما البيئة الشامية. والأهم أننا لا نشهد في الحكاية هذا الانقسام الحاد والساذج في المجتمع بين أشرار وأخيار...

هذا الشكل الذي يحمله اليوم «طالع الفضة» تأخر للخروج إلى العلن بمقدار ما مر من سنوات على إنتاج الجزء الأول من دراما «الحصرم الشامي» للكاتب فؤاد حميرة والمخرج سيف الدين سبيعي. حيث شكل إنتاج هذا المسلسل التمرد الأول على شكل دراما البيئة الشامية كما تكرس خلال السنوات العشرين الأخيرة. فقدم حكايته من أجواء كتاب «حوادث دمشق اليومية» للبديري الحلاق .. وتجاوز الحارة المغلقة على ناسها وحكاياتهم، نحو عوالم درامية جديدة، وإن كنا نحفظ لـ«الحصرم الشامي» السبق في التمرد على الشكل النمطي لدراما الشام، فإن»طالع الفضة» قدم بيئة لا تختلف أجواؤها بالشكل العام عن بيئة المسلسلات الشامية السابقة، بل حافظ على جاذبيتها ذاتها التي شدت إليها جمهورا كبيرا. بمعنى أنه تحدى هذه الأخيرة بعقر دارها بالشكل وبجزء من أدوات جاذبيتها.

لا نريد بالحديث عن «طالع الفضة» و«الحصرم الشامي» أن نقلل من أهمية مسلسلات البيئة الشامية، ولا سيما ما قدمه المخرج بسام الملا.. وإنما يبدو العملان مثلا عمليا لا لتقديم حكاية شامية ضمن بيئة موثقة اجتماعياً وسياسياً وحسب، وإنما أيضاً للتمييز بين مسلسلات البيئة الشامية كما بدأت في «أيام شامية»، و«ليالي الصالحية» كجزء لا ينفصل عن حكاية الجدات، ودراما فلكلورية أحببناها وقبلناها دون توثيق، وكما انتهت في «باب الحارة» مثقلة بحوادث تاريخية انتقائية في حكاية لا يصدق تفاصيلها إلا السذج.